خاص الكوثر - العشرات
تاريخيًا كانت الأسرة المدرسة الأولى التي تنقل القيم والهوية من جيل إلى جيل، أما اليوم فباتت تتعرّض لضغوط متعددة: محتوى إعلامي موجّه يعيد تعريف «الأسرة المثالية» بعيدًا عن قيم المجتمع، ومسلسلات وأفلام تروّج لنماذج سلوكية غريبة، ومؤثرون ينشرون أنماطًا تضعف التماسك، وأخبار مفبركة تبث الخوف داخل البيوت. إضافة إلى ذلك، تؤثر الضغوط الاقتصادية وارتفاع الأسعار على قدرة الأهل على القيام بدورهم التربوي، ما يجعل الأبناء فريسة للشارع أو للمنصات الرقمية.
اقرأ ايضاً
هناك أيضًا محاولات لإعادة تشكيل التعليم والمناهج وإدخال مفاهيم بعيدة عن البيئة والثقافة المحلية، وإضعاف اللغة الأم لصالح بدائل «أكثر تطورًا» ظاهريًا، فتنشأ أجيال عديدة منعزلة عن جذورها. خوارزميات وسائل التواصل تخلق فقاعات رقمية تحفظ الأطفال في محتوى مُفصّل لهم، بينما يقلّ الحوار الأسري والوقت المشترك—وهذا كله يُضعف رصيد الانتماء والقدرة على المقاومة الثقافية.
عزلة الأبناء، ضعف الحوار، تآكل القيم المشتركة، وظهور جيل بلا جذور يسهل توجيهه أو استغلاله. لذا فإن هذه «الحرب على الأسرة» أخطر من أي مواجهة عسكرية لأنها تهدف إلى سلب المجتمع هويته الداخلية.
أما سُبُل المواجهة فتكمن في إجراءات عملية ومتكاملة: ضبط الاستهلاك الإعلامي والوعي بما يتابع الأهل والأبناء، تخصيص وقت يومي للعائلة للحوار ومشاركة الأفكار بعيدًا عن الشاشات، إعادة الاعتبار للتربية باعتبار البيت المدرسة الأولى، تعزيز المناهج والهوية الثقافية واللغة الأم، ودعم الأسر اقتصاديًا واجتماعيًا عبر سياسات تقلّل العبء المعيشي عن الأهل. كما يجب مراقبة المحتوى وحماية الأطفال من الانفتاح غير المضبوط، لأن قوة الأسرة المتماسكة تبقى الأساس لوقاية المجتمع من أي تدمير ثقافي أو اجتماعي.