إذا ذهب الى أورشليم...!

الأحد 24 ديسمبر 2017 - 14:41 بتوقيت مكة
إذا ذهب الى أورشليم...!

مقالات _ الكوثر: أليس مثيراً أن يقول القس الأميركي ان الله أول من ابتدع نظرية «الفوضى الخلاقة» على الأرض؟!

كلام فليمنغ، وهو ينتمي الى كنيسة «المجتمع المسيحي» في ولاية بنسلفانيا، أقرب ما يكون الى المقاربة الفلسفية منه الى المقاربة اللاهوتية. الانتقال من حالة العدم الى حالة الوجود يفترض حقبة من الفوضى مكنّت الله من انتاج البشرية.

روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، رأى، من سنوات، أن الشرق الأوسط، وللانتقال من ثقافة العدم الى ثقافة الوجود، يحتاج الى الفوضى الخلاقة.

الرجل زار، في الاسبوع الفائت، الرياض، والتقى طويلاً الأمير محمد بن سلمان الذي لا نظنه يعلم أن محادثه تأثر كثيراً بنظريات المستشرق برنارد لويس، أحد أنبياء المحافظين الجدد، والذي يعتقد أن الاسلام «ايديولوجيا تتقيؤها الذئاب»، وأن البنية «الجيولوجية» للعرب لا تسمح لهم بأن يتجاوزوا ثقافة الصحراء حيث ينعدم الأفق، وفي أحيان كثيرة تنتفي الرؤية.

لا مجال للتشكيك في قدرته على التنظير، وفي ابتداع الأفكار التي يتم توظيف الكثير منها في السياسات الخارجية الأميركية. يرى أن التاريخ في الشرق الأوسط لم يعد أكثر من مستودع للوحول التي تمتزج حيناً بالدم، وحيناً بالنار.

المنطقة، في نظره، لا تبحث عن رجل يعيد صناعة التاريخ، بعدما ذهب بها الاجترار حد التفتيش عن الخلاص في أفواه الموتى، وانما عن رجل لصناعة ما بعد التاريخ.
الباحث الأميركي الذي يدعوالى ذلك يبدي افتتانه بالنموذج الاسرائيلي، وحيث «التماهي الفذ بين لغة التوراة ولغة القرن». شعوذة سياسية لا أكثر ولا أقل.

لا نتصور أن روبرت ساتلوف التقى ولي العهد السعودي فقط للتعرف على الشاب الذي ينتقل ببلاده من زمن الديناصورات على تخوم القرون الوسطى الى زمن الراقصات على ضفاف البحر الأحمر.

المعلومات المتداولة تشير الى أن ساتلوف الذي ينتمي الى معهد للبحث يرتبط باسرائيل، وقدم لها خدمات مذهلة، حمل معه أفكاراً حول بعض النقاط الحساسة صيغت بتكليف من اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة لمناقشتها مع الأمير السعودي.

بدا كما لو أن ساتلوف حاول اختبار مضيفه. كان دونالد ترامب قد أعلن، للتو، اعترافه بالقدس عاصمة لـ"اسرائيل". وحين سأل الباحث الأميركي ولي العهد عن موقفه من الاعلان، اكتفى بالقول «انها خطوة مخيبة للآمال»، وانتقل للحديث في موضوع آخر. لم ينس القول ان الصراع العربي ـ الاسرائيلي  مصطلح عبثي عمد قادة الانقلابات العسكرية في المنطقة العربية الى تضخيمه، أو الى توظيفه في اطار «بروباغندا الغوغاء».

ساتلوف نقل عن الأمير رؤيته للشراكة المستقبلية مع اسرائيل، وعلى أساس أن الوقت حان لاخراج الشرق الأوسط من القرون الغابرة. لاحظ أن ايران لا تصدّر الى الدول العربية سوى «الايديولوجيا الجنائزية»، في حين ان بامكان "اسرائيل" مساعدة العرب على التفاعل مع الابداع التكنولوجي.

الأمير السعودي يطرح نفسه على أنه منفتح جداً، ثوري جداً، وضد المراوحة التاريخية القاتلة. أمام شخصيات خليجية رأى أن المنطقة العربية تحتاج الى زلزال يفجر الطاقات البشرية فيها. استطراداً، الدمج الديناميكي بين الأدمغة الاسرائيلية والثروات العربية.

ها هم المسيحيون في الغرب لا يرون أي مشكلة في أن تكون كنيسة القيامة في عهدة الادارة الاسرائيلية. لماذا كل ذلك الصراخ من أجل المسجد الأقصى الذي بنته، كما المساجد الاخرى، يد بشرية ؟

اللافت مقاربة مسائل على هذا المستوى من الحساسية بكل تلك السطحية، وبذريعة دفع ايران الى خارج الحدود العربية. كيف؟ ها أن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس يعلن أن بلاده لن تلجأ الى الخيار العسكري ضد ايران بل هي تتمسك بالخيار الديبلوماسي، اذا ما أخذنا بالاعتبار أن القرار الاستراتيجي انتقل من البيت الأبيض الى البنتاغون.

سمو الأمير لم يدرك، وقد لا يدرك، أنه ليس هو ولا بنيامين نتنياهو من يصنع التاريخ، أو ما بعد التاريخ، في المنطقة.

الروس باتوا رقماً صعباً، ودونالد ترامب طلب من موسكو تسهيل التسوية مع بيونغ بانغ بعدما بدا كما لو أنه يراقص المستحيل.

بعض اعضاء العائلة المالكة، وقد أهال عليهم الغبار، يقولون «اذا ذهب الى اورشليم، قد يبقى هناك»!!

مقال بقلم : نبيه البرجي
101/104

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأحد 24 ديسمبر 2017 - 14:31 بتوقيت مكة