والبداية الجديدة قد تكون من أقاصي الحدود السورية ومن المنطقة الكردية في العراق؟ وهل الإستراتيجية الأميركية الجديدة تجاه طهران هي فعلاً نقطة إنطلاق لمرحلة جديدة من الصراع الدموي مع ايران في المنطقة، واستطراداً مع روسيا، أم هي ورقة جديدة ستستخدم لإعادة التوازنات، وإعادة رسم حدود المصالح للأطراف الأساسية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية؟
الدخول الروسي الى سوريا.. لا تفاهم مع الأميركيين
شكلت داعش، حسب مصادر دبلوماسية شرقية عليمة، الورقة الأميركية الأقوى لإعادة رسم خارطة الصراع في المنطقة، بعد التغيّرات الميدانية الكبرى التي حصلت في العراق ولبنان، وبعد استيعاب موجة “الثورة” السورية، وإعادة التموضع في بلاد الشام بين القاعدة والإرهاب الدولي المدعوم من 70 ألف مقاتل أجنبي وبين الدولة السورية. وتضيف المصادر أنّ داعش هذه شكّلت الأرنب – الشيطان الذي أخرجته الولايات المتحدة الأميركية من جعبتها بوجه كلّ محور المقاومة الذي صمد واستوعب الهجمة، وبدأ بمرحلة التوازن. تشهد المنطقة اليوم آخر فصول حياة داعش، بعد أن استنفذ دورها بفعل الهزيمة الكبيرة التي وقعت فيها على أيدي المحور الآخر، وكذلك بفعل تفلّت بعض قياداتها من الإطار المرسوم، لتتجه صوب مواقع الحلفاء، الولايات المتحدة، الذين موّلوها وأعطوها الدعم المعنوي والروحي والعقائدي لانطلاقتها، أو الدعم اللوجيستي والمالي من جهة أخرى.
وتقول المصادر الشرقية العليمة أنّ دخول روسيا الى المنطقة لم يكن أبداً دخولاً منسّقاً أو مبرمجاً مع الولايات المتحدة الأميركية، بل كان دخول الضرورة، حيث لم تستطع واشنطن، لا بالتوازنات القائمة، ولا بقوتها، ولا بفشل المشروع، أن تمنع هذا الدخول، وإن كانت صعّبته حيناً وأجّلته أحياناً. ولكنّ الوقائع على الأرض فرضت هذا الدخول، وحجم التفاهم القائم بين روسيا، واستطراداً الصين، وبين ايران، وموقع سوريا الاستراتيجي بالنسبة لكلّ هؤلاء، فرض هذا الدخول، وفرض الأمر الواقع الذي توسّع وتعمّق وتطوّر، لينسج حيناً تفاهمات مع الولايات المتحدة الأميركية، وينتزع أحياناً تفاهمات أخرى كانت عرضة للانقلاب عليها من قبل الأميركيين في كلّ لحظة سنحت الفرصة لذلك.
هل تنتقل الفوضى من المشرق الى الخليج الفارسي؟
مصادر عربية معنيّة بالملفّين العراقي والسوري تؤكّد أنّ ميزان القوى على الأرض وإصرار محور المقاومة، بالتنسيق مع روسيا، على تجاوز الخطوط الحمر الأميركية؛ كون هذه الخطوط في حال احترامها كانت لتعيد الأمور الى المربّع الأوّل، وكانت تتيح إطلاق فوضى أوسع من الفوضى والدم والدمار الذي شهدته المنطقة منذ عام 2011 حتى اليوم؛ تجاوز هذه الخطوط فرض وقائع على الأرض، منها إعادة فتح طريق دمشق – طهران، وعودة الجيش الى الشرق السوري، مسقطاً بذلك كلّ إمكانات التقسيم في سوريا، ومعيداً العراق الى هذه المحور، وكذلك تعزيز التفاهم الروسي – الإيراني – السوري الى مرحلة أعلى من التفاهم، وإن لم تبلغ التحالف. كما جعلت العلاقة بين دولة عظمى كروسيا، والمقاومة كفصيل محلي يقاتل في الساحات الإقليمية، علاقة تفاهم وتعاون الى درجة أنّ الكرملين وسيده يذكران المقاومة بالإسم، ويتكلّمان عن دورها المؤثّر والإيجابي.
أمام هذه اللوحة، يصبح السؤال المشروع والمحوري: هل عودة التسخين الأميركي من بوابة العقوبات على حزب الله، وتجميد الاتفاق النووي مع ايران، وهل إعطاء الضوء الأخضر، ولو كان سرّياً، للأكراد لإعلان دولتهم في هذه الظروف، هو العنوان الأساسي للمرحلة المقبلة، أم أنّ التفاهمات وصلت فعلاً الى درجة الجلوس الى طاولة المفاوضات النهائية وترسيم الحدود والموازين والقوى والأدوار لكلّ طرف، ما يستدعي في لحظات النار الأخيرة استخدام كلّ الأسلحة المتاحة لرسم الأحجام الحقيقية؟ فهل الولايات المتحدة الأميركية اليوم تستخدم كل هذه الأوراق لتنظيم الاختلاف والمصالح، وإنّ نقطة الارتكاز للفوضى قد انتقلت من المشرق الى دول الخليج الفارسي ؟، مع انفجار الصراع القطري – السعودي من جهة، وثمّ الانفجار المضبوط أو المستتر اليوم داخل العائلة المالكة السعودية، والذي بدأ ينتشر في مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الأجنبية، ليصل الى رجال البلاط مع اتهامات بعشرات الاعتقالات وبوضع ولي العهد السابق، بالإضافة الى الأمير عبد العزيز بن فهد، في الإقامة الجبرية؟ هل فعلاً أنّ مرحلةً يسدل ستارها اليوم عن المشرق لتبدأ مرحلة الخليج الفارسي؟ وهل أنّ الملف اليمني الذي لم يقفل يكون هو الشرارة؟ وهنا لا بد من التذكير أنّ في عامي 2014 و2015، حملت معظم الصحف البريطانية والأميركية خرائط لتقسيم السعودية، وكلام عن بدء الانفجار في الخليج الفارسي. هذه الأسئلة كلّها تطرح اليوم في سوق المعادلة الإقليمية الدولية.
زيارة الملك سلمان الى موسكو.. زيارة المضطرّ!
ينقل مقرّبون عن أمير سعودي قوله في مجلس خاص، أنّ زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز الى موسكو، هي تسليم واقعي بميزان القوى الجديد في المنطقة، وأنّ الزيارة ما جاءت إلّا تتويجاً لما يحصل على الأرض من جهة، ولزيارتين قام بهما ولي ولي العهد، حينها، محمد بن سلمان الى موسكو، خلال سنة واحدة. ويذكّر هؤلاء نقلاً عن الأمير نفسه أنّ الأمير بندر بن سلطان زار موسكو ستّ مرات خلال حقبة “الصعود” السعودي ضدّ سوريا واليمن والعراق، وأنّه حذّر الرئيس فلاديمير بوتين مرّةً من خطر الإرهابيين الإسلاميين على الاتحاد الروسي، وأنّه أعطاه ضمانة بأنّ الألعاب الأولمبية الشتوية التي كانت تقام آنذاك في روسيا لن تشهد أي حادث أمني في حال تعاونه، وأنّ مليارات الدولارات ستوظّف في الاقتصاد الروسي حينها. وكان الردّ الروسي، بحسب الأمير نفسه، تهديداً جدّياً بأنّ روسيا دولة عظمى لا ترضخ ولا تسكت للتهديدات، كما أنّ روسيا لا تشترى بمليارات الدولارات في صناديق الاستثمار. لا بل يُقال أكثر من ذلك، أنّ بوتين ذكّره أنّ جهاز الاستخبارات الروسي، وريث الكي جي بي السوفييتي، هو الجهاز الوحيد في العالم الذي أخذ بثأره من كلّ مرتكبي الجرائم ضدّ بلاده!
بين تحذيرات بندر بن سلطان، وكلام سعود الفيصل الذي حمّل موسكو مسؤولية كلّ مصائب سوريا والمنطقة، و كلام بعض المسؤولين السعوديين عن بداية نهاية روسيا بفعل تدخّلها، وبين مدح وزير الخارجية السعودي الحالي عادل الجبير لسياسة موسكو ودورها، وبين كلام الملك سلمان عن الرؤية المشتركة بين السعودية وروسيا لمكافحة الإرهاب وللوضع في الشرق الأوسط، مسافة لا يمكن اختصارها بستّ سنوات. إنّه انقلاب في كلّ المفاهيم! وهو انقلاب المضطرّ ربما، وليس المختار، حسب المقرّبون من الأمير المذكور نفسه.
المصدر: شام تايمز