قام المفسّرون ببحوث مختلفة بما يتناسب مع البحث الوارد في هذه الآيات حول إطالة وإقصار العمر بأمر الله ، وذلك بما يتوافق مع الروايات الواردة في هذا الخصوص .
طبيعي أنّ هناك سلسلة من العوامل الطبيعية التي تؤثّر على طول أو قصر العمر ، والتي أصبح أكثرها معروفاً عند الناس ، كالتغذية الصحيحة بعيداً عن الإفراط والتفريط ، العمل وإدامة الحركة ، تحاشي المواد المخدّرة ، والإدمانات الخطرة والمشروبات الكحولية ، الإبتعاد عن المهيّجات المستمرة ، التمسّك بإيمان قوي يساعد الإنسان على العيش باطمئنان وهدوء في الملمّات ، ويعطيه القدرة على مواجهة ذلك .
وإضافة إلى ذلك ، فإنّ هناك عوامل اُخرى غير واضحة الإرتباط ظاهراً بقضيّة طول العمر ، ولكن الروايات أكّدت عليها ، وكنموذج نورد الروايات التالية :
أ ـ عن الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال : «إنّ الصدقة وصلة الرحم تعمران الديار وتزيدان في الأعمار» (1) .
ب ـ وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال : «من سرّه أن يبسط في رزقه وينسىء له في أجله فليصل رحمه» (2) .
ج ـ وفيما يخصّ بعض المعاصي مثل الزنا وأثرها في تقصير عمر الإنسان نقرأ في الرواية المشهورة عن الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يا معشر المسلمين إيّاكم والزنا فإنّ فيه ستّ خصال ، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة ، أمّا التي في الدنيا فإنّه يذهب بالبهاء ، ويورث الفقر ، وينقص العمر» (3) .
د ـ عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال : «البر وصدقة السرّ ينفيان الفقر ويزيدان في العمر ، ويدفعان عن سبعين ميتة سوء» (4) .
كذلك فقد وردت الإشارة إلى المعاصي والذنوب الاُخرى كالظلم ، بل مطلق المعاصي .
بعض المفسّرين الذين لم يتمكّنوا من التفريق بين «الأجل المحتوم» و «الأجل المعلّق» اعترضوا على مثل هذه الأحاديث واعتقدوا بأنّها مخالفة لنصّ القرآن وأنّ عمر الإنسان له حدّ ثابت لا يتغيّر (5) .
توضيح المسألة : ـ لا شكّ أن للإنسان أجلا محتوماً وأجلا معلّقاً .
الأجل المحتوم الذي هو نهاية إستعداد الجسم للبقاء ، وبحلوله ينتهي كلّ شيء بأمر الله .
الأجل المعلّق أو المخروم الذي ينتفي بانتفاء شرائطه ، مثلا إنسان ينتحر فلو أنّه لم يقم بتلك الكبيرة فإنّه سيبقى لسنوات اُخرى يواصل حياته . أو أنّه نتيجة تعاطي المشروبات الكحولية والمواد المخدّرة وممارسة الشهوات بدون قيد أو شرط ، يفقد الجسم قدراته في مدّة قصيرة . في حال أنّه بالإبتعاد عن هذه الاُمور يستطيع أن يعيش لسنوات طويلة اُخرى .
هذه اُمور قابلة للإدراك والتجربة بالنسبة إلى الجميع ، ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك . كذلك فإنّه فيما يخصّ الأقدار فإنّ هناك اُموراً ترتبط بالأجل المخروم ، وهي أيضاً غير قابلة للإنكار .
وعليه فإذا ورد في الروايات أنّ الإنفاق في سبيل الله أو صلة الرحم تطيل العمر وتدفع أنواعاً من البلاء ، فهي في الحقيقة تقصد هذه العوامل .
وإذا لم نفصل بين الأجل المخروم والأجل المحتوم لا يمكننا إدراك كثير من الامور المتعلّقة بالقضاء والقدر ، وتأثير الجهاد والسعي والعمل الدائب في الحياة ، وسوف تبقى هذه الاُمور غير قابلة للحلّ .
هذا البحث يمكن توضيحه بمثال واحد بسيط وهو الآتي :
لو اشترى أحدهم سيارة جديدة بحيث يتوقّع من صناعتها أن تدوم عشرين عاماً ، بشرط المحافظة عليها وصيانتها ، وفي هذه الحالة فإنّ الأجل الحتمي لهذه السيارة هو عشرون عاماً ، ولكن لو لم تتحقّق لها الصيانة المطلوبة وقام صاحبها بتسليمها إلى أشخاص لا مبالين وغير عارفين بقيادة السيارات ، أو أن يحملها فوق طاقتها ، أو أن يقودها بعنف في طرق وعرة يومياً ، فإنّ أجلها المحتوم ذلك يمكن أن يهبط إلى النصف أو العشر ، وذلك هو الأجل المخروم ، ونحن نعجب كيف أنّ بعض المفسّرين لم يلتفتوا إلى هذه القضية الواضحة .
_______________________
1 . تفسير نور الثقلين ، ج4 ، ص354-355 .
2 . تفسير نور الثقلين ، ج4 ، ص354-355 .
3 . المصدر السابق .
4 . سفينة البحار ، ج2 ، ص23 ، مادة صدفة .
5 . تفسير روح المعاني ، ج22 ، ص164 ، ذيل الاية مورد البحث .