هل الآية"فظن أن لن نقدر عليه"تعني إعتقاد النبي يونس(ع) بأن الله لا يقدر عليه؟

الخميس 6 سبتمبر 2018 - 09:21 بتوقيت مكة
هل الآية"فظن أن لن نقدر عليه"تعني إعتقاد النبي يونس(ع) بأن الله لا يقدر عليه؟

وأما قوله تعالى : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} فمعناه أنَّ يونس حين هجر قومَه وفارقهم وركب السفينة كان معتقداً ...

الشيخ محمد صنقور

السؤال: ما هو منشأ غضب النبيِّ يونس عليه السلام في قوله تعالى : { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًاً }، وما معنى قوله تعالى : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} ؟

ليس معنى مغاضِباً في الآية أنَّ يُونُس قد غضبَ على قومِه حتى يصحَّ السؤال عن منشأ غضبِه عليهم ، فكلمة مغاضِب اسمُ فاعلٍ منتسبٍ إلى يُونُس (ع) ومعنى ذلك أنَّه فعل ما أغضب قومَه منه ، وليس هو الذي غضب على قومه ، فيُونُس ربَّما يكون قد غضب على قومِه لعنادهم ، ولكنَّ مغاضباً لا تعني أنَّه غضب وإنَّما تعني أنَّه أغضب قومَه عليه ، ومنشأُ إغضابه لهم أنَّه (ع) دعا عليهم بعد يأسه من استجابتهم لدعوته ، وحين أزفَ حلول العذاب عليهم تركهم وذهب . فذلك هو مفاد قوله تعالى : { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًاً } أي واذكر يونس ذا النون حين ذهب عن قومه حال كونه مغاضباً لهم بتركه إيَّاهم وذهابه عنهم .

وأما قوله تعالى : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} فمعناه أنَّ يونس حين هجر قومَه وفارقهم وركب السفينة كان معتقداً أنَّ الله تعالى لن يُضيِّق عليه رزقَه وإنْ كان قد هجر بلدَه وموطنَ إقامتِه . فقولُه تعالى :{ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي أنَّه لن نُضيِّق عليه كما هو معنى ذلك في قولِه تعالى : { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ} أي يبسطُه لمن يشاء ويضيِّقه على من يشاء ، وكذلك هو المعنى في قولِه تعالى من سورةِ الفجر : { وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} فمعنى قدَر عليه رزقَه أي ضيَّق عليه رزقه بمقتضى المدلولِ اللغوي لكلمة " قدر" ، ويُؤيِّده المقابلة بين هذه الآية والآية التي سبقتها : { فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} فالإنسانُ يحظى بإنعام الله عليه تارةً ، ويُبتلى بالتقدير وضيقٍ في الرزق تارةً أخرى .

فليس معنى قوله تعالى : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أنَّ يونس اعتقد أنَّه خارجٌ عن قدرة الله تعالى وسلطانِه ،  فإنَّ ذلك من الكفر الذي يتنزَّه عنه الأنبياء ، فهم منزَّهون عن صغائر الذنوب فضلاً عن الكفر الذي هو أكبر الكبائر ، فاستلزامُ الإعتقاد بالخروج عن قدرة الله للكفر قرينةٌ قطعيَّة أن معنى لن نقدْرَ عليه ليس هو الإعتقاد من يونس بأنَّه خارج عن قدرة الله تعالى وسلطانه .

ويُؤيِّد ذلك أيضاً انَّ الآية أردفت قوله تعالى : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} بنداء يونس لربِّه في الظلمات أنْ لا إله إلا أنت قال تعالى : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } فقولُه فنادى تفريعٌ على ظنِّه بأنَّ الله لن يُضيِّق عليه ، فذلك هو المناسبُ للتفريع المستفاد من الفاء ، ولو كان معنى : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ } هو الإعتقاد بالخروج عن قدرة الله تعالى فإنه لا معنى لأنْ يفرعَ على ذلك النداء لله والإستعانة به .

هذا وقد نصَّت بعضُ الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) على أنَّ المراد من قوله تعالى:{ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ }هو أنَّه اعتقد أنَّ الله تعالى لن يُضيِّق عليه رزقَه .

منها : ما ورد في عيون أخبار الرضا (ع) للشيخ الصدوق بسنده عن أبي الصلت الهروي  قال: قال الرضا(ع) في معرض الجواب عن السؤال عن هذه الآية :" وأما قولُه عزَّ وجلَّ:{ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًاً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} إنَّما ظن بمعنى استيقنَ انَّ اللهَ لن يُضيِّق عليه رزقَه ، ألا تسمعُ قولَ اللهِ عزَّ وجل : { وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} أي ضيَّق عليه رزقَه، ولو ظنَّ أنَّ اللهَ لا يقدرُ عليه لكان قد كفر.." ج1 ص 171 .

ومنها : ما ورد أيضاً في كتاب عيون أخبار الرضا(ع) للشيخ الصدوق بسنده  عن علي بن محمد بن الجهم قال : " ... فقال المأمون للرضا (ع) : لله درُّك يا أبا الحسن فأخبرْني عن قولِ الله عزَّ وجلَّ : { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًاً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} فقال الرضا (عليه السلام) : ذاك يُونُسُ بن متَّى (عليه السلام) ذهب مُغاضِباً لقومِه فظنَّ بمعنى استيقنَ { أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي لن نُضيِّقَ رزقَه ، ومنه قولُه عزَّ وجلَّ :{ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} أو ضيَّق وقتَّر { فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ}أي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطنِ الحوت :{ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} ..."  ج1 ص179 .

المصدر:مركز الهدى للدراسات الإسلامية

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الخميس 6 سبتمبر 2018 - 09:19 بتوقيت مكة