مقام الإمامة...عند الشيعة الإثني عشرية

الإثنين 23 إبريل 2018 - 07:19 بتوقيت مكة
مقام الإمامة...عند الشيعة الإثني عشرية

إن الإمامة عند الشيعة هي استمرار للقيام بوظائف الرسالة وهي منصب إلهي ...

مجتبى السادة

إن مسالة الإمامة لها أهميتها الخاصة عند أتباع مدرسة أهل البيت (ع) ، وهذا هو الأصل(1) الذي امتازت به الإمامية وافترقت عن سائر فرق المسلمين ، وأن الشيعة تعتقد أن الإمامة بعد النبوة ، وهي أصل من أصول الدين ، وأن النبي (ص) قد أوصى قبل رحيله إلى الرفيق الأعلى بالإمامة والولاية إلى الأئمة الإثني عشر أولهم الإمام علي بن أبي طالب (ع) وآخرهم الإمام المهدي المنتظر (ع).

هذا الأصل الاعتقادي عند الشيعة المستند والدليل والأساس فيه هو (الدليل العقلي): العقل الحاكم بضرورة وجود الإمام المعصوم (2)في كل عصر وزمان بناءً على قاعدة اللطف(3)الإلهي (الإمامة لطف واجب من قبل الله سبحانه وتعالى كالنبوة(4) ، فالإمام منصوص عليه من قبل النبي (ص) عن الله عز وجل ، أو من قبل الإمام الذي قبله.

وهكذا يتضح مفهوم الإمامة باعتبار أن الإمام هو القائد الذي يحمل مسؤولية الدين بعد النبي ، وبمعنى آخر استمراراً لوظائف النبوة ماعدا تحمل الوحّي: بيان الأحكام الإلهية (النبوة) ، وإكمال وظيفة تبليغ الأحكام الإلهية (الإمامة) ، وتعتقد مدرسة أهل البيت (ع) بأن الإمامة ولاية كاملة ، وأن الإمام هو الإنسان الكامل وهو حجة العصر وإمام الزمان ، وهذا الإنسان لابّد من وجوده في كّل عصر وزمان ، ولولاه لساخت الأرض بأهلها ، ولهذا الشخص (الإمام) مقاماتٌ ودرجاتٌ عالية ، وأن هذه المرتبة ثابتة للنبي (ص) وللأئمة الاثنا عشر (ع) من بعده .. ويتم اختيار هؤلاء الأئمة عن طريق التعيين والنص ، فإن الإمامة ترتبط بالله سبحانه وتعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}(5) فهذه الخلافة الإلهية غير منقطعة ، وفي آية أخرى قال تعالى { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(6)} فكما هو واضح أن الإمامة غير النبوة والرسالة ، وهي جعل إلهي ومنصب رباني مثلها مثل النبوة ، ولا شأن للناس أو الأمة بها ، فيستحيل فيه على الإنسان أن ينال هذا المقام السامي وهذه المرتبة العالية من خلال انتخاب الأمة أو من خلال انتخاب أهل الحلِّ والعقد له ، أو من خلال الشورى أو ما شابه ذلك.

إن الإمامة من المسائل الأساس في استمرار الإسلام وضمان له من الانحراف ، وقد نصت عليها الأدلة والبراهين الثابتة من العقل والقرآن والسنة: فالإمامة مقام بعد النبوة ، وضرورية لحاجة المسلمين والبشر لتوضيح أحكام الله بعد ختم النبوة .. والقرآن الكريم ذكر في آيات عديدة مقام الإمامة وأهميتها مثل: آية الولاية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(7)، وآية الطاعة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}(8) ، وآية التطهير ، وآية المباهلة ، وآية الإنذار ، وآية التبليغ وكثير من الآيات .. وكذلك اهتم الرسول (ص) بأمر الإمامة وصرح في أحاديث كثيرة جداً أهميتها ومكانتها مثل: حديث الثقلين (الكتاب والعترة) ، وحديث إمام الزمان (وموتة الجاهلية) ، وحديث المنزلة ، والطير ، والغدير ، والسفينة وكثير من الأحاديث النبوية الشريفة ، وهذه النصوص لم تنفرد بها الإمامية ، بل روت العامة في مصادرها مثل هذه الأحاديث وتفسير الآيات ، واتفقت مع الإمامية بشكل يوجب الحكم بصحتها .. وكذلك ورد عن رسول الله (ص) عدد كبير جداً من الروايات التي تنص على الأئمة الإثني عشر بأسمائهم واحداً واحداً ، ومن هذه الروايات قوله لجابر بن عبد الله الأنصاري عندما سأله عن الذين وجبت طاعتهم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.. فقال (ص): "هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي ، وأولهم علي بن ابي طالب ، ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فأقرأه مني السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي"(9).

من مجمل ما تقدم ، يظهر وبشكل جليّ أهمية الإمامة في مدرسة أهل البيت (ع) والمقام الرفيع للإمام : (الرئاسة العامة ، والمرجعية الدينية ، والولاية الكاملة (10) .. ولا بد أن تتوفر في الإمام ثلاث خصال لكي يكون إماماً مفترض الطاعة ، وهي:

1- أن يكون معيناً من قبل الله تعالى ومنصوصاً عليه في كلمات النبي أو الإمام الذي قبله.

2-أن يكون مؤيداً بالعلم الإلهي بحيث لا يحتاج إلى علم الناس وهم يحتاجون إلى علمه.

3- أن يكون معصوماً(11) بحيث لا يخطئ ولا يعصي ، كما هو حال الأنبياء (ع).

فمن توفرت فيه هذه الشرائط مجتمعة كان الإمام ، ولو انتفى عنه شرط واحد خرج عن أهلية الإمامة.

إن الخلاف بين المدارس الإسلامية المختلفة (12) ليس في أي شخص له مثل هذا الأمر ، وإنما في أصل وجود مثل هذا الشخص ، فمدرسة أهل البيت (ع) أثبتت المرجعية الدينية (جزء من الإمامة) للإمام علي (ع) وللأئمة من بعده ، فهي تستمّد أحكامها منهم كما كانت تستمدها من الرسول (ص) ، وتعتبر أن كل الأحكام قد بينها الأئمة (ع) بعد الرسول (ص) ، ولديها ما يكفي لحلّ جميع ما يستجد من مسائل ، سواء عبر اللجوء إلى الكتاب والسنة النبوية مباشرة أو من خلال الأئمة (ع) ، فالله سبحانه وتعالى لم ينزل ديناً ناقصاً ، بل كاملاً تاماً مصداقاً لقوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}(13) ، وأن النبي بلغه كاملاً ، ولكن الصيغة الكاملة من الأحكام لم يبلّغها النبي (ص) لعامة الناس ، وإنما خص بها الإمام علي (ع) والأئمة من بعده ، وأمرهم ببيانها للناس متى دعت الحاجة إلى ذلك ، وهذا يعني أن النبي مبلغ عن الله والإمام مبلغ عن النبي .. مع الأخذ في الاعتبار عدة نقاط جوهرية في هذا الجانب لإيضاح المرجعية الدينية:-

1-ما يتضمنه القرآن الكريم من أحكام ، ليس سوى أحكام مختصرة جداً ، مضافاً إلى كونها كليّات.

2-ما ورد من خلال السنة النبوية من أحكام ، فإنها مختصرة مجملة أيضاً ، ومحدوده ومستجدة حسب الحاجة ، وليس قبل أوانها.

3-إن الإسلام دين يبسط حاكميتّه على جميع شؤون البشر ، فبملاحظة الفترة التي عاشها (ص) ، فالوقت لم يكن كافياً لبيان جميع ما وصله من رسالة الإسلام.

4-ضياع الكثير من أحاديث رسول الله (ص) ، وذلك بسبب منع تدوين الحديث ، وهو أمر ثابت تاريخياً.

وبملاحظة هذه النقاط ، يظهر بوضوح الحاجة الضرورية إلى الإمامة بعد النبوة الخاتمة ، أي الحاجة إلى المرجعية الدينية (وهي جزء من مفهوم الإمامة) لإيضاح أحكام الله في المسائل المستجدة في الحياة ومواكبة تطور مسيرة البشرية .. ومن هذا الباب والمدخل ترى الشيعة الإمامية أن البحث والحديث حول الإمام المهدي (عج) يجب أن يكون ، من هذا المنطلق وبهذا المفهوم ، باعتباره الشخص الذي يجمع المسلمون على حتمية ظهوره في آخر الزمان وهو القائد الرباني للبشرية حالياً ، وإن أمر وجوده ثابت بكل الأدلة العقلية المنطقية والنقلية الصحيحة ، ولهذا تعتقد الإمامية وتؤكد بأن وجود الإمام في كل عصر وزمان ضروري لبيان أحكام الدين وحقائقه ، وإرشاد الناس وهدايتهم ، وهذا أصل العقيدة المهدوية وحقيقتها عند الشيعة الإثنا عشرية .. أفكار تثار وأسئلة ينبغي أن تطرح: ماذا كان سيجري لو أن المسلمين اتبعوا أئمة أهل البيت (ع) وطبقوا تعاليمهم وعقائدهم؟(14) أي وجه كان سيبدو به الإسلام أمام العالم؟.

الهوامش:

(1) الإمامة هي الأصل الثالث عند الشيعة الإمامية .. ومن أعتقد بالإمامة فهو عند الشيعة الإمامية : مؤمن بالمعنى الاخص ، وإذا اقتصر على الاركان الأربعة ولم يؤمن بالإمامة ، فهو مسلم ومؤمن بالمعنى الاعم .. ولكن لو أنكر الرجل واحداً من (التوحيد – النبوة – المعاد) فليس بمسلم ولا مؤمن ، وإذا دان بتوحيد الله ، ونبوة محمد ، واعتقد بيوم الجزاء ، فهو مسلم حقاً ، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم: دمه وماله وعرضه حرام .. المصدر: أصل الشيعة وأصولها للشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء ص 133 و 134.

(2)قال تعالى { لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين } تفسير الفخر الرازي-الجزءالرابع-ص46 .. المسألة الخامسة : قال الجمهور من الفقهاء والمتكلمين : الفاسق حال فسقه لا يجوز عقد الإمامة له ، واختلفوا في أن الفسق الطارىء هل يبطل الإمامة أم لا؟ واحتج الجمهور على أن الفاسق لا يصلح أن تعقد له الإمامة بهذه الآية ، ووجه الاستدلال بها من وجهين . الأول : ما بينا أن قوله : { لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين } جواب لقوله : { وَمِن ذُرّيَتِى } وقوله : {وَمِن ذُرّيَتِى} طلب للإمامة التي ذكرها الله تعالى ، فوجب أن يكون المراد بهذا العهد هو الإمامة ، ليكون الجواب مطابقاً للسؤال ، فتصير الآية كأنه تعالى قال : لا ينال الإمامة الظالمين ، وكل عاص فإنه ظالم لنفسه ، فكانت الآية دالة على ما قلناه ، فإن قيل : ظاهر الآية يقتضي انتفاء كونهم ظالمين ظاهراً وباطناً ولا يصح ذلك في الأئمة والقضاة ، قلنا : أما الشيعة فيستدلون بهذه الآية على صحة قولهم في وجوب العصمة ظاهراً وباطناً ، وأما نحن فنقول : مقتضى الآية ذلك.

(3) شرح دليل اللطف بشكل اكثر سهولة ووضوح: إن أي بلد يقوم بتصنيع آلة كبيرة ومعقدة ، لابد له عندما يقوم ببيعها أو تصديرها من إرسال خبير متخصص يشرح ويعلم كيفية عمل الآلة والاشراف على صيانتها ، أما الاشياء البسيطة والصغيرة لسنا بحاجة إلى خبير بها .. وعليه فالدين الإسلامي لابد من وجود شخص خبير باحكامة وتعاليمه ، ولا يمكن أن يقع في الخطأ (العصمة) ، يتحمل مهمة بيان هذا الدين وتوضيحه للناس ، وهذا الشخص هو الإمام (في كل عصر وزمان) حسب اعتقاد مدرسة أهل البيت (ع).

 (4)"حكم العقل بوجوب اللطف على الله تعالى، وهو فعل ما يقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية، ويوجب إزاحة العلة وقطع المعذرة بدون أن يصل إلى حد الإجبار لئلا يكون لله على الناس حجة وتكون له الحجة البالغة، فالعقل حاكم بوجوب إرسال الرسل وبعثة الأنبياء ليبينوا للناس ما أراد الله منهم من التكاليف المقربة من الخير والمبعدة عن الشر ويحكموا بينهم بالعدل، وأن يكونوا معصومين من الذنوب منزهين عن القبائح والعيوب لتقبل أقوالهم ويؤمن منهم الكذب والتحريف، وكما يجب إرسال الرسل من قبل الله تعالى يجب نصب أوصياء لهم يقومون مقامهم في حفظ الشريعة وتأديتها إلى الناس ونفي التحريف والتبديل عنها، والحكم بين الناس بالعدل وإنصاف المظلوم من الظالم، ويجب عصمتهم عما عصم منه الأنبياء" - المصدر كتاب: ترجمة الإمام المهدي في أعيان الشيعة للسيد محسن الامين ص 50.

(5) سورة البقرة : آية 30.

(6) سورة البقرة : آية 124.

(7)سورة المائدة : آية 55.

(8) سورة النساء : آية 59.

(9)غاية المرام،ج10/267، و إثبات الهداة ، ج3/123، و ينابيع المودة/494..

(10) من مقامات الامام أيضاً: شهادة الاعمال (أمة وسطاً) ، والهدايه (يهدون بامرنا) ، وواسطة الفيض (في ليلة القدر) ، والخلافة (جاعل في الارض خليفة).

(11)العصمة : ملكة نفسانية راسخة في النفس ، تعصم الإنسان عن ارتكاب الذنب بصورة مطلقة فلا يرتكب المعاصي مطلقاً ، بل لا يفكر فيها أبداً ولا يحوم حولها .. بمعنى آخر : الدرجة القصوى من التقوى.

(12)عالم الاجتماع والتاريخ ابن خلدون استطاع أن يبين حقيقة النظريتين الشيعية والسنية في خصوص الإمامة ، أنظر مقدمة بن خلدون ج1 فصل 27 ص373 ، وبعبارة مختصرة عرف الإمامة عند أتباع مدرسة الخلفاء بقوله : (الإمامة : من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة ويتعيّن القائم لها بتعيينهم) ثم قال: الإمامة لدى الشيعة: هي ركن الدين وقاعدة الإسلام ، ولايجوز لنبي إغفاله ولا تفويضه إلى الأمة ، بل يجب عليه تعيين الإمام لهم ويكون معصوماً من الكبائر والصغائر).

وبعبارة مختصرة نوضح: أن الإمامة عند الشيعة :هي استمرار للقيام بوظائف الرسالة وهي منصب إلهي ، وأن الإمام يتولّى جميع وظائف الرسول ، وعند السنة: حصرت الإمامة في مجال السلطة والسياسة فقط وتفوض للأمة.

(13) سورة المائدة : آية 3.

(14) النتيجة هي الابتعاد عن الضلالة .. ائْتُونِي اَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدِي = لا ضلال اي هداية .. التمسك بالكتاب و العتره = الهداية.

المصدر: كتاب رؤى مهدوية

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 23 إبريل 2018 - 07:19 بتوقيت مكة
المزيد