خاص الكوثر - العشرات
عندما اجتاح فيروس كورونا العالم، لم يغيّر فقط أنماط الحياة ويغلق المدن، بل فتح بابًا واسعًا للشكوك. هل كان الفيروس ظاهرة طبيعية كما تؤكد منظمة الصحة العالمية، أم سلاحًا بيولوجيًا خرج عن السيطرة؟ ومع انحسار الجائحة، لم تختفِ المخاوف، بل تصاعدت مع الإعلان عن مشاريع علمية جديدة، مثل إطلاق بعوض معدّل وراثيًا لمكافحة الملاريا، ما أعاد الجدل حول توظيف التكنولوجيا الحيوية في صراعات المستقبل.
الحروب الحديثة لم تعد بحاجة إلى جيوش جرارة أو ترسانات صاروخية. اليوم، قد يكفي فيروس، أو حشرة معدّلة جينيًا، أو تدمير متعمّد للتربة والمحاصيل، لإخضاع دولة كاملة. إنها الحرب البيولوجية والزراعية: ساحة صراع صامتة، لا تُرى بالعين المجردة، لكنها تضرب الصحة والغذاء والاقتصاد في العمق.
تاريخيًا، ليست هذه الحروب جديدة. خلال الحرب العالمية الثانية، أُجريت أبحاث مكثفة على الجمرة الخبيثة والطاعون، وتحولت مختبرات مثل “فورت ديتريك” في الولايات المتحدة إلى مراكز لتطوير أسلحة بيولوجية. الفكرة كانت بسيطة وخطيرة في آن: إذا دمّرت صحة الإنسان أو غذاءه، فقد شُلّت قدرته على المقاومة دون إطلاق رصاصة واحدة.
في العقود اللاحقة، انتقل الصراع إلى استهداف الزراعة والغذاء. خلال الحرب على إيران والعراق، كُشف عن برامج بحثية ركزت على عوامل مرضية تستهدف المحاصيل والماشية، بهدف إضعاف الاقتصاد الزراعي. وفي سياق آخر، اتهمت روسيا الولايات المتحدة بإدارة أنشطة بيولوجية عسكرية في أوكرانيا، مشيرة إلى عشرات المختبرات الممولة بملايين الدولارات، وسط جدل دولي واسع حول حقيقة هذه البرامج وأهدافها.
أما في منطقتنا العربية، فقد ظهرت اتهامات مماثلة. في اليمن، أعلنت الأجهزة الأمنية عن كشف خلايا تعمل على تخريب الزراعة عبر إتلاف التربة واستخدام مبيدات سامة. وفي فلسطين، تعود شكاوى المزارعين منذ عقود من رش مبيدات مجهولة أثّرت على الأراضي والمحاصيل.
آثار هذه الحروب الخفية لا تتوقف عند تدمير الأرض، بل تمتد إلى نقص الغذاء، ارتفاع الأسعار، انتشار الأوبئة، وانهيار الأنظمة الصحية. هكذا يتحول الغذاء والدواء إلى أدوات ضغط سياسي، ويجد المواطن نفسه في قلب معركة لم يخترها، حتى وهو يظن أنه بعيد عن السياسة والحروب.
يبقى السؤال مفتوحًا:
هل يستعد العالم فعلًا لمواجهة هذا النوع من الحروب الصامتة؟
أم أن الخطر الحقيقي يُهمَل تحت عنوان “نظرية مؤامرة”… إلى أن يقع؟