فقه المزار في أحاديث الأئمة الأطهار(عليهم السلام)(القسم الثاني)

السبت 11 نوفمبر 2017 - 11:25 بتوقيت مكة
فقه المزار في أحاديث الأئمة الأطهار(عليهم السلام)(القسم الثاني)

تضافرت الروايات من الفريقين على استحباب زيارة قبر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)وانّها من متمّمات الحج، وإليك طائفة منها:

آية الله جعفر السبحاني

زيارة قبر النبي الأكرم )صلى الله عليه وآله وسلم( في الروايات الشريفة:

تضافرت الروايات من الفريقين على استحباب زيارة قبر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)وانّها من متمّمات الحج، وإليك طائفة منها:

1 - عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله)صلى الله عليه وآله وسلم): "من زار قبري وجبت له شفاعتي." (11)

2 -  وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "من جاءني زائراً لا تحمله حاجة إلاّ زيارتي كان حقاً عليّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة."(12)

3 -  وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "من حجّ فزار قبري بعد وفاتي، كان كمن زارني في حياتي."(13)

هذا ما تيسّر ذكره مما ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم( وأمّا ما ورد عن أئمّة أهل البيت)عليهم السلام(هو كثير نختصر منه ما يلي:

4 -  عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام)قال: "أتمّوا برسول الله حجّكم، إذا خرجتم إلى بيت الله، فإنّ تركه جفاءٌ وبذلك أمرتم، وأتمّوا بالقبور التي ألزمكم الله زيارتها وحقّها".(14)

5 - روى عبدالرحمن بن أبي نجران قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام)عمّن زار قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)متعمداً؟ قال: "يدخله الله الجنة إن شاء الله".(15)

وقوله: "متعمداً" أي يكون مجيئه لمحض الزيارة لا لشييء آخر تكون الزيارة مقصودة بالتبع.

6 -  روى ابن قولويه بسنده عن أبي حجر الأسلمي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من أتى مكة حاجّاً ولم يزرني بالمدينة جفوته يوم القيامة، ومن زارني زائراً وجبت له شفاعتي". (16)ومراده من الجفاء هو عدم الشفاعة.وقد أورد ابن قولويه في هذا الباب أزيد من عشرين حديثاً في استحباب زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وما هذا إلاّ لأنّ الحضور لدى قبره الشريف نوع تقدير وعرفان لجميل ما بذله في سبيل هداية الأجيال وما تحمّل في سبيل ذلك من الجهود المضنية.

7 - أنّ للإمام الرضا (عليه السلام)كلمة قيّمة في زيارة مراقد القادة المعصومين كالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وأئمة أهل البيت)عليهم السلام( حيث قال: "إنّ لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم". (17)

هذا وكأنّ الزائر في حرم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)يخاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بقوله: لو إنّ الأنصار بايعوك في العقبة الثانية لأن يذبّوا عنك كما يذبّون عن أنفسهم وأولادهم، أو أنّ المهاجرين والأنصار بايعوك تحت الشجرة للذب عن رسالتك، فها أنا أُبايعك في حرمك للذب عن المثل العليا في رسالتك السماوية المقدّسة بما أُوتيتُ من حول وقوة من الله سبحانه ناشراً ألوية التوحيد في ربوع العالم، محطّماً أوتاد الشرك وأصنامه. فلو كان السياح يجوبون الأرض لزيارة المواقع التاريخية والمناظر الطبيعية الجميلة، فها أنا قطعت الفيافي لزيارة مرقدك، فإن لم أتمكّن من تقبيل يدك فأنا أُقبل تربة القبر الّذي ضم جسدك الشريف.

رأي ابن القيّم في زيارة قبر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)

قد عدّ الشيخ ابن القيم(المتوفّى 751 هـ ) زيارة النبي الأكرم)صلى الله عليه وآله وسلم(من أفضل الأعمال كما جاء في نونيته المشهورة :

فإذا أتينا المسجد النبوي صلْـ *** ـلينا التحية أولاً ثنتان

بتمام أركان لها وخشوعها *** وحضور قلب فعل ذي الإحسان

ثم انثنينا للزيارة نقصد الْـ *** ـقبر الشريف ولو على الأجفان

فنقوم دون القبر وقفة خاضع *** متذلل في السرِّ والإعلان

فكأنه في القبر حيٌّ ناطق *** فالواقفون نواكس الأذقان

ملكتهم تلك المهابة فاعترت *** تلك القوائم كثرة الرجفان

وتفجرت تلك العيون بمائها *** ولطالما غاضت على الأزمان

وأتى المسلّم بالسلام بهيبة *** ووقار ذي علم وذي إيمان

لم يرفع الأصوات حول ضريحه *** كلا ولم يسجد على الأذقان

كلا ولم يُر طائفاً بالقبر أسـ *** ـبوعاً كأن القبر بيت ثان

ثم انثنى بدعائه متوجها *** لله نحو البيت ذي الأركان

هذي زيارة من غدا مُتمسكاً *** بشريعة الإسلام والإيمان

من أفضل الأعمال هاتيك الزيا *** رة وهي يوم الحشر في الميزان(18)

 

طلب الاستغفار من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

إنّ الذكر الحكيم يحث المسلمين أو طائفة منهم على الحضور عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ليستغفر لهم بعد استغفارهم، قال سبحانه:"وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيماً".(19)

ويقول سبحانه في موضع آخر:"وَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَ رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ"(20)

والآية وإن وردت والنبي على قيد الحياة إلاّ أنّ المورد لايخصّص، لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)حي يرزق; وكيف لا يكون حياً وهو يرد سلام مَن صلّى عليه؟! وكيف لا يكون حياً وهو نبي الشهداء، وهؤلاء أحياء عند ربهم يرزقون؟! فمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وطلب منه الاستغفار سوف يكون قد عمل بالآية الشريفة.

وقد فهم ألباب الأُمّة وعقلاؤها أنّ الآية لا تشير إلى مدة حياته، بل تعم الدنيا إلى آخرها، لذلك كتبت هذه الآية فوق قبره الشريف لكي لا يغفل الزائرون عن هذه النعمة العظيمة.

ثم إنّ العلاّمة السبكي نقل في "شفاء السقام")21)فتاوى فقهاء المذاهب، "وإنّ الجميع متّفقون على استحباب زيارته"(صلى الله عليه وآله وسلم).

ونقل أيضاً عن فقيه الحنابلة ابن قدامة المقدسي(22)أنّه قال به، وكذلك نصّ عليه المالكية أيضاً ؛ كما وذكر قول أبي الخطّاب محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلواذانيّ الحنبلي في كتاب "الهداية" في آخر باب صفة الحجّ: وإذا فرغ من الحجّ استحبّ له زيارة قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

وقال أبوعبدالله محمّد بن عبدالله بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن إدريس السامريّ في كتاب "المستوعب": باب زيارة قبر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإذا قدم مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) استحبّ له أن يغتسل لدخولها، ثمّ يأتي مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام ويقدّم رجله اليمنى في الدخول، ثمّ يأتي حائط القبر، فيقف ناحية، ويجعل القبر تلقاء وجهه، والقبلة خلف ظهره، والمنبر عن يساره... وذكر كيفيّة السلام والدعاء إلى آخره.

ومنه: اللّهم إنّك قلت في كتابك لنبيّك (صلى الله عليه وآله وسلم: ("وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ... )(23)وإنّي قد أتيت نبيّك مستغفراً، فأسألك أن توجب لي المغفرة، كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللّهم إنّي أتوجّه إليك بنبيّك (صلى الله عليه وآله وسلم)... وذكر دعاء طويلاً. ثمّ قال: وإذا أراد الخروج عاد إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فودّع.

انظر عزيزي القارئ إلى هـذا المصنّف وهو من الحنابلة ـ ومؤلف كتاب "فقه المزار" متمذهب بمذهبهم ـ ، كيف نصّ على التوجّه إلى الله تعالى بالنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم.(24)

اهتمام العلماء بزيارة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم):

اتّفق فقهاء الفريقين على استحباب زيارة قبر النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)فقد جاء في كتاب "الفقه على المذاهب الأربعة": زيارة قبر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أفضل المندوبات، وردت فيها أحاديث.(25)

وقد اعتنى العلماء ـ قديمهم ومتأخرهم ـ عناية عظيمة بزيارة قبر النبي الأكرم)صلى الله عليه وآله وسلم(فألفوا في ذلك كتباً كثيرة في بيان فضل الزيارة وآدابها ومناسكها، وثواب شد الرحال إلى زيارة قبره الشريف)صلى الله عليه وآله وسلم(وبيان الآثار الاجتماعية لهذه العبادة الشريفة، وإليك عناوين عدد مما ألفه إخواننا علماء أهل السنة:

1 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للعلاّمة القاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي الأندلسي (المتوفّى 544 هـ).

2 -  شفاء السقام في زيارة خير الأنام، للإمام العلامة تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي(المتوفّى 756هـ.)

3 -  إتحاف الزائر وإطراف المقيم السائر في زيارة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم(، للإمام العالم أبي اليمن عبد الصمد ابن الشيخ الأجل أبي الحسن عبد الوهاب بن الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله القرشي الدمشقي المعروف بابن عساكر (المتوفّى 571هـ.)

4 -  رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة، للمحدث الشيخ محمود سعيد ممدوح.

5 - الجوهر المنظم في زيارة القبر النبوي الشريف المكرم، للمحدث الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي (المتوفّى 973 هـ.)

6 -  تحفة الزوار إلى قبر النبي المختار، لابن حجر الهيتمي.

7 - الدرة الثمينة فيما لزائر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم( إلى المدينة، للعلامة الشيخ أحمد بن محمد بن عبد الغني المدني الدجاني الأنصاري القشاشي (المتوفّى 1071 هـ(.

8 -  نفحات الرضا والقبول في فضائل المدينة وزيارة سيدنا الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، للمحدث المؤرخ الشيخ أحمد بن محمد الحضراوي المكي(المتوفّى 1327هـ.)

9 - الذخائر القدسية في زيارة خير البرية، للعلامة الشيخ عبد الحميد بن محمد علي قدس المكي(المتوفّى 1335هـ.)

10 -  التوسل والزيارة، للشيخ محمد الفقي.

11-  مشارق الأنوار في زيارة النبي المختار(صلى الله عليه وآله وسلم)، للإمام المحدث الشيخ حسن العدوي المالكي.

12-  الزيارة النبوية بين الشرعية والبدعية، للسيد محمد بن علوي المالكي الحسني.

يتبع........

 

الهوامش :

11-  شفاء السقام: 81 .
12-  شفاء السقام: 83 .
13-  شفاء السقام: 89 .
14- الخصال للشيخ الصدوق:2/ 406.
15- كامل الزيارات:43، الباب 2، الحديث 3 .
16- كامل الزيارات:44، الباب 2، الحديث 9 .
17- الوسائل: ج 10، الباب 44 من أبواب المزار، الحديث 2 .
18-الزيارة النبوية، لمحمد بن علوي المالكي: 95 ـ 96 .
19-النساء: 64 .
20- المنافقون: 5 .
21- شفاء السقام:157ـ 163.
22-. المغني:3/ 558.
23- النساء: 64 .
24- شفاءُ السقامِ في زيارة خير الأنام: 158.
25- الفقه على المذاهب الأربعة:1/ 590. 718 .
 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

السبت 11 نوفمبر 2017 - 11:13 بتوقيت مكة
المزيد