الكوثر - ايران
قال الدكتور شهرياري، في كلمته بمراسم افتتاح المؤتمر الدولي الـ ٣٩ للوحدة الإسلامية، إن المؤتمر في هذا العام يحمل شعار “نبي الرحمة وحدة الأمة”، مع التأكيد بشكل خاص على قضية فلسطين.
وأضاف: إن الهدف الأساسي من إقامة المؤتمرات السابقة للوحدة الإسلامية، هو تحقيق الوحدة بين المجتمعات الإسلامية والتحرك نحو بناء الأمة الواحدة وفقًا لتعاليم القرآن الكريم، واتحاد الدول الإسلامية.
وأوضح الدكتور شهرياري: في هذه المرحلة الحساسة التي يشهد فيها العالم تناحرات وصراعات شديدة وصارخة، تبرز نظرية الوحدة الإسلامية القائمة على التمسك بالولاية الإلهية والأخوة الإيمانية، أكثر من أي وقت مضى؛ مبينًا أن اليوم أصبحت الوحدة الإسلامية في ميدان العمل ضرورة لا غنى منها.
اقرا ايضاً
وأشار الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية إلى، أن إيران اليوم ليست الدولة الوحيدة التي ترفع راية الوحدة، بل نشهد توسع خطابات التقريب والوحدة في مصر، والسعودية، وتركيا، وغيرها من الدول الإسلامية.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة الشيخ الدكتور شهرياري خلال حفل افتتاح المؤتمر الدولي الـ ٣٩ للوحدة الإسلامية:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أتقدّم بالتهنئة بمناسبة الأعياد السعيدة لميلاد النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم وميلاد الإمام جعفر الصادق عليه السلام إلى جميع الضيوف الأعزّاء والحضور المحترمين في المؤتمر الدولي التاسع والثلاثين للوحدة الإسلامية. كما أتقدّم بالشكر إلى فخامة رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الدكتور مسعود پزشکيان، الذي قبل دعوتنا. ونرحّب بجميع العلماء والأكاديميين الحاضرين، ولا سيّما الضيوف الذين قبلوا دعوتنا من خارج البلاد ومن خارج طهران، وشرّفونا بحضورهم.
يُفتتح المؤتمر الدولي التاسع والثلاثون للوحدة الإسلامية بعنوان «نبيّ الرحمة ووحدة الأمّة» مع التأكيد على قضيّة فلسطين. ويصادف هذا العام الذكرى الألف والخمسمائة لميلاد النبيّ الخاتم محمّد المصطفى صلّى الله عليه وآله، ولهذا سُمّي هذا العام بـ «عام نبيّ الرحمة»، وفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية شُكّل مقرّ لإقامة هذه المناسبة العظيمة، وكان افتتاحها بالمؤتمر الدولي للوحدة الإسلامية.
هدفنا الأساسي في مؤتمرات الوحدة خلال الدورات الخمس الأخيرة هو أن تتّجه المجتمعات الإسلامية نحو المفهوم القرآني والمثالي لـ «الأمّة الواحدة»، وأن يتجسّد اتحاد الدول الإسلامية، حتى تخفّ الحدود بين البلدان الإسلامية، وتُعتمد عملة إسلامية موحّدة، ويُنشأ برلمان موحّد يُقرّ القوانين والأنظمة المشتركة بالتوافق.
وفي هذه المرحلة الحسّاسة التي يشهد فيها العالم صراعًا واضحًا بين الحقّ والباطل، نؤكّد على ما يلي:
نظرية «الوحدة الإسلامية» تتأسّس على المنجزيّة في المشتركات والمعذوريّة في الخلافات. فالمنجزيّة تقوم على مفاهيم قرآنية مثل الولاية الإلهية، الطاعة النبوية، الأمّة الواحدة العبادية، الاعتصام بحبل الله، الإصلاح بين الناس بالاعتدال، الأخوّة الإيمانية، وترك النزاع الشيطاني. أمّا المعذوريّة فتقوم على أصول مثل جواز الاجتهاد في الفروع، مراعاة أخلاق الخلاف، والاحترام المتبادل للعقائد.
اليوم صارت «الوحدة الإسلامية» ضرورة لا يمكن إنكارها على أرض الواقع، وإجماع الدول الإسلامية على الالتزام بها آخذ في التكوّن. وبعد ما يقرب من أربعين مرّة من انعقاد هذا المؤتمر، نشهد مؤتمرات مشابهة في دول إسلامية أخرى. ولم تعد الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحدها التي ترفع راية الوحدة، بل إنّ خطاب التقريب والوحدة الإسلامية آخذ بالاتّساع في مصر بمركزيّة «جامعة الأزهر»، وفي السعودية بمركزيّة «رابطة العالم الإسلامي»، وفي تركيا بمركزيّة «رئاسة الشؤون الدينية»، وفي غيرها من الدول الإسلامية. لقد غلب خطاب التقريب والوحدة على خطاب التكفير والفرقة، وأُقصي أنصار التكفير عن ساحة العالم الإسلامي. وهذا يدلّ على بصيرة القائد المعظّم الإمام الخامنئي (دام ظلّه العالي) في تأسيس «المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية» وعلى نجاح الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواصلة أربعين عامًا من خطاب التقريب والوحدة. إنّه فرصة تاريخية فريدة في العالم الإسلامي، إذ تصدر المدارس الإسلامية المختلفة اليوم، بالاستناد إلى المفاهيم العقلانية، بيانات مشتركة في مؤتمرات عديدة. وعلينا أن نصون هذه الفرصة، ونقدّر الدول الإسلامية الرائدة، ونحافظ على هذه المنجزات القيّمة، ونُسهم جميعًا في بروز الحضارة الإسلامية الحديثة.
فلسطين اليوم هي بوصلة الحق والباطل
إنّ فلسطين اليوم هي بوصلة الحقّ والباطل في عالم يغمره الظلام. الطغاة في العالم تواطؤوا على ارتكاب إبادة جماعية واضحة أمام أنظار الجميع. لقد فاق الصهاينة المجرمون كلّ جبّاري التاريخ؛ أسقطوعلى رؤوس اهل غزة الابرياء ما يعادل سبع مرات قنبلة هيروشيما، فدمروا البيوت والمدارس والمستشفيات والمساجد، وقتلوا الاطفال والنساء والشيوخ والمسعفين والصحفيين، وسموا ذلك «دفاعا عن الارض»! هذه الجرائم ايقظت الاحرار في العالم ليقفوا، مؤكدين على الوحدة المنطلقة من القيم الانسانية المشتركة، دفاعا عن فلسطين المظلومة؛ ليرفعوا صوت الكرامة الانسانية، ويهتفوا بالعدالة العقلانية، وينزلوا الى الميدان من اجل الامن العالمي. واصبحت الكرامة والعدالة والامن مطلبا لجميع المستضعفين في العالم، تتحدى المستكبرين.
هذه وحدة انسانية تتجاوز الوحدة الاسلامية، جاءت دفاعا عن الانسانية وقيمها. هناك حدث جديد يتشكل في العالم، وخطاب المقاومة في اتساع مطرد. وهذا هو نفس هدف الامام الخميني الذي جعل الدفاع عن المستضعفين شعار الجمهورية الاسلامية منذ انطلاقتها. ومع ان المستكبرين يسعون الى اضعاف المستضعفين، الا انهم في النهاية سيغلبون، بالايمان والصبر والتقوى وحفظ الوحدة، وبالاعتماد على الارادة الالهية المحتومة والوعد الصادق والقدرة الالهية اللامتناهية، وسيصبحون هم قادة العدالة وورثة الارض.
انهارت القبة الحديدية المزيفة
لقد الحق العدوان المفروض خسائر لا تعوض، واستهدف علماءنا وقادتنا، وادى الى استشهاد اكثر من الف مواطن بريء منا. كان ذلك ثمنا دفعته الجمهورية الاسلامية الايرانية دفاعا عن شعبها وعن الشعب الفلسطيني. ومع ذلك، فان العدو ايضا تحمل خسائر غير مسبوقة: انهارت هيبة «القبة الحديدية» المزيفة، وانكشف ضعف الصهاينة امام انظار العالم، وعاد العز العربي الاسلامي للحياة، واصبحت صور صواريخ ايران رمزا ملهما للزائرين في الاربعين وانتشرت في العالم الاسلامي. كذلك شهدنا هروب الاستثمارات، وتوقف الرحلات في مطاري تل ابيب وحيفا، وتوقف الانتاج والتصدير، وتصاعد السخط الداخلي، وحالة هلع وطني نتيجة فشل الانذارات الوقائية، وعدم الامان للمهاجرين، وبروز الهجرة المعاكسة، وفقدان المصداقية الدولية، وخسارة ٤٠ مليار دولار، وانكسار اعلامي، وفشل مشروع التطبيع و«صفقة القرن»، واجماع عالمي ضد النظام الصهيوني. كل ذلك يشير الى مسار متسارع نحو زوال “اسرائيل”.
ان الاحادية التي يمارسها الاستكبار العالمي بقيادة امريكا اثارت اصوات الاحتجاج والتظلم في جميع انحاء العالم، بل حتى بين المواطنين الغربيين انفسهم. لقد فرطت امريكا بسمعتها لدى حلفائها الغربيين بدعمها نظاما سفاكا يقتل الاطفال. لم تعد تلتزم باي معاهدة دولية، ولا تقف عند اي عهد. هذه الاحادية، المتجذرة في النفعية السياسية والاخلاقية، وان خرجت الى العالم بشعار «الليبرالية الفردية وحقوق الانسان»، فانها في الواقع تضحي بجميع حقوق الانسان في سبيل مصالحها، وتسفك دماء الاف الابرياء، وتعرض الامن العالمي للخطر.
اما انصار التعددية فقد تحالفوا على اساس الكرامة والعزة الانسانية والامن الوطني والعدالة العالمية. ان الصين وروسيا والهند وايران، التي تضم قريبا من نصف سكان العالم، وقفت صفا واحدا في اطار «منظمة شنغهاي للتعاون» وغيرها من التحالفات الاقليمية، بوجه العقوبات الظالمة، والرسوم الاحادية، والاحكام الجائرة. انهم يسعون الى مواجهة التهديدات المشتركة، وتعزيز الثقة المتبادلة، ودعم السيادة الوطنية، والمشاركة في مشاريع البنى التحتية للنقل والطاقة، وتعزيز التبادلات الثقافية، وتقوية التكامل الاقليمي، وتحقيق التعاون العلمي والتقني، وتوسيع المبادلات التجارية والمالية، ووضع حد للهيمنة الغربية على السوق العالمي. نحن قادرون على تاسيس هذا النظام العالمي الجديد، واعادة الكرامة الى الانسان، وتوسيع المقاومة ضد جبابرة العالم، واعادة بناء الامن والعدالة العالمية.
"ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم"