الكوثر - فلسطين
يهرع الناس إلى الطوابير كمن يسابق الموت، يلتفون حول نقطة توزيع، لا تُنبت أملاً، ولا تُطعم أكثر من صمت. طفل يبكي، وامرأة تُخفي دموعها، وشيخٌ يئن من وطأة الانتظار. لساعات طويلة يقفون، وكل منهم يحمل في عينيه سؤالًا واحدًا: "هل أعود اليوم برغيف أم بكفن؟".
في هذا المكان المنسي خلف الجدران والحصار، صار الخبز أمنية، والطحين يُباع كما لو كان ذهبًا أسود، تجاوز سعر الكيلو منه الخمسين دولارًا، إن وُجِد أصلًا. أما من لا يملك، فليس له سوى الصبر، أو الموت جوعًا.
تغدو الحياة معركةً عبثية، لا تُكافئ أحدًا، ولا تميز بين الجوعى. حتى الفلافل، سيدة موائد البسطاء، تحوّلت إلى حلمٍ ملوّن، وسندويشة واحدة بثمن وجبةٍ في أفخم مطاعم العالم، لا تكفي سوى لتُذكّر الجائع بأنه لا يزال على قيد الحياة.. ربما.
إقرأ أيضاً:
"ليس فقرًا"، يقول المغردون، "بل تجويع ممنهج، وموتٌ متعمد ببطءٍ وقسوة". غزة، المدينة التي تصرخ كل صباح من بين ركامها، لا تطلب شيئًا سوى أن تعيش. لا تسأل رفاهية، لا تسأل سلامًا، فقط تسأل: "رغيف واحد، لطفلٍ واحد.. أهذا كثير؟".
وحين يُصبح الصمت العالمي شريكًا في الجريمة، يغدو ثمن الخبز دمًا، وتغدو الإنسانية سؤالًا مُعلقًا على جدران الخيبة: "متى أصبح الخبز ترفًا؟ ومتى صار الجوع سلاحًا؟".
في غزة، تُكفن الأرواح بأكياس طحين. وفي كل مرة يُقال فيها: "شهيد جديد بسبب الجوع"، يُطبع على جبين العالم عارٌ لا يمحوه التاريخ.