الولاية الخائفة وسبيل الخروج منها

الإثنين 5 فبراير 2018 - 20:51 بتوقيت مكة
الولاية الخائفة وسبيل الخروج منها

الولاة والقادة العظام يتميّزون بشجاعة عالية تجعلهم يستسهلون الموت في سبيل المبادئ الكبرى التي يعملون لها. فلا يمكن أن يخافوا من القتل أو يجبنوا عن التّضحية بأنفسهم...

السيد عباس نورالدين

الولاة والقادة العظام يتميّزون بشجاعة عالية تجعلهم يستسهلون الموت في سبيل المبادئ الكبرى التي يعملون لها. فلا يمكن أن يخافوا من القتل أو يجبنوا عن التّضحية بأنفسهم. لكنّهم مع ذلك قد يعيشون نوعًا من الخوف؛ وهو الخوف على المسيرة التي يقودونها وعلى الناس الذين يتبعونهم.
وحين نذكر نبيّ الله موسى عليه السلام نتذكّره كقائدٍ إلهيّ شجاع مِقدام شديد البأس، فقد جاء فرعون مع أخيه هارون وواجهه، رغم سطوة فرعون وتجبّره واستكباره. وكان موسى عليه السلام يعلم أنّ فرعون يمكن أن يأمر بقتله في أي لحظة يشعر فيها بأدنى انزعاج منه. لكنّ موسى مضى وتقدّم غير مضطرب ولا خائف.

هذا، وقد حكى الله تعالى أنّ موسى قد خاف حين ألقى السحرة عصيّهم وحبالهم؛ أي أنّه شعر بالخوف في هذه المواجهة المصيريّة. فلماذا حصل مثل ذلك؟
هنا يذكر أمير المؤمنين هذا النّوع من خوف القائد على الأتباع وعلى المسيرة، حيث يقول عليه السلام: "لَمْ يُوجِسْ مُوسَى خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ، أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ الجُهَّالِ وَدُوَلِ الضَّلالِ!".
إنّ من أسباب خوف القائد هذا يرجع إلى طبيعة تشكّل جبهته. حيث تكون عناصرها الأساسية قد حالفته على أسسٍ دنيويّة. وحين تتعرّض هذه الأمور الدنيويّة إلى خطر، فهذا يعني أنّ المسؤولين المحيطين به يمكن أن ينفضّوا من حوله ويتركوه، فتتفكّك جبهته وتنهار!

وهكذا تكون هذه القيادة قيادة خائفة طيلة الوقت، تتطلّع من جهة إلى الأعداء، وتنظر من جهة إلى الأصدقاء، فتحسب لهم من الحسابات ما لا تحسبه للأعداء. وفي كلّ موقف أو استحقاق تخاف من الأصدقاء أكثر ممّا تخاف من الأعداء. فهي قيادة خائفة.
حين يشكّل القائد جبهته على أساس المطامع الدنيوية (من مناصب ومغانم واعتبارات و..)، من المتوقع أن يبقى خائفًا ما دامت جبهته متشكّلة من هؤلاء. وسوف يبني مواقفه وهو يأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن تكون عليه مواقف أصحابه من نكول أو أطماع أو زعل أو اعتبارات. فهل سيعترض بعضهم على هذا الموقف لأنّه لم يراعِ فيه موقعيّته وشأنيّته. وهل سيشكل هذا الفريق أو تلك الجبهة من دون أن يضع فيها من جماعته ومعارفه!؟

ولكي يخرج هذا القائد من خوفه، يحتاج إلى انتزاع عنصر القوّة الأوّل الذي يستخدمه أصحابه بوجهه، وهو امتدادهم الشعبيّ أو تأثيرهم ونفوذهم في الشرائح المختلفة لجبهته. ونستحضر هنا درسًا مهمًّا من تاريخ صدر الإسلام. فقد كان ابن أبي سلول (المعروف اليوم بزعيم المنافقين) ضمن الشخصيّات التي كان نبيّ الإسلام الأعظم يحسب لها الحسابات حين هاجر إلى المدينة، وإنّما كان يفعل ذلك لخفاء نفاقه على المسلمين من جهة، ولنفوذه بين أهل المدينة من جهة أخرى. إلّا أنّ الإجراءات والتدابير التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وآله على مدى السنوات أوصلت الناس في المدينة إلى حدّ التجرّؤ على ابن سلول وإهانته وإسقاطه. فما هي طبيعة هذه الإجراءات النبويّة؟
إنّها بكل بساطة عبارة عن تغيير الحالة الذهنيّة والثّقافيّة للنّاس من خلال توعيتهم وتعميق حضور القيم الإيمانيّة في نفوسهم. وحين يحصل ذلك يستطيع هؤلاء أن يميّزوا بسهولة بين المؤمن الحقيقيّ والمسؤول المنافق أو الدنيويّ.
فإذا استطاع القائد الخائف أن يرسّخ القيم الإسلاميّة المعنويّة في أوساط القواعد الشعبية والعناصر التابعة، فلن يجد الأصحاب والحواشي المستغلّون ما يمكن أن يستعملوه للضغط عليه. ولهذا، قصّة تفصيلية ترتبط بكلّ زمان ومكان.

المصدر: مركز باء للدراسات

 

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 5 فبراير 2018 - 20:51 بتوقيت مكة