مع الامام الحسين (ع) في نهضته... (12) برير "سيد القراء في مسجد الكوفة"

الأربعاء 18 أغسطس 2021 - 09:09 بتوقيت مكة
مع الامام الحسين (ع) في نهضته... (12) برير "سيد القراء في مسجد الكوفة"

النهضة الحسينية- الكوثر بُرَير بن خُضَير الهَمْداني المِشْرَقي كان شجاعاً تابعياً ناسكاً ومن شيوخ قرّاء القرآن الكريم، ومن أصحاب أميرالمؤمنين الامام علي (عليه السلام)، ومن أشراف أهل الكوفة، واحتجاجه مع عمر بن سعد ويزيد بن معقل (عليهما لعنة الله) وأهل الكوفة في يوم عاشوراء يكشف عن شجاعته ودفاعه عن آل رسول الله صلی الله عليه وآله.

مع الركب الحسيني

لما بلغه خبر انطلاق الإمام الحسين (ع) من مكة المكرمة، سار "برير الهمداني" من الكوفة إلى مكة ليلحق بركب الحسين (ع)، فجاء معه إلى كربلاء. ولما ضيق الحر بن يزيد الرياحي على الحسين (ع) جمع الامام أصحابه، فقام فيهم خطيباً، فحمد اللَّه، وأثنى عليه، فخظب بهم خطبة، ثم قام برير بن خضير، فقال: (يا بن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك، تقطع فيك أعضاؤنا، حتى يكون جدك يوم القيامة بين أيدينا شفيعا لنا، فلا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم، وويل لهم ماذا يلقون به الله، وأف لهم يوم ينادون بالويل والثبور في نار جهنم) .

في ليلة العاشر من المحرم جمع الإمام الحسين (ع) أصحابه، وخطب فيهم قائلاً: (أما بعد: فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا، ألا وإني لأظن أنه آخر يوم لنا من هؤلاء، ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا).

وتكلّم أصحاب الإمام الحسين (ع) بكلام يشبه بعضه بعضاً فقالوا: (واللّه لانفارقك ولكن أنفسنا لك الفداء، نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا، فإذا نحنُ قُتلنا كنّا وفينا، وقضينا ما علينا)

برير يلقي الحجة على عمر بن سعد (لعنه الله)

ثم قال برير للإمام: إئذن لي أن اذهب إلى عمر بن سعد، فأذن له: فذهب إليه حتّى‌ دخل على خيمته، فجلس ولم يسلّم، فغضب عمر، وقال: يا أخا همدان ما منعك من السلام عليَّ؟ ألستُ مسلماً أعرف اللّه ورسوله وأشهد بشهادة الحقّ؟

فقال له برير:  لو كنت عرفت اللّه ورسوله لما خرجت إلى‌ عترة رسول اللّه تريد قتلهم، وبعدُ، فهذا الفرات يلوح بصفائه، ويلج كأنّه بطون الحيّات، تشرب منه كلاب السواد (أي أرض السواد يعني العراق) وخنازيرها، وهذا الحسين بن عليّ وإخوته ونساؤه وأهل بيته يموتون عطشاً، وقد حِلْتَ بينهم وبين ماء الفرات أن يشربوه، وتزعم أنّك تعرف اللّه ورسوله ؟

فأطرق عمر بن سعد ساعة إلى‌ الأرض، ثمّ رفع رأسه وقال: واللّه يا بُرير إنّي لأعلم يقيناً أنَّ كُلَّ من قاتلهم وغصبهم حقّهم هو في النار لا محالة، ولكن يا بُرير أفتشير عليَّ أن أترك ولاية الريّ فتكون لغيري ؟ فواللّه ما أجد نفسي تجيبني لذلك، ثمّ قال:

         دعاني عبيد اللّه من دون قومه          إلى‌ خطّة فيها خرجتُ لِحَيني‌

         فواللّه ما أدري وإنّي لحائر              أفكّر في أمري على‌ خطرينِ‌

         أأترك مُلك الريّ والريّ منيتي        أم ارجع مأثوماً بقتل حسينِ؟

         وفي قتله النّار التي ليس دونها       حجابٌ، ومُلك الريّ قرّة عينيِ

 فرجع برير إلى الحسين وقال: يا ابن رسول اللّه إنّ عمر بن سعد قد رضي لقتلك بملك الريّ.

صباح عاشوراء.. برير مستبشرا بالشهادة

في صباح يوم عاشوراء كان بريرُ يمازح عبدَ الرحمن الأنصاري، فقال له عبد الرحمن: ما هذه ساعة باطل؟ فقال برير: لقد علم قومي ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً، ولكنّي مستبشر بما نحن لا قون، والله ما بيننا وبين الحور العين إلاّ أنْ يميل علينا هؤلاء بأسيافهم، ولوددتُ أنّهم مالوا علينا السّاعة.

برير يرتجز

وعندما برز برير إلى الميدان في اليوم العاشر من محرم الحرام كان يرتجز ويقول:

         أنَا بُرَيرٌ وأبي خُضَيرٌ             لَيثٌ يَروعُ الأُسدَ عِندَ الزِّئرِ

         يَعرِفُ فينَا الخَيرَ أهلُ الخَيرِ      أضرِبُكُم ولا أرى‌ مِن ضَيرِ

                          كَذاكَ فِعلُ الخَيرِ مِن بُرَيرِ 

برير يباهل يزيد بن معقل

عندما بدأ القتال بين المعسكرين خرج "يزيد بن معقل من بني عميرة " (لعنه الله) من معسكر عمر بن سعد ونادى بريراً.

    قال له: يا برير بن خضير، كيف ترى صنع الله بك؟

    قال برير: صنع الله بي والله خيراً، وصنع بك شراً.

    فقال : كذبت، وقبل اليوم ما كنت كذّاباً، أتذكر وأنا أماشيك في سكّة بني دودان وأنت تقول: إنّ عثمان كان كذا، وإنّ معاوية ضالّ مضلّ، وإنّ علي بن أبي طالب إمام الحق والهدى؟

    قال برير: أشهد أنّ هذا رأيي وقولي.

    فقال يزيد: فإنّي أشهد أنّك من الضالّين.

    قال برير: فهل لك أن أباهلك، ولندع الله أن يلعن الكاذب، وأن يقتل المبطل، ثمّ أخرج لأبارزك.

قال: فخرجا فرفعا أيديهما بالمباهلة إلى الله، يدعوانه أن يلعن الكاذب، وأن يقتل المبطل، ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه، فاختلفا ضربتين، فضرب يزيد بريراً ضربة خفيفة لم تضرّه شيئاً، وضرب برير يزيد ضربة قدّت المغفر، وبلغت الدماغ، فخرّ كأنّما هوى من حالق، وإنّ سيف برير لثابت في رأسه، فكأنّي أنظر إليه يحركه في رأسه ليستخرجه.

برير في الميدان

حمل "رضي بن منقد العبدي" على برير ، فاعتنق رضي بريرا ، فاعتركا ساعة ، ثمّ إنّ بريرا صرعه، وقعد على صدره ، فجعل رضي يصيح بأصحابه : أين أهل المصاع والدفاع؟ فذهب كعبُ بن جابر الأزْديّ ليحمل على برير، فصاح به عَفيفُ بن زهير: هذا بُرَير بن خُضَير القاري الذي كان يُقرئنا القرآنَ في جامع الكوفة.

فلم يلتف إليه كعب، فطعنَ بُرَيراً في ظهره، عندها برَكَ بُريرٌ على رضيٍّ فقَطَع أنفَه، وألقاه كعبٌ برمحه عنه وضربه بسيفه فقتله، فلمّا رجع كعب ، قالت له أخته (النوار بنت جابر): أعنت على ابن فاطمة ، وقتلت سيّد القراء ، لقد أتيت عظيما من الأمر ، والله لا أكلّمك من رأسي كلمة أبدا.

ورد اسم  بریر بن خضیر الهمداني في زيارة الإمام الحسين (ع) الرجبية، ووقع التسليم عليه.

فسلامٌ عليك يا برير في الغيارى الشجعان، وأسكنك الله فسيح الجِنان.

 ((مِنَ المُؤمِنينَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ ۖ فَمِنهُم مَن قَضىٰ نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ ۖ وَما بَدَّلوا تَبديلًا))﴿سورة الاحزاب المباركة:آية۲۳﴾

إقرأ أيضا: مع الامام الحسين (ع) في نهضته... (11) جون صاحب رائحة المسك

 

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأربعاء 18 أغسطس 2021 - 09:02 بتوقيت مكة
المزيد