خاص الكوثر - العشرات
تخيّل أن تعيش يومك وأنت تترقّب قصفًا قد يحدث في أي لحظة، أو قد لا يحدث أبداً. هذا التهديد وحده كفيل بتعليق حياتك: مشاريع مؤجّلة، قرارات معلّقة، وأطفال يكبرون داخل دائرة القلق. هنا يبدأ دور «الحرب الناعمة»، حيث يُستخدم الخوف كسلاح يسبق أي مواجهة عسكرية.
خبر عاجل، تصريح سياسي ناري، صورة من جبهة مشتعلة… كلها عناصر كافية لتغيير مزاجك اليومي ودفعك للتساؤل: هل هذا وقت مناسب للبناء؟ للسفر؟ للإنجاب؟ للحلم؟ هكذا يتحوّل الخوف إلى قوة تعطيل جماعية، تزرع التردّد والعجز قبل أن تبدأ الحرب فعليًا.
العالم اليوم يعيش على حافة توتر دائم: حرب روسيا وأوكرانيا، المواجهات في غزة واليمن وسوريا، التصعيد بين إيران وكيان الاحتلال، والتهديد المستمر بجرّ المنطقة إلى حرب شاملة. يضاف إلى ذلك اضطراب العلاقات الدولية، من الولايات المتحدة إلى آسيا وأميركا اللاتينية. وحتى من يعيش بعيدًا عن خطوط النار، يبقى محاصرًا بعناوين عاجلة وتحليلات مخيفة تصله عبر الهاتف الذي يحمله في جيبه.
الخوف في جوهره ردّة فعل طبيعية؛ العقل يحاول حماية نفسه وأحبته. لكن حين يتحوّل هذا الخوف إلى حالة دائمة، يصبح أداة سيطرة. سورًا غير مرئي يقيّد الخطوات ويطفئ الرغبة في الحياة. الحكمة ليست في إنكار الخوف، بل في ألّا نسمح له بأن يتحكم بمصيرنا.
هنا يبرز معنى التوازن: الحذر من دون شلل، والوعي من دون استسلام. أن ندرك أن حياتنا ليست رهينة مزاج سياسيين يقرعون طبول الحرب بحثًا عن نفوذ أو مكاسب. فبداية الحرب أو عدمها أمر خارج عن سيطرتنا، لكن كيفية عيشنا في ظل التهديد تبقى خيارًا.
التاريخ يعلّمنا أن الحياة لم تتوقف حتى في أقسى الحروب. والرسالة واضحة: الاستمرار فعل مقاومة بحد ذاته. أن نعيش، نبني، ونحب، هو الردّ الأقوى على حرب تُدار بالخوف قبل أن تُدار بالسلاح.
والسؤال يبقى:
هل أفضل مواجهة لتهديدات الحرب اليوم هي الترقّب والانتظار؟ أم أن نختار الحياة، رغم كل شيء؟