خاص الكوثر - مقابلات
وشرح الخبير في الشؤون الأمنية والجيوسياسية الدكتور "أحمد ميزاب"، بعمق الأسباب التي أدت إلى فشل رهان الكيان الصهيوني على إحداث انقسام داخلي في إيران، معربًا عن أن قراءة الكيان كانت استخباراتية سطحية وغير دقيقة، حيث تجاهلت البنية السياسية والاجتماعية التي تنتج التماسك الداخلي في الأزمات، وقللت من قوة العامل القومي المقرون بالخطاب الديني، وهو أحد أعمدة الشرعية في النظام الإيراني.
وأضاف "ميزاب" أن الكيان اعتمد على فرضية مفادها أن الهجوم الخارجي سيكشف هشاشة الجبهة الداخلية الإيرانية، وأن الأزمات الاقتصادية والعزلة الدولية كافية لتفجير الشارع، لكنه أغفل حقيقة أن الهجوم المباشر على السيادة يُفعّل لدى الشعوب ما يسمى بـ"الوعي الوجودي"، وهو وعي يتجاوز الحسابات الحزبية والفكرية، ويركز على البقاء والكرامة الوطنية.
اقرأ ايضاً
وأوضح أن المفارقة ظهرت عندما أبدت المعارضة الإصلاحية، التي عادةً ما تنتقد السلطة، دعمًا صريحًا للرد الإيراني، بينما التحمت التيارات القومية التي لها تحفظات على البعد الديني للنظام مع الرد دفاعًا عن الحدود، وحتى شريحة الصامتين الذين لا يشاركون عادة في السياسة، انتقلوا إلى موقف دفاعي عن الوطن.
وأشار إلى أن الخطاب الإعلامي الرسمي تخلى مؤقتًا عن لغة العقيدة والولاء، واعتمد خطابًا وطنيًا وحدويًا يتحدث عن الكرامة والسيادة والكرامة الشعبية، مما عزز تعبئة شاملة غير مسبوقة، وأدى إلى فشل خطة تفكيك الداخل الإيراني التي لم تفشل فقط، بل أعطت نتائج عكسية، إذ أعيد إنتاج خطاب داخلي قائم على "السيادة قبل الاختلاف"، وأصبحت وحدة الجبهة الداخلية أصلب مما كانت عليه قبله.
واختتم الدكتور "ميزاب" هذه النقطة بالقول إن الكيان وقع في خطأ كلاسيكي، أساء فيه فهم العقل الجمعي الإيراني، وأخطأ في اختيار التوقيت والأدوات، فزرع فتنة لكنه حصد تماسكًا.
وحول أهمية الوحدة والتماسك في المجتمعات الإسلامية، أكد "ميزاب" أن فشل الكيان في تحقيق أهدافه من التصعيد العسكري ضد إيران لا يعني تخليه عن استراتيجيته الهجومية في المنطقة، بل يقتصر الأمر على مراجعة التكتيك دون تغيير المسار، لأن الانسحاب أو التراجع عن الخط العدواني سيُقرأ إقليميًا كاعتراف بالضعف أمام محور المقاومة.
الكيان الصهيوني يكثف الحرب السيبرانية والاستخباراتية
ولفت إلى أن الكيان سيقوم بإعادة التموضع، وسيأخذ عدة أشكال منها تكثيف الحرب السيبرانية والاستخباراتية عبر نقل جزء من المعركة إلى الفضاء الإلكتروني، واستهداف المنشآت الإيرانية وشبكات القيادة والتحكم، وتنشيط شبكات التجسس، مع التركيز على العمليات التخريبية الذكية بدل المواجهة المباشرة، وهو ما يضمن له درجة من التأثير دون تورط في مواجهة مفتوحة مكلفة.
وأشار كذلك إلى احتمال استخدام الحلفاء كواجهة هجومية، حيث قد ينسق الكيان أكثر مع بعض الدول القريبة جغرافيًا لتشكيل طوق استخباراتي أو تهديدات أمنية غير مباشرة، وقد يعتمد على بعض القوى الاقليمية لتأمين الدعم الاستخباراتي أو تحريك ملفات إقليمية تُشتت إيران، مما يخفي اليد الكيان الصهيوني ويُضعف الطرف المستهدف دون مواجهة مباشرة.
وكما تحدث عن توسيع أدوات الحرب الناعمة، واستثمارها في الإعلام، الأكاديميا، ومنظمات المجتمع المدني الناطقة بالفارسية، مع إعادة توجيه الحرب النفسية نحو الداخل الإيراني بعد فشل الحرب الصاروخية في خلق انقسام داخلي، حيث سترتفع محاولات بث الإحباط داخل الجيل الشاب الإيراني حول جدوى مشروع المقاومة ومحدودية الانفتاح الاقتصادي.
ونوه إلى أن المنظومة الإسرائيلية تعتبر صراعها مع إيران وجوديًا، وأن أي تراجع أو توازن ردع دائم يُفقدها هيبتها الإقليمية، لذا فإن فشل التصعيد العسكري لن يُنهي العداء، بل سيحوله إلى أشكال أخرى من الحرب، طويلة، موزعة، متقطعة، وغير خطية، أو حرب وكلاء ومعلومات وضربات انتقائية مؤلمة، مع فقدان الثقة في "الضربة الحاسمة" دون فقدان الرغبة في محاصرة إيران وكسر مشروعها.
وفي الحديث عن تجربة الرد الإيراني وتعزيز السيادة الوطنية، قال ميزاب إن الرواية الإيرانية الرسمية تعاملت مع الرد العسكري على الكيان الصهيوني ليس باعتباره تصعيدًا عدائيًا، بل كفعل سيادي مشروع ضمن حق الدفاع عن النفس، مؤكداً أن الرد لم يُقدم كاستفزاز أو رغبة في الحرب، بل كإثبات لامتلاك القرار ورفض الانكسار.
وشرح أن هذا التوجه في الخطاب خلق بيئة داخلية تستوعب المواجهة وتُبررها، خاصة في ظل ذاكرة شعبية مثقلة بعقود من الحصار والتدخلات، وأن المجتمع الإيراني أصبح نتيجة تجارب طويلة يتمتع بمستوى عالٍ من المناعة ضد أساليب الحرب الناعمة.
وبيّن أن الحملات الإعلامية التي ركزت على تضخيم الخسائر أو التشكيك في جدوى الرد لم تخترق الوعي العام، وأن أدوات الحرب الناعمة المكررة مثل تشويه القيادة، تسخيف الرد، التركيز على الانقسامات، والتهويل من العواقب لم تعد فعالة أمام جمهور بات أكثر قدرة على تحليل الرسائل وقراءة خلفياتها.
المعارضة الخارجية فقدت مصداقيتها
كما ذكر أن مواقع المعارضة الخارجية التي راهن عليها الإعلام الغربي لتأليب الداخل فقدت مصداقيتها، وباتت تُرى كأدوات أجندات أجنبية، ما أدى إلى انفصال خطابها عن الواقع الإيراني وتحوله إلى تكرار دعائي لا يخاطب وجدان الداخل، ما جعل الاستهداف الإعلامي الخارجي يزيد مناعة الخطاب الرسمي الإيراني.
واختتم أن الرد السيادي الإيراني كان مادة لتقوية الداخل، لا كسره، وكان نقطة ارتكاز في حرب معنوية لم يفهمها الطرف الآخر إلا بعد فوات الأوان.
آجرت الحوار: الدكتورة معصومة فروزان