أثر اللغة العربية في اللغة الفارسية

الأربعاء 25 يناير 2017 - 17:08 بتوقيت مكة
أثر اللغة العربية في اللغة الفارسية

تُعد اللغة العربية إحدى اللغات العالمية الحيّة، وتشتمل على ألفاظ غير عربية، منها الألفاظ الفارسية ، وهذا دليل على أن اللغة العربية سارت وتسير نحو التأثير والتأثر بلغات الأقوام الأخرى، فمثلما تتقبل من لغات أخرى ألفاظا مختلفة في مجالات متنوعة فإنها تعطي ألفاظا لتلك اللغات بحجم ماتستوعب وربما أكثر، وهي الذروة في سلامة البيان وفصاحة التعبير والنسج المحكم. و من هذا المنطلق يأتي تأثّر تركيب الجملة الفارسيّة بالتراكيب العربيّة، وتأثر الشعر الفارسي كذلك بالشعر العربي من حيث الشكل والمضمون، فأخذ الشاعر الفارسي قواعد الشعر العربي بقوافيه وعروضه فلاقحها بطبيعته و مزاجه فكانت المحصلة إيجاد بعض التغيير والنقص والزيادة دون أن تشويه الصورة الجمالية لمحاكات شعراء الفارسية الشعراء العرب في بناء القصيدة و إنشائها ....

إن العلاقة بين اللغة العربية والفارسية علاقة قديمة بعمق الزمن بحكم الجوار وعلاقة بلاد فارس مع الجزيرة العربية وبقية المشرق العربي ، تصل جذورها الى التبادل التجاري بين العرب و الفرس الذي كان يمر في غالبه بطريق الحرير الذي كان يربط إفريقيا بالبلاد العربية فإيران منتهيا الى الصين. لكن الأهم هو دخول الكثير من الألفاظ العربية إلى اللغة الفارسية بعد الفتح الإسلامي لإيران، مثلما دخلت الحروف العربية جميعها من الألف إلى الياء، واستمر هذا الحال حتى القرن الخامس الهجري، حيث كانت أغلب الألفاظ الإدارية والدينية المستخدمة في بلاد فارس عربية، و لابديل لها في اللغة الفارسية احياناً . و هكذا كان الحال في فن البديع والشعر، فقد غلبت اللفظ العربي على اللفظ الفارسية لجماله وقصره ودلالته ، مثل: الزكاة، والصوم، والحجّ، والجهاد، والمؤمن، والكافر وغيرها .. صحيح أن اللغة العربية لم تصبح اللغة الرسمية في إيران لكنها كانت لغة النخبة الكبيرة من المتنفذين، والمثقفين والسياسيين، وفحول الشعراء الفارسي ولغة الديوان، و مع مرور الزمن و تمسك النخبة من رجال بلاد فارس بإتقان اللغة العربية و مزجها باللغة و الأدب الفارسي، أصبح للغة الفارسية شكل و كيان جديدين  .

بعد القرن السادس الهجري دخلت ألفاظ عربية غير التي دخلت سابقا، ودخل معها كذلك نحو اللغة العربية وصرفها، مثل الجمع ومطابقة الصفة مع الموصوف (مع فارق بسيط في الجمع)، وكان السبب وراء ذلك التوجه الكبير هو إنجذاب رجال النخبة الفارسية الى الشعر العربي ونثره، بالاضافة الى رغبتهم في ترسيخ الاسلام واللغة العربية في بلاد فارس، و من هنا إنطلق دور مجموعة من اللغويين الإيرانيين والشعراء في أن يتعمقوا في تعلم اللغة العربية و الإبداع في علومها فيضيفوا إليها الكثير مما إنتفع به العرب أنفسهم وليوصلوا التزاوج بين لغة الأمتين الى أبها صورة .

 في كثير من الموضوعات أخذت الفارسيّة علم البلاغة عن العربيّة، فصارت بلاغة الفرس محاكية لبلاغة العرب حتى بمصطلحاتها ، وتردّدت في الأدب الفارسي معاني ومفردات عربيّة، واستعار الفرس الحرف العربي حتى سُمّيت لغتهم بالفارسيّة المكتوبة بالحرف العربي حيث انها تحتوي على كلمات عربيّة ، كذلك تأثّر الفرس بالنحو العربي في كثير من أبوابه ومصطلحاته، مثل فعال و فاعل و مفعول و النسبة و الجمع و غير ذلك . وبهذا نشأ الأدب واللغة الفارسيّان نشأة عربيّة وأستمر بالإتّساع والازدهار  .

تعد اللغة الفارسية من اللغات التركيبية التي تعتمد على مبدأ السوابق واللواحق وليست لغة اشتقاقية كاللغة العربية، أدخل الفُرس اللفظة العربية في الفعل الفارسي لرصانة اللفظة العربية ومتانتها واتساع دلالالتها، وبخاصة في الفعل المركب الذي أوجدوه لمجاراة اللغة العربية وشموليتها ولكونه أوسع وأشمل من الفعل البسيط في استيعاب التطور اللغوي . لذلك نجد أن أكثر من خمسين بالمائة أو أكثر من الأفعال المركبة في اللغة الفارسية قد دخلت فيها اللفظة العربية. ونجد أن اللفظة العربية التي دخلت الفعل الفارسي كان لها التأثير المباشر في نظام الجملة في اللغة الفارسية، ومنحت اللفظة العربية تكاملا أكثر للجملة من حيث الصرف والنحو.

و إذا أردنا أن نتناول الموضوع من الناحية التقابلية بين اللغة العربية والفارسية فإننا سنجد أن اللغة الفارسية ونظام الجملة فيها قد تكامل بعد دخول اللفظة العربية في اللغة عموما وفي فعل اللغة الفارسية خصوصا.

و لما كانت اللغة الفارسية لغة تركيبية، أصبح الفعل فيها يتكون من كلمتين أو أكثر ، ويسمى الجزء الأول من الفعل الفارسي بالجزء الاسمي و هو الذي يعطينا المعنى، والجزء الأخير بالجزء الفعلي الذي يحدد الزمن والفاعل والنفي والإثبات، وينقسم إلى قسمين: متعد ولازم، ومن الجدير بالذكر هنا أن أغلب الأفعال المركبة يقابلها فعل بسيط بنفس المعنى ، لكن استعمال الفعل المركب له وقع أكثر من حيث رصانة الجملة في التدوين والإنشاء، وخاصة في لغة الأدب والصحافة وسائر العلوم والمعارف، وقد أصر الكتاب الفرس على استعمال الفعل المركب مع الجزء العربي لإظهار مهاراتهم اللغوية وإلمامهم بالثقافتين العربية والفارسية.  

 ويرى علماء اللغة أن دخول اللفظة العربية في النثر الفارسي كان له الدور الأول في تطور اللغة الفارسية مما أضفى عليه جمالية مضاعفة في التعبير والأداء والسرد والاستيعاب، و وصلت تلك الجمالية الى الذروة في شعر الشعراء الفرس إذ كانوا - في مرحلة - ينشؤون القصيدة عربية، ثم الشعر الملمع (الشطر الأول عربي والثاني فارسي، أو العكس) ثم الشعر باللغة الفارسية كاملا، وبخاصة في شعر التصوّف والعرفان.

كان لدراسة الأدب العربي مركزان هامان في فارس و هما نيسابور و الري، هذا بالإضافة إلى مراكز أخرى ثانوية . و كانت الري مقر آل بويه و وزرائهم المشهود لهم بالبراعة في الأدب العربي منهم الصاحب بن عباد المعروف بشعره العربي الذي جعله يبوأ أعالي المراتب بين أساطين الشعر في تاريخ الأدب العربي، نشأ في عهده جمع كبير من الشعراء خصص ( الثعالبي )  فصلاً خاصًا لذكرهم في كتابه (يتيمة الدهر) .

و كذلك مدينة نيسابور الإيرانية أنتجت كثيرًا من الشعراء و الأدباء ربما يفوق عددهم عدد شعراء الري و أدبائها، و فيهم شخصيات ذوو شهرة عالمية في الأدب العربي كأبي بكر الخوارزمي و بديع الزمان الهمذاني. و لم يكن إنتاج الأدب في نيسابور مقصورًا على أهل البلد، فقد كانت للقرى التابعة لها أدباؤها و شعراؤها ممن ذكرهم الثعالبي في كتابه الآنف الذكر .

 عاش في نيسابور رجال من ذوي البيوت و الشرف يعنون بتشجيع الأدب العربي، منهم بنو ميكال و كانوا ينتمون إلى ملوك فارس القدامى و تقّلدوا في العصور الإسلامية الأولى مناصب عالية في الحكومة و كانت لهم مآثر في تشجيع الأدب و اصطناع الأدباء مما نجد صداه مترددًا في التاريخ و بخاصة في كتب الثعالبي  .

ماهي اهم المراكز او المدارس الاسلامية التي اهتمت بنشر العلوم الاسلامية في ايران عبر العصور ، ومنها علوم اللغة  والادب العربي .... وما هي أهم الشخصيات التي برز إسمها في هذا المجال ؟

موضوع التّعامل بين اللغات وأثر كلّ منها في الآخر بحث ثقافي هام ومجال للتحقيق في علم اللغة وتاريخها. ويرى المحققون أنّ أحد أسباب تبدل اللغة هو هذا التأثير المتبادل بين اللّغات.

 يقول أحد الباحثين في علم اللغات : إنّ تأثير لغة على أخرى له ثلاث حالات :

 الأولى: أن تكون اللغتان إلى جانب بعضهما وكلّ منهما يستعمل من قبل الناطقين بهما دون أن يضيع أي منهما.

والثّاني: أن تتغلب لغة قوم يهاجرون إلي منطقة أخرى على اللغة الأصلية لهذه المنطقة وتمحوها، وفي هذه الحالة فإنّ اللغة الزّائلة يقال لها القشر الأسفل.

الثالثة: أن يفقد القوم المهاجرون لغتهم ويتّخذوا اللغة الأصلية للمنطقة الجديدة، وفي هذه الحالة يقال للغة القوم المهاجرين التي زالت وتركت أثرا في القوم الأصليين القشر الأعلى.

مشتركات اللغتين الفارسية والعربية و التأثير المتبادل بينهما كان موضوع دراسات علمية ومناقشات اجتماعية مختلفة في إيران. إنّ اللغتين الفارسية والعربية لم يكن أيّ منهما من القشر الأسفل، وإنّما ظلتا لقرون إلى جنب بعضهما ومتجاورتين، ومع أنهما نشأتا من أصلين مختلفين فإنّهما  - وعلى مر التاريخ - كان بينهما تعامل وثيق بسبب العلاقة المستمرّة بين الإيرانيين والعرب، وبالتالي فإنّ التأثير والتّأثّر بين اللغتين خلّف آثارا متبادلة لا نظير لها في سائر اللغات العالمية .

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأربعاء 25 يناير 2017 - 15:07 بتوقيت مكة
المزيد