سيناريوهات عام الحرب في "إسرائيل"

الخميس 22 نوفمبر 2018 - 11:54 بتوقيت مكة
سيناريوهات عام الحرب في "إسرائيل"

مقالات-الكوثر: كادت الحرب أن تكون عنواناً رئيسياً في "إسرائيل"، على ما يمكن أن تذهب إليه الحوادث المقبلة. الحرب ــــ بذاتها ــــ هدف مطلوب وملحّ بغض النظر عن جبهتها وحجمها وما قد يترتب عليها من آثار ونتائج. بقدر ما تعرضت نظرية الأمن الإسرائيلي لانكشاف مروع في مواجهات غزة الأخيرة، تبدي اضطراباً كبيراً في بنية حكومة بنيامين نتنياهو حتى كادت أن تسقط وتدخل "إسرائيل" في انتخابات مبكرة.

حدث اهتزاز في الثقة العامة بعد الفشل الذريع للعملية الاستخبارية في غزة التي كادت توقع قوتها في الأسر. وحدث اهتزاز آخر في البنيتين السياسية والعسكرية بعدما نجحت المقاومة في إطلاق أكثر من 400 صاروخ على محيط غلاف غزة من دون تصدّ يعتدّ به. أخذت مكونات الائتلاف الحكومي تتنابذ بالأمن، وكل طرف يحاول أن يثبت أنه الأكثر تشدداً.
حاول نتنياهو أن يجهض سيناريو انهيار حكومته واللجوء الى انتخابات مبكرة بالتخويف من احتمال عودة «اليسار الإسرائيلي» للحكم وتوقيع اتفاقية جديدة مع الفلسطينيين أسوأ من «أوسلو» كما قال. كذلك حاول إضفاء طابع عسكري وأمني غامض على مواقفه وسياساته طلباً لدعم الأحزاب اليمينية المتشددة: «نحن في طريقنا للحرب... لن أقول متى سنتحرك أو كيف؟ لكن لدينا خطة واضحة، أنا أعرف ماذا أفعل ومتى... وسنفعل». هكذا نجح في الحفاظ على ائتلافه الحكومي الهش بعد إقناع نفتالي بينت رئيس حزب «البيت اليهودي»، أحد التعبيرات السياسية عن جماعات المستوطنين، بالتخلي عن طلب تولي حقيبة وزارة الدفاع خلفاً لأفيغدور ليبرمان الذي استقال احتجاجاً على وقف إطلاق النار مع «حماس»، متهماً نتنياهو بأنه «فضّل الإرهاب على السلام!» في انتهاك للمعاني لا مثيل له.
يصعب الادعاء أن إعلان نتنياهو» عن حرب قريبة محض كلام في ظل أزمة حكومية ومزايدات أمنية صاحبتها، أو أنه سوف ينسى بعد حين. العكس صحيح تماماً. حسب الصحافة الإسرائيلية، فإن هناك خططاً جاهزة للتنفيذ بأي وقت ناقشها المجلس الوزاري المصغر. وبحسب التوازنات الحكومية الهشة، فإن نتنياهو مرشح للإقدام على عمل عسكري يثبت أنه الأكثر تشدداً في معسكر اليمين الصهيوني والأقدر على حفظ الأمن الإسرائيلي. بعد عام بالضبط، تجرى انتخابات الكنيست في "إسرائيل". إنه عام الحرب بقدر ما هو عام الانتخابات. ينص كلام نتنياهو على أنه «لا مكان للسياسة في قضايا الأمن»، وهو كلام مراوغ، فالأمن والسياسة في "إسرائيل" وجهان لعملة واحدة. "إسرائيل" مجتمع استيطاني عسكري، كل شيء فيه يبدأ وينتهي بالأمن. الشعور بعدم الأمان يعود إلى طبيعة الدولة ونشأتها وسط محيط عربي يعاديها. رغم الصورة التي يبدو عليها العالم العربي الآن من تفكك وضعف وصل ذروته في هرولة متسارعة من دول خليجية إلى تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" استخبارياً وعسكرياً واقتصادياً دون أدنى ارتباط بأي انسحابات من الأراضي المحتلة منذ عام 1967 فإن ذلك لا يطمئن "إسرائيل" ولا يغيّر من نظرتها، فلا أمن بلا قوة تردع العرب مجتمعين ــــ إن اجتمعوا. وبغض النظر عن مكان وحجم العملية العسكرية المقبلة، فإن رسالتها لا تستثني أحداً ــــ الذين يهرولون بالتخاذل كما الذين يقاومون بالإرادة.
أين الضربة المتوقعة؟ السيناريو الأول، إخلاء «الخان الأحمر» شرقي القدس المحتلة بالقوة من دون اعتداد بأي اعتراضات دولية استدعت ــــ حتى الآن ــــ وقف الإجراءات العنيفة. نتنياهو نفسه كشف عن هذا التوجه دون أن يحدد موعداً.
الإخلاء بالقوة الغاشمة لا يرد اعتباراً للآلة العسكرية الإسرائيلية التي تعرضت لهزة شديدة في آخر مواجهات غزة، بقدر ما يستدعي ردات فعل تندد وتحفز على استنفار طاقة المقاومة الشعبية في القدس والضفة الغربية. كما أنه لا يمثّل حرباً واسعة تعهد بها نتنياهو للحفاظ على ائتلافه الحكومي الهشّ في عام الانتخابات.
السيناريو الثاني، عدوان جديد على غزة يشبه حروب أعوام 2008 و2012 و2014 تدوي فيه المدفعية الثقيلة والصواريخ، تقتل وتروع وتهدم بيوتاً على رؤوس أهلها من دون أن تسفر ــــ كالعادة ــــ عن تغيير في قواعد الاشتباك، أو موازين القوى السياسية والعسكرية. هذا السيناريو يصطدم بمشروع التهدئة الطويلة المدى بين "إسرائيل" و«حماس»، الذي يحظى بدعم الأجهزة الأمنية والعسكرية في الدولة العبرية.
كذلك يصطدم بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي يطلق عليها «صفقة القرن» المرجح إعلانها مطلع العام المقبل، إن لم يؤجل ذلك الإعلان لفترات أخرى حتى تتهيأ له فرص إمراره. أحد أسباب نتنياهو لعدم الذهاب الى انتخابات مبكرة، ترشحه استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية لتصدرها، عدم إرباك الصفقة المنتظرة التي تتماشى مع المشروع الصهيوني في أكثر صوره تشدداً.
على الأغلب، سوف يحاول توظيف الأزمة الحكومية، التي تعرض لها، في الحصول على مكاسب إضافية، كإعلان أكثر من دولة عربية بوقت متزامن الاعتراف بـ"إسرائيل" وتبادل العلاقات الدبلوماسية معها باسم تشجيعها على المضي في السلام من دون أن يرتهن هذا النوع من السلام لأي مرجعيات دولية تصون الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية. حسب ما هو مسرّب من «صفقة القرن»، فإن فكرتها الجوهرية تفريغ قضية غزة من طابعها الوطني الفلسطيني وإحالتها إلى قضية إنسانية تتكفل بها بعض المشروعات والمساعدات الاقتصادية وبعض أوجه تخفيف المعاناة عن أهلها المحاصرين.
في حالة أي عدوان واسع على غزة، الكلام كله ينتفي والضغوط تتبدد. لا أحد في "إسرائيل" يجزم بأن الضربة المقبلة سوف تكون في غزة، رغم توافر الأسباب الداعية وأهمها أن هيبة جيش الدفاع الإسرائيلي اهتزت في آخر المواجهات معها.
السيناريو الثالث، استبعاد العمل العسكري الواسع في غزة مع الإقدام على عمليات نوعية استخبارية كالاغتيال المنهجي لقيادات سياسية وعسكرية كبيرة في حركة «حماس». هذا السيناريو ممكن، لكن تداعياته تفضي ــــ بالضرورة ــــ إلى تقويض مشروع التهدئة الطويلة المدى. 
السيناريو الرابع، أن تنتقل حركة النيران من الجبهة الجنوبية إلى الشمالية، من غزة إلى جنوب لبنان. السيناريو محفوف بالمخاطر، فالقدرة العسكرية لحزب الله ومستويات تسليحه أعلى بما لا يقاس بما تحوزه «حماس» وجماعات المقاومة المسلحة الأخرى في غزة. مما يقال في الصحافة الإسرائيلية لتسويغ نقل دفة النيران إلى الجنوب اللبناني منع «حزب الله» من تعظيم قدرته العسكرية بإمدادات جديدة من السلاح النوعي. يصعب الإقدام على السيناريو اللبناني بالنظر إلى كلفته الباهظة على الأمن الإسرائيلي نفسه، والمواجهات السابقة تزكي عدم الاندفاع فيه، لكنه غير مستبعد بالنظر إلى العقليات التي تحكم الدولة العبرية.
السيناريو الخامس، أن تتجه حركة النيران إلى المواقع السورية باسم ملاحقة التمركزات العسكرية الإيرانية. لمرات عديدة، تدخلت القوات الإسرائيلية بضربات صاروخية تبنت تلك الذريعة، لكنها أخفقت في أي تعديلات على موازين القوى، أو الإضرار بالمركز السياسي الإيراني في الأزمة السورية.
الأسوأ إسرائيلياً أن آخر الغارات أفضت إلى أزمة مع روسيا بعد إسقاط إحدى طائراتها، وكان من تبعاتها إمداد دمشق بالمنظومة الصاروخية المتقدمة «أس 300». لن يكون الأمر سهلاً هذه المرة، فالرادع الروسي منظور، وقوة التصدي جاهزة. الحرب تطل برأسها، لكن لا أحد يعرف أين. مشكلة "إسرائيل" أنها ليست قوية إلى حد أن تكشّر عن أنيابها على جبهات مختلفة. ومشكلتنا نحن أننا لا ندرك أننا لسنا ضعفاء إلى هذا الحد.


* كاتب وصحافي مصري

عبدالله السناوي

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الخميس 22 نوفمبر 2018 - 11:44 بتوقيت مكة