شاركوا هذا الخبر

ليلة يلدا .... أسرار من معتقدات الإيرانيين القدماء

تُعدّ ليلة يلدا رمزاً لانتصار النور على الظلام وبداية الازدياد التدريجي لطول النهار؛ فهل ينسجم هذا التصور مع تعاليم الأنبياء الإلهيين التي تؤكد أن العاقبة ستكون لانتصار الحق على الباطل وظهور النور في نهايته؟»

ليلة يلدا .... أسرار من معتقدات الإيرانيين القدماء

الكوثر_ثقافة

تُعدّ ليلة يلدا إحدى الطقوس التقليدية العريقة والمستدامة لدى الشعب الإيراني، في هذه الليلة، التي تصادف أطول ليالي السنة في النصف الشمالي للكرة الأرضية (21 ديسمبر/كانون الأول)، عُرفت بوصفها رمزاً لانتصار النور على الظلام وبداية الزيادة التدريجية لطول الأيام. وهي «الليلة التي تُعدّ بداية أول فترة من الأربعين يوماً الأولى من فصل الشتاء الممتد ثلاثة أشهر». ويُقصد بـ«الأربعينية» أن فصل الشتاء، وفق التقويم والمعتقدات الإيرانية القديمة، كان يُقسَّم من حيث الزمن والطقس إلى فترتين رئيسيتين من أربعين يوماً:

اقرأ ايضا:

اصفهان.. جوهرة تاريخية نابضة

ترحيب دولي بجناح الثقافة والطعام الإيراني في المهرجان الدبلوماسي الباكستاني

 

الأربعينية الكبرى: من 1 دي إلى 11 بهمن (أشد أيام الشتاء برودة وقسوة).

الأربعينية الصغرى: من 10 بهمن إلى 30 بهمن (برودة أقل، لكنها لا تزال شتوية).

وبما أن ليلة يلدا تُصادف بداية الأربعينية الكبرى (ليلة آخر يوم من الخريف)، فقد أُطلق عليها اسم «ليلة الأربعين».

ورغم أن طقس ليلة يلدا متجذّر في المعتقدات الإيرانية القديمة ودورة الطبيعة، فإنه على مرّ الزمن امتزج أيضاً بالتعاليم والقيم الدينية. فهذه الليلة ليست مجرد إرث من تقليد قديم، بل أصبحت رمزاً لصون النور في مواجهة الظلام، والأمل في مواجهة اليأس، والخير في مواجهة الشر؛ وهي مفاهيم تحظى بمكانة عميقة في مختلف الأديان، ولا سيما في الثقافة الإيرانية ـ الإسلامية. ومن المنظور الرمزي، يمكن اعتبار شروق الشمس بعد أطول ليلة في السنة دلالة على انتصار النور وبداية البركة، تماماً كما يُعدّ النور في التعاليم الدينية رمزاً للهداية والحياة.

وفي الرؤية الدينية، يمكن لهذا النور أن يكون تمثيلاً لظهور المنقذ وبزوغ العدالة الإلهية؛ نورٌ يحرر العالم بقدومه من ظلمات الجهل والظلم والبرود الروحي، ويبعث دفء الإيمان والأمل في القلوب. وكما ينبثق فجر يلدا بعد أطول وأظلم ليلة في السنة لتبدأ أيام جديدة، فإن الاعتقاد المهدوي يرى أنه بعد مرحلة طويلة من الظلمة والانتظار، تشرق شمس الولاية، فتفيض الأرض بالعدل والطمأنينة. وبهذا المعنى، تذكّر ليلة يلدا بوعدٍ أبدي مفاده أن أي ليلٍ مظلم لا يدوم، وأن نور الحقيقة يبدأ بالبزوغ، وأن ذلك الوعد الإلهي سيتحقق في ربيعٍ آتٍ، ليعمّ بعدها النور والعدالة الدائمة أرجاء العالم.

واللافت أن هذا الرمز المرتبط بالنور والضياء لا يقتصر على الطقوس الإيرانية القديمة، بل يتكرر بعمق أكبر في الروايات الإسلامية أيضاً. فقد ورد في حديث عن الإمام جعفر الصادق (ع) في تفسير الآية الكريمة: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ (سورة الزمر، الآية 69)، أن «ربّ الأرض» هو إمام الأرض. ولما سُئل: ماذا يكون الحال عند ظهوره؟ قال (ع): «حينئذٍ يستغني الناس عن نور الشمس وضوء القمر، ويكتفون بنور الإمام» (تفسير القمي، ج2، ص253).

ويُقيم هذا الحديث الشريف صلةً واضحة بين نور الهداية الإلهية وظهور المنقذ الموعود. فكما تحيا الأرض بنور الشمس بعد أكثر ليالي السنة ظلمة، كذلك يضيء العالم، عند الظهور، بنور الولاية بعد أن يكون قد أنهكته عصور الظلم والفساد. ومن هذا المنظور، تتحول «يلدا» من مجرد احتفال موسمي إلى رمز للوعي والأمل ووعد الخلاص؛ تذكيرٍ بحقيقة أن أي ظلام لا يمكن أن يكون أبدياً، وأن النور سيعمّ الأرض في نهاية المطاف.

وهذا الوعد لا يقتصر على الإسلام وحده، بل تشترك فيه جميع الأديان الإلهية التي بشّرت أتباعها بيوم جديد وعالمٍ تسوده العدالة والنور. وفي هذه الرؤية، يُنظر إلى تاريخ البشرية على أنه مسار من الظلام إلى النور، ومن التشتت إلى الوحدة.

ومن أبرز ثمار هذا الإيمان والفكر، بقاء شعلة الأمل حيّة في قلوب البشر؛ أملٌ بمستقبل تزول فيه مظاهر الفساد والظلم لتحلّ محلها قيم السلام والمعرفة والازدهار، ويبلغ الإنسان، في ظل الهداية الإلهية، ذروة النمو والتكامل والطمأنينة الروحية. وهذا المستقبل ليس حلماً خيالياً، بل وعدٌ إلهي متجذر في فطرة الإنسان، يدعوه إلى الصبر والعمل الصالح وانتظار الفرج بنورٍ وأمل.

ومن هذا المنطلق، ليس مستبعداً أن يكون هذا الطقس العريق، المعروف لدى الإيرانيين القدماء باسم «ليلة الأربعين» ورمز انتصار النور على الظلام، متأثراً هو الآخر بتعاليم الأنبياء الإلهيين الراسخة. ويكشف هذا التلاقي الثقافي والإيماني أن البشر، على اختلاف أقوامهم وأعراقهم، كانوا عبر التاريخ يبحثون فطرياً عن المعنى الجوهري ذاته: انتصار الخير على الشر، والعلم على الجهل، والحياة على الموت.

وعليه، تتجاوز ليلة يلدا كونها احتفالاً موسمياً لتغدو إرثاً إيمانياً مشتركاً؛ شاهداً حيّاً على حقيقة خالدة مفادها أنه كلما طال ليل الانتظار، أشرق نور الهداية الموعود بقوةٍ أعظم على العالم.

كلمة "يلدا" ذات أصل سرياني وتعني "الولادة"، إذ اعتبر الإيرانيون القدماء هذه الليلة بداية لعودة الشمس تدريجيًا في مسارها نحو الشمال الشرقي، مما يشير إلى ميلاد جديد للشمس. يُقال إن الاحتفال بليلة يلدا يعود إلى ديانة الميترائية في إيران، حيث يُعتقد أنها شهدت انتصار إله النور على إله الشر "أهريمن".

يُحيي الإيرانيون هذه الليلة بالجلوس مع عائلاتهم وقراءة دواوين الشعر الكلاسيكي مثل حافظ الشيرازي و"الشاهنامه" لفردوسي، بهدف نقل القيم والأخلاق والتاريخ من جيل إلى آخر.

تتزين مائدة يلدا بالرمان والبطيخ الأحمر، حيث يرمز الرمان للفرح والبطيخ للحماية من برد الشتاء. وتشمل المائدة المكسرات، الحلويات، الشاي، والفواكه الطازجة.

يتمسك الإيرانيون بتقليد التفاؤل من خلال أخذ "الفأل" من أشعار حافظ الشيرازي، كما يتبادلون القصص والحكايات في جو عائلي دافئ.

 

أهم الأخبار

الأكثر مشاهدة