الكوثر_مناسبات
تواضع الإمام الرضا (عليه السلام)
ومن القصص التي تبين تواضع الإمام (ع) ما رواه ابن شهرآشوب في كتابه المناقب حيث قال: (دَخَلَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ اَلْحَمَّامَ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ اَلنَّاسِ دَلِّكْنِي فَجَعَلَ يُدَلِّكُهُ فَعَرَّفُوهُ فَجَعَلَ اَلرَّجُلُ يَسْتَعْذِرُ مِنْهُ وَهُوَ يُطَيِّبُ قَلْبَهُ وَ يُدَلِّكُهُ)[٦]. لقد استمر الإمام (ع) في تدليكه بعد أن عرف الرجل أنه الإمام تواضعا منه (ع). والحال أنك ترى بعض المؤمنين عندما تريد الحديث معه لا تدري من أي باب تدخل عليه خوفا من غضبه وانفعاله. ولقد كان النبي (ص) متواضعا رحيما فعن ابن مسعود قال: (أَتَى اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ رَجُلٌ يُكَلِّمُهُ فَأُرْعِدَ فَقَالَ هَوِّنْ عَلَيْكَ فَلَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا اِبْنُ اِمْرَأَةٍ كَانَتْ تَأْكُلُ اَلْقَدَّ)[٧]. فقد أخذت الرجل هيبة النبوة فأخذ يرتعد والنبي (ص) يسكن من روعه.
اقرا ايضا:
البزنطي وافتخاره بإكرام الرضا (عليه السلام) له
وقصة أخرى ينقلها لنا البزنطي وهو من خواص أصحاب الرضا (ع)، يقول: (بَعَثَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَيَّ بِحِمَارٍ فَرَكِبْتُهُ وَأَتَيْتُهُ وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ بِاللَّيْلِ إِلَى أَنْ مَضَى مِنْهُ مَا شَاءَ اَللَّهُ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْهَضَ قَالَ لاَ أَرَاكَ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى اَلرُّجُوعِ إِلَى اَلْمَدِينَةِ قُلْتُ أَجَلْ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ فَبِتْ عِنْدَنَا اَللَّيْلَةَ وَاُغْدُ عَلَى بَرَكَةِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْتُ أَفْعَلُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ يَا جَارِيَةُ اُفْرُشِي لَهُ فِرَاشِي وَاِطْرَحِي عَلَيْهِ مِلْحَفَتِيَ اَلَّتِي أَنَامُ فِيهَا وَضَعِي تَحْتَ رَأْسِهِ مَخَادِّي قَالَ قُلْتُ فِي نَفْسِي مَنْ أَصَابَ مَا أَصَبْتُ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ لَقَدْ جَعَلَ اَللَّهُ لِي مِنَ اَلْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُ وَأَعْطَانِي مِنَ اَلْفَخْرِ مَا لَمْ يُعْطِهِ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِنَا بَعَثَ إِلَيَّ بِحِمَارِهِ فَرَكِبْتُهُ وَفَرَشَ لِي فِرَاشَهُ وَبِتُّ فِي مِلْحَفَتِهِ وَوُضِعَتْ لِي مَخَادُّهُ مَا أَصَابَ مِثْلَ هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ وَهُوَ قَاعِدٌ مَعِي وَأَنَا أُحَدِّثُ فِي نَفْسِي فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا أَحْمَدُ إِنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَتَى زَيْدَ بْنَ صُوحَانَ فِي مَرَضِهِ يَعُودُهُ فَافْتَخَرَ عَلَى اَلنَّاسِ بِذَلِكَ فَلاَ تَذْهَبَنَّ نَفْسُكَ إِلَى اَلْفَخْرِ وَتَذَلَّلْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاِعْتَمَدَ عَلَى يَدِهِ فَقَامَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)[٨].
من الدروس التي نستفيدها من سيرة الرضا (ع)، الالتزام بالشريعة وأحكامها والثبات في السير إلى الله عز وجل في السفر والحضر. فهناك بعض المؤمنين إذا ما ابتعد عن أجواء العبادة والمسجد والجماعة ينتكس وكأنه معفي عن كل شيء في السفر، ولكن الرضا (ع) يترك مدينة جده (ص) متجها إلى طوس ولكنه يبقى محافظا على أذكاره وأوراده وعبادته بأحسن ما يكون، وكذلك كان المسلمون في صدر الإسلام حينما أمرهم النبي (ص) وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب الهجرة إلى الحبشة فقد التزموا بالأحكام وعبدوا الله سبحانه كما كان يعبده المسلمون وهم حول النبي (ص) في المدينة، وقد ذهب أمير المؤمنين (ص) إلى اليمن بأمر من النبي (ص) وأسلم على يديه العشرات من أهلها، وهكذا دأب المؤمن لا يتغير برنامجه السلوكي بتغير الزمان والمكان وإنما يتخذ إلى ربه سبيلا في كل مكان وزمان أمكنه ذلك.