خاص الكوثر - العشرات
يروي الفيلم قصة جيري لين، الموظف السابق في الأمم المتحدة، الذي يجوب العالم في محاولة لوقف جائحة غامضة تهدد البشرية بالفناء. غير أن الوباء هنا لا يُقدَّم بوصفه كارثة بيولوجية فحسب، بل كرمز لانتشار ما يُسمّى «الإرهاب» والتطرّف وفق التعريف الأميركي–الإسرائيلي، حيث تصبح كل الوسائل مباحة باسم «سلامة البشرية»، بما في ذلك قصف المصابين وحرقهم.
تبلغ الدلالات السياسية ذروتها في مشاهد القدس المحتلة، حيث يُستقبل البطل الأميركي من قبل مسؤولين إسرائيليين يُقدَّمون كأكثر الأطراف «استشرافًا للخطر»، بعدما بنوا الجدار الفاصل لحماية أنفسهم من الوباء القادم. يصوّر الفيلم المجتمع داخل الجدار كفضاء متسامح ومتعايش، يضم يهودًا ومسلمين يصلّون جنبًا إلى جنب، قبل أن يخترق الزومبي الجدار فجأة، لتعمّ الفوضى.
هذا المشهد، الذي يوازي بصريًا الجدار العنصري في الواقع، يُعيد إنتاج الرواية الإسرائيلية: الجدار وسيلة دفاع، والتهديد يأتي من الخارج بلا ملامح إنسانية. في المقابل، يُغيَّب الفلسطينيون كضحايا حقيقيين، ويُختزل حضورهم في صورة «الخطر» أو الكتلة المجهولة، بما يخدم سردية الاحتلال ويغطي على جرائمه.
اختيار القدس ليس تفصيلاً عابرًا؛ فهو يرسّخ فكرة «العاصمة الآمنة» تحت السيطرة الإسرائيلية، وهو خطاب سيتحول لاحقًا إلى قرار سياسي أميركي بالاعتراف بالمدينة عاصمة للاحتلال. كما يعزّز الفيلم مركزية إسرائيل باعتبارها شريكًا أساسيًا في إنقاذ العالم، بينما يُقصى العرب عن أي دور إنساني أو حضاري.
حتى في لحظات التعاطف، يُعاد إنتاج النموذج ذاته: جندية إسرائيلية تتعرض للهجوم، والبطل الأميركي يتدخل لإنقاذها، في مشهد يكرّس صورة التحالف الأخلاقي والعسكري بين الطرفين. وفي النهاية، يعود «المخلّص» الأميركي منتصرًا، حاملًا الحل للبشرية، وفق النموذج الكلاسيكي لهوليوود.
ولا يخلو الفيلم من إعادة تدوير صور نمطية أخرى، مثل تصوير كوريا الشمالية كدولة غامضة قمعية، بما يتماشى مع قائمة «الأعداء الدائمين» في المخيال الأميركي.
في المحصلة، لا يُعد «World War Z» مجرد فيلم زومبي، بل مثالًا على كيف توظّف هوليوود الخيال والرعب لإعادة صياغة الصراعات السياسية، وتطبيع مفاهيم العزل والقوة العسكرية، وتكريس سردية الخلاص الأميركي–الإسرائيلي، تحت غطاء نهاية العالم.