من سيرة النبي محمد(ص)...ما لا تعرفه عن حقيقة الإسراء والمعراج!

الثلاثاء 20 نوفمبر 2018 - 14:00 بتوقيت مكة
من سيرة النبي محمد(ص)...ما لا تعرفه عن حقيقة الإسراء والمعراج!

وهنا ينقدح السؤال التالي وهو: كيف تمّ كلّ هذا السفر الطويل وهذه المشاهدات العجيبة والمتنوّعة والأحداث الطويلة في ليلة واحدة، بل في جزء منها؟!

من المعروف والمشهور بين علماء الإسلام أنَّ رسول الله (ص) عندما كان في مكّة! أسرى به الله تبارك وتعالى بقدرته من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن هناك صعد به إلى السماء "المعراج" ليرى آثار العظمة الرّبانية وآيات الله الكبرى في فضاء السماوات، ثمّ عاد (ص) في نفس الليلة إلى مكّة المكرمة.

والمعروف المشهور أيضاً أنّ سفر الرسول (ص) في الإسراء والمعراج قد تمَّ بجسم رسول الله (ص) وروحه معاً.

ولكن العجيب ما يحاوله البعض من توجيه معراج الرسول (ص) بالمعراج الروحي والذي هو حالة شبيهة بالنوم أو "المكاشفة الروحيّة" ولكن هذا التوجيه ،كما أشرنا لا ينسجم إطلاقاً مع ظواهر الآيات، بل هو مخالف لها، إذ يدل الظاهر على أنَّ القضيّة تمت بشكلٍ جسمي حسي.

المعراج في القرآن والحديث:

في كتاب الله سورتان تتحدثان عن المعراج:

السورة الأولى هي سورة "الإسراء"، وقد أشارت إلى القسم الأوّل من سفر الرسول (ص) (أي أشارت لإسرائه (ص) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) وقد إستتبع الإسراء بالمعراج.

السورة الثّانية التي أشارت للمعراج هي سورة "النجم" التي تحدثت عنهُ في ستِ آيات هي: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى {13} عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى {14} عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى {15} إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى {16} مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى {17} لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى {18}﴾. (النجم/13-18)

قوله تعالى: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾ هو إثبات آخر لصحة هذا القول.

في الكتب الإسلامية المعروفة هُناك عدد كبير جدّاً من الأحاديث والرّوايات التي جاءت حول قضية المعراج، حتى أنَّ الكثير من علماء الإسلام يذهب إلى "تواتر" حديث المعراج أو اشتهاره.

تاريخ وقوع المعراج:

هناك أيضاً اختلافات بين المؤرّخين المسلمين حول تاريخ وقوع المعراج، إذ يقول البعض: أنّه حصل في السنة العاشرة للبعثة في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، والبعض يقول: إنَّه عرج به (ص) في (17) رمضان من السنة الثّانية عشرة للبعثة المباركة. وبعض ثالث قال: إنَّ المعراج وقع في أوائل البعثة.

ولكن في كل الأحوال، فإنَّ الاختلاف في تأريخ وقوع المعراج لا ينفي أصل الحادثة.

من المفيد أيضاً أن نذكر أنَّ عقيدة المعراج لا تقتصر على المسلمين، بل هناك ما يشابهها في الأديان الأخرى، بل إنّا نرى في المسيحية أكثر ممّا قيل في معراج النّبي (ص)، إذ يقول أولئك كما في الباب السادس من إنجيل "مرقس" والباب (24) من إنجيل "لوقا" والباب (21) من إنجيل (يوحنّا) أنّ عيسى بعد أن صُلب وقتل ودفن نهض من مدفنه وعاش بين الناس أربعين يوماً قبل أن يعرج إلى السماء ليبقى هناك في عروجٍ دائم! ونستفيد من مؤدّى بعض الرّوايات أنّ بعض الأنبياء السابقين عُرِجَ بهم إلى السماء أيضاً.

إنّ النّبي واصل معراجه إلى السماء خلال مراحل عديدة.

1-المرحلة الأولى: وهي ما بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى وقد أُشير إليها في الآية من سورة الإسراء:﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى...﴾ الإسراء/1.

وتقول بعض الروايات أنّ النّبي (ص) نزل في المدينة أثناء إسرائه مع جبرئيل فصلّى بها.

كما صلّى أيضاً في المسجد الأقصى مع أرواح الأنبياء العظام كإبراهيم وموسى وعيسى (ع)، وكان النبي (ص) إمامهم في الصلاة، ثمّ بدأ المعراج إلى السماوات السبع فجابهنّ سماءً بعد سماء وواجه في كلّ سماء مشاهد جديدة، فالتقى الملائكة والنبيين في بعضها، والجنّة وأهلها في بعضها، والنار وأهلها في بعضها، وحمل من كلّ في خاطره وروحه ذكريات قيّمة، وشاهد في عجائب كلّ واحدة منها رمز من رموز عالم الوجود وسرّ من أسراره، وبعد عودته ذكرها لأمته صراحةً أحياناً وبالكناية أو المجاز أحياناً، وكان يستلهم منها لتربية أمّته وتعليمه بكثرة.

وهذا الأمر يدلّ على أنّ واحداً من أهداف هذا السفر السماوي الإستفادة من النتائج العرفانيّة والتربوية لهذه المشاهدات، والتعبير القرآني الغزير ﴿ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ النجم/18 يمكن أن يكون إشارة إجمالية لجميع الأمور.

وكما ذكرنا آنفاً فإنّ الجنّة والنار اللتين رآهما النّبي (ص) في معراجه والأشخاص الذين كانوا منعّمين أو معذّبين فيهما لم تكونا جنّة القيامة ونارها، بل هما جنّة البرزخ وناره، لأنّه طبقاً لآيات القرآن فإنّ الجنّة والنار تكونان بعد يوم القيامة والفراغ من الحساب معدّتين للمتّقين والمسيئين.

وأخيراً وصل النّبي إلى السماء السابعة ورأى حجُباً من النور هناك حيث "سدرة المنتهى" و"جنّة المأوى" وبلغ النّبي هناك وفي العالم النوراني أوج الشهود الباطني والقرب إلى الله قاب قوسين أو أدنى... وخاطبه الله هناك وأوحي إليه تعاليم مهمّة وأحاديث كثيرة نراها اليوم في الرّوايات الإسلامية تحت عنوان الأحاديث القدسيّة، وسنعرض قسماً منها بإذن الله في مقال آخر.

الطريف هنا هو أنّ الرّوايات الكثيرة تصرّح بأنّ النّبي (ص) رأى أخاه وابن عمّه علياً في مراحل مختلفة من معراجه بصورة مفاجئة، وما نجده من التعابير في هذه الرّوايات كاشف عن مدى مقام علي وفضله بعد النّبي (ص).

وعلى الرغم من كثرة الرّوايات في شأن المعراج فهناك تعابير مغلقة ذات أسرار ليس من الهيّن كشف محتواها وهي كما يصطلح عليها من الرّوايات المتشابهة... أي الرّوايات التي ينبغي إحالة تفسيرها على أهل بيت العصمة!

وقد ذكرت كتب أهل السنّة روايات المعراج بشكل موسّع بحيث نقل ثلاثون راوية من رواتهم حديث المعراج.

وهنا ينقدح السؤال التالي وهو: كيف تمّ كلّ هذا السفر الطويل وهذه المشاهدات العجيبة والمتنوّعة والأحداث الطويلة في ليلة واحدة، بل في جزء منها؟!

ولكن يتّضح الجواب على السؤال بملاحظة أنّ سفر المعراج لم يكن سفراً بسيطاً كالمعتاد حتّى يقاس بالمعايير المعتادة! فلا السفر كان طبيعياً ولا وسيلته وركوبه ولا مشاهده ولا أحاديثه ولا المعايير الواردة فيها كمعاييرنا المحدودة والصغيرة على كرتنا الأرضيّة فكلّ شيء كان في المعراج خارقاً للعادة! وكان وفق مقاييس خارجة عن زماننا ومكاننا.

فبناءً على هذا لا مجال للعجب أن تقع كلّ هذه الأمور بمقياس ليلة أو أقل من ليلة من مقاييس -الكرة الأرضيّة- الزمانية.

هل كان المعراج جسدياً أم روحياً؟

إنّ ظاهر الآيات القرآنية الواردة في أوائل سورة الإسراء، وكذلك سورة النجم تدلل على وقوع المعراج في اليقظة، ويؤكّد هذا الأمر كبار علماء الإسلام من الشيعة والسنّة.

وتشهد التواريخ الإسلامية أيضاً على صدق هذا الموضوع، ونقرأ في التأريخ أن المشركين أنكروا بشدّة قضية المعراج عندما تحدث بها الرّسول (ص)، وأخذوها عليه ذريعة للإستهزاء به، ممّا يدل بوضوح على أن الرّسول لم يدّع الرؤية أو المكاشفة الروحية أبداً، وإلاّ لما استتبع القضية كل هذا الضجيج.

أمّا ما ورد عن الحسن البصري أنّه (كان في المنام رؤيا رآها) أو عن عائشة أنّه: (والله ما فُقِدَ جسد رسول الله ولكن عرج بروحه)، فيبدو أنّ لذلك منظور سياسي، لإخماد الضجّة التي أثيرت حول قضية المعراج.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الثلاثاء 20 نوفمبر 2018 - 13:44 بتوقيت مكة
المزيد