شاركوا هذا الخبر

صلاة التراويح ... لماذا سميت بهذا الإسم و ما هي نقطة الخلاف حولها؟

من هنا نعرفُ أنَّ نقطةَ الخلاف بين المدرستين حول ( التراويح ) ليست مسألةً فقهيةً محضة ، تحتملُ وجهات النظر المتعددة وحسب ، كما هو الأمرُ في عدد ركعات نافلة الليل ، إذ بالإمكان الاختلاف حول ذلك بالطريقة التي تدرج رأي الجانبين في المصبِّ الفقهي المتنوع الآراء...

صلاة التراويح ... لماذا سميت بهذا الإسم و ما هي نقطة الخلاف حولها؟

الشيخ جعفر الباقري

نستعرضُ في هذه المقالة روايةَ صلاةِ ( التراويحِ ) نصاً ومضموناً ، اعتماداً على أكثرِ المصادرِ وَثاقةً لدى مدرسةِ الصحابة ، لكي نأخذَ فكرةً عن جذورِ ( التراويحِ ) في حياةِ المسلمين.

ومن خلالِ هذا الاستعراض سوف نتوصلُ إلى النتيجةِ القائلةِ : بأنَّ صلاةَ ( التراويحِ ) تعني إقامةَ نافلةِ الليلِ في شهرِ رمضانَ جماعةً ، وقد ابتكرها ( عمرُ بنُ الخطاب ) في زمنِ خلافتِه ، واعتبرَها ( بدعةً ) بقوله : ( نعم البدعةُ هذهِ ).

وسوفَ نتعرفُ على أنَّ القدرَ المتفقَ عليهِ بينَ ( مدرسةِ الصحابة ) ومدرسةِ أهلِ البيتِ (ع) هوَ أنَّ قيامَ الليلِ في جميعِ الليالي سُنَّةٌ مؤكدةٌ ، وثابتةٌ في التشريعِ بشكلٍ قاطعٍ ، وقد التزمَ النبيُّ الخاتَم (ص) بها ، وكذلكَ الأمرُ بالنسبةِ إلى قيامِ الليلِ في ليالي شهرِ رمضانَ فرادى ، فهو سُنَّةٌ مؤكدةٌ أيضاً على النحوِ المذكور.

ونقطةُ الخلافِ بينَ المدرستينِ تتمحورُ في مشروعيةِ إقامةِ نافلةِ الليلِ في شهرِ رمضانَ جماعةً ، فـ ( مدرسةُ الصحابة ) تدّعي بأنَّ ذلكَ مشروع ، وتعتمدُ أساساً على تشريعِ ( عمر ) لها ، وأما مدرسةُ أهلِ البيتِ (ع) فتعتقدُ بأنَّ إقامةَ هذهِ النافلةِ جماعةً أمرٌ لا علاقةَ له بالدين؛ لأنَّه لا يختزنُ خصوصياتِ الأمرِ المشروع ، فيكونُ ( بدعةً ) في مقابلِ ( السُنَّة ).

صلاةُ التراويح : نصُّ الروايةِ ومضمونُها

وردَ في أُمهات الكتبِ الحديثية لدى ( مدرسةِ الصحابة ) بما في ذلك ( البخاري ) و ( الموطأ ) ـ واللفظ للبخاري ـ :"وعن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريِّ أنَّه قالَ : خرجتُ مَعَ عمر بن الخطّاب رضي اللّهُ عنه ليلةً في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناسُ أوزاعٌ متفرّقون ، يصلي الرجلُ لنفسه ، ويصلي الرجلُ فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمرُ : ـ إنِّي أرى لو جمعتُ هؤلاءِ على قارئ واحدٍ لكانَ أمثل. ثمَّ عزمَ فجمعهم على ( أُبي بن كعب ). ثم خرجتُ معه ليلةً أخرى ، والناسُ يصلّون بصلاة قارئهم ، قالَ ( عمر ) :نعم البدعةُ هذه ، والتي ينامونَ عنها أفضل من التي يقومون ـ يريدُ آخرَ الليل ـ وكانَ الناسُ يقومون أوَّله ."(1)

وفي ( الموطأ ) أنَّ ( عمر بن الخطّاب ) قالَ : "نعمتِ البدعةُ هذه."

إنَّ مضمونَ هذه الرواية الذي وردَ بصياغاتٍ لفظية مختلفة في أكثر كتب مدرسة الصحابة وثاقةً قد أصبحَ المستندَ الأساسي لصلاة ( التراويح ) ، والمرجعَ الرئيسي لمشروعيتها ، وتوالت الأجيالُ من بعد هذه الحادثة متمسكةً بها ، ودائبةً في أدائها ، ومصرةً على المحافظة عليها ، ومتشددةً على المتهاونين فيها ، وقد أفردَ لها الفقهاءُ باباً خاصاً في مصنفاتهم ، وأشبعوها بحثاً وتحليلاً ، وأدخلوها في الكثير من أبواب الفقه المختلفة ، ومسائله المتنوعة.

إنَّ شيوعَ هذه الصلاة في شهر رمضان ، وسعةَ انتشارِ صيتها لدى القاصي والداني من المسلمين ، يجعلُنا في غنىً عن الخوض في تعريفها وبيان معناها بالتفصيل ، ونكتفي هنا بالقول بأنَّها إنما سُميت بصلاة ( التراويح ) ؛ لأنَّ المصلين يستريحون بعدَ كلِّ أربع ركعاتٍ منها ، أي بعدَ كل تسليمتين (2) ، ثمَّ يبادرون للأربع الأخرى ، ثم صارت ( الترويحة ) اسماً لكل أربع ركعات من هذه الصلاة (3).

و ( التراويح ) مفردها ( ترويحة ) وهي ( الاستراحة ) في اللغة (4) ، مأخوذة من ( الراحة ) التي تعني زوالَ المشقة والتعب (5)، وهي تُطلقُ على ( الجلسة ) مطلقاً ، فأُطلقت على الاستراحة المخصوصة بعد كلِّ تسليمتين من هذه الصلاة ، ثم على كلِّ أربع ركعاتٍ منها كما تقدم.

إنَّ مضمونَ الرواية ينصُّ على أنَّ ( عمر بن الخطاب ) شاهد المصلين يتنفلون بالصلاة ليلاً في المسجد النبوي الشريف تقرباً إلى الله ( جَلَّ وَعَلا ) في زمن خلافته سنة أربع عشرةَ للهجرة ، وكانوا يصلون نوافلهم فرادى كما هو دأبهم من قبل ، وكما تعلّموا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكما كانَ أمرُهم عليه في زمن خلافة ( أبي بكر ) ، ولكنَّ ( عمر بن الخطاب ) لم يرقه هذا المشهد ، ولم يعجبه منظرهم متفرقين أشتاتاً؛ فرأى في تلك اللحظة أن يجمعهم على إمامٍ واحدٍ ، ويحولَّ أداءهم للصلاة من أداءٍ فرديٍّ إلى أداءٍ جماعي ، فاختار الصحابي ( أبيَّ بن كعب ) ، وطلب منه أن يؤم

المصلين في هذه النافلة ، وفي رواياتٍ أُخرى أنَّه عيَّنه إماماً للرجال ، وعيَّنَ ( تميمَ الداري ) إماماً للنساء .. فامتثل الإمامُ والمأمومون لهذا الطلب ، وأخذوا يصلونها جماعةً ، وحينما شاهدَ ( عمرُ ) منظرَ المصلين في ليلةٍ أخرى ، أعجبَه ذلك المشهد الجديد ، فقال:": نعمتِ البدعةُ هذه ."

ومن خلال هذا البحث نحاولُ أنْ نسلّطَ الضوءَ على هذه الصلاة بكيفيتها الجديدة التي ابتكرها ( عمر ) ؛ لنرى مدى شرعيتها ، وارتباطها بالدين الحنيف.

قيامُ الليلِ سُنَّة مؤكدة عموماً

من المتفق عليه بين ( مدرسة الصحابة ) ومدرسة أهل البيت عليهم‌السلام أنَّ قيام الليل والتهجُّدَ فيه للعبادة من السُنن المؤكدة ، وقد نصَّ ( القرآنُ المجيد ) على ذلك في مواضع عديدة ، فمن ذلك قوله  جَلَّ وَعَلا: {ومن الليلِ فتهجَّدْ بهِ نافلةً لكَ عسى أن يبعثكَ ربُّكَ مقاماً محموداً }.(6)

وقوله جَلَّ وَعَلا :{إِنَّ المُتَّقِينَ في جَنّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ ما ءَاتاهُم رَبُّهُم إِنَّهُم كَانُوا قَبلَ ذلِكَ مُحسِنينَ * كَانُوا قَليلاً مِنَ اللَّيلِ ما يَهجَعُونَ * وَبِالأَسْحارِ هُم يَستَغْفِرُونَ }(7)

وقوله جَلَّ وَعَلا :{ تَتَجافى جُنُوبُهُم عَنِ المَضاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ * فَلا تَعلَمُ نَفس ما أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أَعيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعمَلون }.(8)

ولدى ( مدرسة الصحابة ) ورد في الحديث الشريف حول هذه الآية الكريمة أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

"يُحشر الناسُ على صعيدٍ واحدٍ يومَ القيامة ، فينادي منادٍ فيقولُ : أينَ الذين كانوا تتجافى جنوبُهم عن المضاجع؟ فيقومون وهم قليل ، فيدخلونَ الجنةَ بغير حساب ، ثمَّ يؤمرُ بسائرِ الناس الى الحساب ."(9)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

"عليكم بقيام الليل؛ فانَّه دأبُ الصالحين قبلكم ، ومقربة لكم الى ربِّكم ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة عن الإثم ، ومطردة للداء عن الجسد .(10)

ولدى مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام أنَّه قال :

"قيامُ الليلِ مصحةٌ للبدن ، ورضاءُ الرب ، وتمسّكٌ بأخلاق النبيين ، وتعرّضٌ للرحمة ."(11)

فنافلة الليل إذنْ ، مما اتفقت على استحبابها المدرستان في الجملة من دون خلاف.

قيامُ الليلِ سُنَّة مؤكَّدة في شهرِ رمضان

واتفقت ( مدرسةُ الصحابة ) ومدرسةُ أهل البيت عليهم‌السلام كذلك على أنَّ أداءَ نافلة الليل في شهر رمضان من السُنن المؤكدة ، وأنَّ للقيام في لياليه ثواباً عظيماً ، وأجراً كبيراً .. ففي ( مدرسة الصحابة ) رُويَ في صحيح البخاري :" عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنَّ رسولَ الله صلى اللهُ عليه وسلَّم قالَ : مَن قامَ رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه .(12)

ورُويَ فيه أيضاً عن عائشة:

"حدثنا إسماعيل قال حدّثني مالك عن سعيد المغبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنَّه سألَ عائشةَ رضيَ اللّهُ عنها : كيف كانت صلاةُ رسول اللّه صلى اللّهُ عليهِ وسلَّم في رمضان؟ فقالت : ما كانَ يزيدُ في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلّي أربعاً فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ ، ثمَّ يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ ، ثم يصلي ثلاثاً ، فقلت : يا رسول اللّه ، أتنامُ قبل أن توتر؟ قال : يا عائشةُ إنَّ عينيَّ تنامان ، ولا ينامُ قلبي ."(13)

وفي مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام رُويَ عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام أنَّه قال :  "ممّا كانَ رسولُ الله صَلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلَّمَ يصنعُ في شهر رمضان ، كانَ يتنفلُ في كلِّ ليلةٍ ويزيدُ على صلاته التي كانَ يصليها قبلَ ذلك ، منذُ أول ليلة الى تمام عشرين ليلة في كل ليلة عشرين ركعة ، ثماني ركعات منها بعد المغرب واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة ، ويصلّي في العشر الأواخر في كل ليلة ثلاثين ركعة اثنتي عشرة منها بعد المغرب وثماني عشرة بعد العشاء الآخرة ، ويدعو ويجتهد اجتهاداً شديداً. وكان يصلّي في ليلة إحدى وعشرين مائة ركعة ، ويصلّي في ليلة ثلاث وعشرين مائة ركعة ، ويجتهد فيهما ."(14)

وروي عن الإمام محمد الباقر عليه‌السلام أنَّه قال :

"صلِّ في أول شهر رمضان في عشرين ليلة عشرين ركعة ، صلِّ منها ما بين المغرب والعتمة ثماني ركعات وبعد العشاء اثنتي عشرة ركعة. وفي العشر الأواخر ثماني ركعات بين المغرب والعتمة واثنتين وعشرين ركعة إلاّ في ليلة إحدى وعشرين ، فإنَّ المائة تجزيك إن شاء الله ."(15)

نقطةُ الخلافِ بينَ المدرستين

تكمنُ نقطةُ الخلاف حولَ صلاة ( التراويح ) في أنَّ أتباع مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام يعتقدون بعدم مشروعية الإتيان بها جماعةً ، وأنَّ أداءَها على هذه الهيئة يُعتبرُ بِدعةً دخيلةً على تشريعات الإسلام ، وتعاليمه الثابتةِ بالنصوصِ الشرعيةِ القويمة.

وأما الأغلبيةُ الساحقةُ من أتباعِ ( مدرسةِ الصحابة ) فيعتقدون بأنَّ الإتيانَ بها جماعةً أمرٌ مشروع ، بل هو مستحبٌ ومندوب.

فلا يوجدُ خلافٌ بين المدرستين في أصل نافلة الليل ، ولا خلاف بينهما في أصل التنفل في ليالي شهر رمضان ، وإنَّما يكمنُ الخلافُ في الكيفية التي تُؤدى بها هذه النوافل؛ حيثُ تقولُ مدرسةُ أهل البيت عليهم‌السلام بعدم جواز الإتيان بها جماعةً ، وإنَّما يشرعُ الإتيان بها فرادى وحسب ، وأما ( مدرسةُ الصحابة ) فتلتزمُ في الأغلب بالإتيان بها جماعةً ، وتنسبها الى التشريع بهذه الكيفية ، وهذا الأمرُ هو الذي أدخلها في حيِّز ( الابتداع ) من وجهة نظر مدرسةِ أهل البيت عليهم‌السلام.

من هنا نعرفُ أنَّ نقطةَ الخلاف بين المدرستين حول ( التراويح ) ليست مسألةً فقهيةً محضة ، تحتملُ وجهات النظر المتعددة وحسب ، كما هو الأمرُ في عدد ركعات نافلة الليل ، إذ بالإمكان الاختلاف حول ذلك بالطريقة التي تدرج رأي الجانبين في المصبِّ الفقهي المتنوع الآراء ، وإنَّما نقطةُ الخلاف هنا مسألةٌ مشوبةٌ بجانب عقائدي ، وتتعلقُ بأصل مشروعية ( التراويح ) بهذه الكيفية الجديدة التي لم تتصل جذورُها بالشريعة المقدَّسة.

وبعبارةٍ أخرى إنَّ الرأي الفقهي قائمٌ على أساس استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية ،التي من أهمها (القرآنُ المجيد) و( السُنَّة القطعيَّة) ،فلابدَ من وجود أساسٍ ومستندٍ قاطعٍ للأحكام المستنبطة فقهياً في(القرآن المجيد) و(السُنَّة القطعيَّة) ، ولابدَّ من ولادة هذه المسائلِ المتنوعة من رحم الشريعةِ الإسلامية ، وما من شكٍ في جواز ( الاجتهاد ) من قبل العلماء في حدودِ هذه الدائرة المشروعة ، وبالتالي الخلاف في الآراء والنتائج ، ومن أمثلة ذلك الخلاف في عدد ركعات القيام في ليالي شهر رمضان حسب الأدلة الشرعية ، بعد الفراغ من كون أصل القيام منسوباً إلى الشريعة الغراء ، ومنبثقاً عنها.

وأما إذا لم يكن هناك أصلٌ للعمل العبادي في الشريعة الإسلامية ، ولم يولد من رحم القرآن والسُنَّة ، ولا يوجدُ دليلٌ عامٌّ يشملُه ، ولا دليلٌ خاصٌّ ينصُّ عليه ، وإنَّما جاءَ لقيطاً من الخارج ، وأُضفيت عليه صفةُ الشرعية من قبل البشر العاديين ، ونُسبَ إلى الدين الحنيف بكيفيته المنحولة هذه ، فلاشكَ أنَّه سوفَ يخرجُ عن دائرة الخلاف الفقهي المحض ، ويدخلُ في دائرة البحث الممزوج بالعقيدة؛ لأنَّه سوف يحدّدُ مصيرَ العمل من الأساس ، ويبحثُه في الجذور ، ومن أمثلة ذلك البحثُ في أصل مشروعية صلاة ( التراويح).

وبعبارةٍ أكثر شمولاً أنَّ التشريعات الإلهية الثابتة أُمورٌ توقيفية ، يجبُ امتثالُها وعدمُ الاجتهاد في مقابلها ،فلا يصحُّ إدخالُ ما ليس من الدين فيه كإدخال( التراويح ) المبتدعة ، كما لا يصحُّ إخراجُ ما هو من صميم الدين عنه كإخراج( المتعة) المشروعة ، إذ لا يصحُّ التحليلُ والتحريمُ حسبَ الآراء الشخصية ،والاجتهاداتِ الخاصة ، كما قالَ جَلَّ وَعَلا:{ولا تَقُولوا لِما تَصفُ ألسنتُكُمُ الكذبَ هذا حلالٌ وهذا حرامٌ لتَفتروا على اللهِ الكذبَ إنَّ الذينَ يَفترونَ على اللهِ الكذبَ لا يُفلحونَ}.(16)

ووردَ هذا المعنى في حديث رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيثُ يقولُ :

" اتقوا تكذيب الله! قيل : يارسول الله وكيف ذاك؟ قال : يقول أحدكم : قال الله ، فيقول الله : كذبت لم أقله ، ويقول : لم يقلِ الله ، فيقول عز وجل : كذبت قد قلته ."(17)

وقد عَدَّت الشريعةُ الإسلاميةُ ظهورَ ( البدع ) في حياة المسلمينَ من أكبر ما يهدّدُ حياةَ الإسلام ، ويطعنُها في الصميم ، وجعلت محاربةَ البدع والمحدثات من أوضح مصاديق الذود عن الشريعة الإسلامية.

قالَ رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

" إياكم والبدعَ ، فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ تسيرُ الى النار ."(18)

وقالَ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

" إذا ظهرت البدعُ في أمتي فليظهرِ العالمُ علمَه ، فمن لم يفعلْ فعليهِ لعنةُ الله ."(19)

وقد جهدَ علماءُ مدرسةِ أهل البيت عليهم‌السلام من تقريب وجهات النظر مع ( مدرسة الصحابة ) في خصوص هذه المسألة ، والتقليص من حدَّةِ الخلافات حولها؛ فعمدوا إلى إدراجها ضمنَ السياقات الفقهية المحضة ، لتسكينِ ألمِ الفرقة ، وتخفيفِ حدَّتِها ، ولنِعمَ ما فَعلوا.

فنرى العلاّمةَ ( جعفرَ السبحاني ) يقول من هذا المنطلق في كتابه( صلاة التراويح بين السُنَّة والبدعة:" فالخلافُ في صلاة التراويح ليسَ خلافاً في جوهرِ الدين وأُصوله حتّى يستوجبَ العداءَ والبغضاء ، وإنَّما هو خلافٌ فيما رُويَ عنه صلّى اللهُ عَليهِ وآله وسَلَّمَ ـ وهو أمرٌ يسيرٌ في مقابل المسائل الكثيرة المتّفق عليها بين المذاهب الإسلامية ."(20)

وقالَ العلاّمةُ ( نجمُ الدين الطبسي ) في كتابه الذي يحملُ نفسَ العنوان السابق :

"قد يُتصَّورُ لأوّل وهلةٍ أنَّها من مختصاتِ أهل السُنَّة ، ولكنَّ التتبّعَ والتحقيقَ ومراجعةَ كلمات الفريقين وآرائهم ، يكشفُ عن خطأ هذا التصور ، وأنَّ أصل المسألة وهو قيام شهر رمضان ونوافل لياليها والصلوات فيها من الأمور والمسائل المشتركة بين الفريقين ، بل الاشتراك في عددها أيضاً كادَ أنْ يكونَ حاصلاً ـ في الجملة ـ وإنَّما الخلافُ هو في إقامة هذهِ النوافل جماعةً أم فرادى ."(21)

 الهوامش:

(1) البخاري ، صحيح البخاري ، ج ٢ / ٢٥٢ ، والموطأ لمالك بن أنس / ٧٣. وانظر : كنز العمال للمتقي الهندي ، ج ٨ ،ح : ٢٣٤٦٦ / ٤٠٨.

(2) سعدي أبو حبيب ، القاموس الفقهي لغةً واصطلاحاً / ٥٥. وانظر : الزبيدي ، تاج العروس ، ج ٢ /١٥١.

(3)السيد سابق ، فقه السنة ، ج 1/ ٢٠٥.

(4)قلعجي ، د. محمد وقنيبي ، د. حامد ، معجم لغة الفقهاء / ١٢٧.وانظر : ابن منظور ، لسان العرب ، ج : ٢ ، ص : ٤٦٢.

(5)إبن منظور ، لسان العرب ، ج 2 ، مادة : روح.

(6) الإسراء / ٧٩.

(7)الذاريات / ١٥ ـ ١٨.

(8)السجدة / ١٦ ـ ١٧.

 (9)المنذري ، الترغيب والترهيب ، تعليق : مصطفى محمد عمارة ، ج : ١ ، ص : ٤٢٥ ، ح : ٩.

(10)المنذري ، الترغيب والترهيب ، تعليق : مصطفى محمد عمارة ، ج : ١ ، ص : ٤٢٦ ، ح : ١٠.

(11)البرقي ، أبو جعفر ، المحاسن ، ج : ١ ، ص : ١٢٥ ، ح : ٨٩.

(12)البخاري ، صحيح البخاري ، ج : ٢ ، ص : ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

(13)البخاري ، صحيح البخاري ، ج : ٢ ، ص : ٢٥٢ ـ ٢٥٣. وانظر : كنز العمال للمتقي الهندي ، ج : ٧ ، ح : ١٧٩٨٩ ، ص : ٦٧.

(14) الطوسي ، أبو جعفر محمد بن الحسن ، التهذيب ، ج 3 / ٦٢ ، ح : ٦.

(15)الطوسي ، أبو جعفر محمد بن الحسن ، التهذيب ، ج ٣ / ٦٧ ، ح : ٣.

(16) النحل / ١١٦.

(17)المجلسي ، محمد باقر ، بحار الأنوار ، ج 2 ، باب : ١٦ ، ح : ١٦ / ١١٧.

(18)المتقي الهندي ، علاء الدين ، كنز العمال ، ج 1 ، ح : ١١١٣ /٢٢١.

(19) الكليني ، محمد بن يعقوب ، الأصول من الكافي ، ج 1 ، باب : البدع والرأي والمقاييس ، ح : ٢ / ٥٤.

(20)السبحاني ، جعفر ، صلاة التراويح بين السنة والبدعة / ٤.

(21) الطبسي ، نجم الدين ، صلاة التراويح بين السنة والبدعة.

 

 

أهم الأخبار

الأكثر مشاهدة