الدكتور أحمد راسم النفيس
شكل القرار الذي اتخذه ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ضربة لكل العرب والمسلمين، إلا أن الضربة بالأساس كانت لأولئك الذين تعلقوا وما زالوا بوهم الحل السلمي القائم على ما يسمى بالقانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة.
أما الذين يؤمنون بخيار المقاومة يرون الركض وراء التزام إسرائيل ومن ورائها الغرب الاستعماري - الذي دعم تأسيس هذا الكيان بالغش والخداع- بالقانون الدولي الذي يمنع اغتصاب أرض الغير بالقوة، خداعا للذات وتضييعا للوقت والجهد فيما لا طائل منه.
الذين تعلقوا بحبال الوهم المسمى بالقانون الدولي قبلوا بمنطق (نصف العمى ولا العمى كله) باعتبار أن هذا القانون لن يعيد لهم فلسطين ولن يعيد الفلسطينيين لأرضهم المغتصبة بل سيستر بعض عورتهم وليس كلها ويمنحهم شيئا اسمه دولة فلسطينية عاصمتها "ما تبقى من القدس" أو يحفظ ما تبقى من ماء وجههم المراق عبر السنين!!.
الجريمة الكبرى تمثلت في اغتصاب فلسطين وطرد شعبها من أرضه وما تلا ذلك من تأسيس كيان عدواني يسعى للتوسع وفرض إرادته على مجمل شعوب المنطقة كما رأينا في حروبه المتكررة على مصر وسوريا ولبنان.
مما يؤسف له، أن الصهاينة نجحوا في استدراج حكومات المنطقة ومن ضمنها مصر لفخ السلام والأسوأ من هذا خداع المقاومة الفلسطينية وإقناعها بالتخلي عن الكفاح المسلح وصولا لتوقيع اتفاقات أوسلو حيث اعترفت منظمة التحرير بالكيان الغاصب للقدس وقبلت بذُلِ الحكم الذاتي وتخلت عن فلسطين ما قبل احتلال 1967.
منظمة التحرير الفلسطينية التي اعتمدت الكفاح المسلح من أجل تحرير كامل فلسطين منذ ستينات القرن الماضي ألقت الآن السلاح وقبلت بحكم ذاتي في رام الله خاضع للإملاءات الإسرائيلية الأمريكية، يتسول المعونات من الاتحاد الأوروبي، يتعاون أمنيا مع الكيان الغاصب للقدس، يلاحق المقاومين ويقوم بتسليمهم للصهاينة أي أن ما يسمى بالخيار السلمي التفاوضي أصبح مجرد شراكة في الاحتلال مقابل كيان وهمي يسمونه (سلطة فلسطينية)!!.
خيار المقاومة؟!
مارس عرب كامب ديفيد طيلة العقود الماضية سياسة تسخيف المقاومة والسخرية منها واعتبارها مقاومة عبثية مقابل التهويل بقوة الصهاينة وقدرتهم على سحق كل من يرفع السلاح في مواجهتهم وكأن (إسرائيل) تشكل استثناء من كل المعايير التي تسري على غيرها.
لو كان الكيان الصهيوني قادرا على البقاء والازدهار دون تعاون مع جيرانه والمحيطين به لما حاول استثمار رغبة هؤلاء الجيران فضلا عن أصحاب الأرض في حلول توصف بالسلمية.
عرب كامب ديفيد يصرون على تسخيف المقاومة والمقاومين وهذا سر عدائهم لإيران وحزب الله والادعاء عليهم بوجود نوايا خبيثة تقف وراء هذا الدعم، تتمثل في بسط النفوذ الشيعي لدرجة أنهم الآن يعلنون عن رفضهم نقل السفارة الأمريكية للقدس بينما هم يتهكمون على إيران وفيلق القدس الذي لم يحرك ساكنا –حسب زعمهم- للرد على هذا القرار!!.
عرب كامب ديفيد أشعلوا حربا ضد سوريا بالتعاون مع إسرائيل وأمدوا داعش والنصرة بالمال والسلاح عقابا لها على موقفها المساند للمقاومة اللبنانية والفلسطينية ورفضها توقيع اتفاق سلام مع الكيان الصهيوني، ولم يساندوا أي مقاومة للعدوان رغم أن هذه المقاومة ليس لديها مشروع سوى استعادة بعض حقوق الشعب الفلسطيني وليس حتى كلها!!.
بعض المسئولين العرب حينما تنتابهم (نوبات التعقل) يقولون أن سبب أزمتهم مع إيران هو محاولتها إفشال خطط الحل السلمي التي يقودونها والتي ستحقق كذا وكذا وغيرها من الفوائد، بينما يقول صبيان الدعاية الآن أن إيران تتاجر بالقضية الفلسطينية وأنها غير جادة في دعاواها وغير ذلك من الترهات!!.
يبقى السؤال: لماذا لا تساندون المقاومة الفلسطينية وتمدونها بما تحتاجه من مال وسلاح كما فعلتم مع داعش والنصرة، وبذلك تكونون قد حجمتم الدور الإيراني ومنعتموها من المتاجرة بالقضية كما تزعمون، ألستم أصحاب القضية والأولى بها؟!.
الجواب واضح ومعروف وهو أن النظام العربي الرسمي يدور في الفلك الصهيوأمريكي ولا يملك القدرة على اتخاذ أي قرار لا يرضي هؤلاء في انتظار جودو أو الصفقة الكبرى التي لن تعود علينا ولا عليهم بأي خير اللهم إلا المزيد من الكوارث والنكبات!!.
لا أحد يعول عليكم ولا أحد ينتظر نصركم لفلسطين ولا غيرها وأنتم كما وصف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:
"الْمَغْرُورُ وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَاللَّهِ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ أَصْبَحْتُ وَاللَّهِ لَا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ وَلَا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ وَلَا أُوعِدُ الْعَدُوَّ بِكُمْ."
المصدر:موقع الكاتب