ثقافة الفتنة ... كيف نتجنبها ؟

الإثنين 20 نوفمبر 2017 - 10:43 بتوقيت مكة
ثقافة الفتنة ... كيف نتجنبها ؟

يتم التداول في مناخ التكفير الحالي في مقولات عديدة، تقدم على أنها من أسباب التطرف أو التأزم الحاصل في العلاقات الاسلامية الاسلامية، حيث يجري البحث في الكثير من القضايا ذات الصلة بها.

الدكتور الشيخ محمد شقير

يتم التداول في مناخ التكفير الحالي في مقولات عديدة، تقدم على أنها من أسباب التطرف أو التأزم الحاصل في العلاقات الاسلامية الاسلامية، حيث يجري البحث في الكثير من القضايا ذات الصلة بها.

وبما أن أكثر من مقاربة لبعض تلك المقولات قد توصل إلى غير المراد منها، فينبعي الوقوف عندها ومحاولة تشريحها، بما يمكن أن يؤدي إلى تغيير طريقة تلك المقاربة، وبالتالي تجنب مجمل النتائج التي قد تترتب عليها.

واحدة من تلك المقولات، مقولة سب الصحابة وشتمهم، والتي عادة ما تنسب إلى المسلمين الشيعة، ليتم تحميلهم أكثر من مسؤولية فيما يرتبط بمناخ التطرف والتكفير الحاصل ومترتباته، بل ليذهب أتباع المنهج التكفيري إلى أبعد من ذلك، عندما يعمدون إلى إستثمار تلك المقولة كرافد لتبرير مجمل ما يقومون به من أعمال إجرامية وقتل وسوى ذلك.

وحتى لا تتحول هذه المقولة، إلى مسلمة يبني عليها أتباع ذلك المنهج مواقفهم، ويتخذونها ذريعة إلى أفعالهم، نجد من المجدي مناقشة هذه المقولة فيما يلي من نقاط:

  1. يوجد تحريم فقهي ديني صدر من كبار مراجع الدين للمسلمين الشيعة، يمنع أية إساءة لأي من المقدسات أو الرموز الدينية للمسلمين السنة، بما فيهم شتم الصحابة، هذا فضلاً عن تحريم أي عمل يؤدي إلى الإضرار بقيم الأخوة بين المسلمين،او يسيىء إلى الوحدة الإسلامية، ويساعد على إيقاع الفتنة في صفوفهم، وتخريب العلاقات فيما بينهم.
  2. يجب التفريق بين أمرين، الأول وهو الشتم والسب، والثاني وهو التخطئة والنقد لمجمل ما حصل في التاريخ الاسلامي، الأول بما هو لغة وضيعة وتعبير يتجاوز القيم الأخلاقية، والثاني بما ينبغي أن يتحلى به من موضوعية ولغة علمية؛ وحتى هذا قد يجب الإمساك عنه، عندما يصبح مدخلاً للفتنة، وسبباً لتسعير العصبيات المذهبية والطائفية.
  3. إن حصول بعض الإساءات من قبل بعض الأفراد او المجموعات، لا يعني وجود قبول فقهي أو مجتمعي عام بها، بل إن هذا المجتمع أو ذاك كأي مجتمع، فيه من العوام أو السفهاء الذين يرتكبون السفاهات والإساءات، وهم بذلك يخالفون الموقف الفقهي والتوجه المجتمعي الموجود لدى المسلمين الشيعة وفقهائهم.
  4.  لا يصح الحديث عن ظاهرة مجتمعية موجودة لدى المسلمين الشيعة، تمارس هذه الإساءة أو تلك، لكن للأسف عندما يستعر المناخ المذهبي، وتوفر بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، إمكانية أن يأخذ الشارع دوره في بعض عوامه أو سفهائه، بحيث قد يصور وجود هكذا ظاهرة وليس الأمر كذلك.
  5. لن يكون من الصحيح تحميل المسلمين الشيعة تلك الإساءات التي تحصل من بعض العوام أو السفهاء، كما هو الحال لدى أي من الطوائف أو المذاهب الأخرى، عندما تصدر أية إساءة من سفهائهم او عوامهم تجاه أي من مقدسات الآخرين، فعندها يجب أن تحمل لمن قام بها، وليس لطائفته أو مذهبه.
  6. ينبغي العمل على بلورة رؤية شاملة تعالج مجمل موارد الخلل في العلاقات الإسلامية الإسلامية، وتقديم العلاجات المناسبة لها، بما فيها تقديم ثقافة دينية ومجتمعية تقوم على عدم الإساءة إلى أي من مقدسات أو رموز الطوائف والمذاهب الأخرى، وعلاج كل الأسباب التي تحض على ممارسة الإساءة الدينية والمذهبية، بل ينبغي العمل على تجريم تلك الإساءات، خصوصاً عندما تصبح مدخلاً للفتنة وتسعير العصبيات المذهبية.
  7. إن من الخطأ التعامل مع هذه الإساءات، بطريقة تسمح بتقديم المبررات لأصحاب المنهج التكفيري، لارتكاب الجرائم وأعمال القتل والذبح والتفجير، وممارسة مختلف ألوان الإرهاب والتطرف، عندما يتم تحميل تلك الإساءات لطائفة بأكملها، أو يعمل على الترويج لها بطريقة غرائزية، تستنفر العصبيات المذهبية وشهوة القتل والاجرام.
  8. قد نحتاج إلى كثير من التعقل والحكمة في التعامل مع هكذا حالات، حتى لا ينجر العقلاء إلى ساحة السفهاء، وحتى لا نسمح لهذه الأفعال المسيئة بأن تستغل لتعكير صفو العلاقات الإسلامية الإسلامية، عندما يعمل على تضخيمها أو إثارتها بطريقة خاطئة، أو استغلالها في ممارسة التشويه أو الإساءات المقابلة.
  9. قد يكون من المجدي في تعزيز العلاقات الإسلامية الإسلامية، العمل على التركيز على النقاط الإيجابية والمواقف البناءة، التي تصدر من أي من أتباع المذاهب تجاه المذاهب الأخرى، لأن في ذلك تنمية لمناخ الثقة والتواصل والحوار، بل قد يسهم ذلك في حصار جميع تلك الحالات السلبية على مستوى العلاقة فيما بين المسلمين وطوائفهم.
  10. قد نحتاج إلى إعادة بناء ثقافتنا الدينية والمجتمعية، بما ينزع نحو الانشداد إلى القضايا الحضارية الكبرى والتحديات التي تواجه الأمة، وعلاج مشاكلنا وأزماتنا الحياتية والمدنية، وعدم الانجراف إلى كثير من القضايا، التي قد يحرف الانشغال فيها عن تلك القضايا والتحديات، ومعالجة الأمور التي قد تخدم واقع الناس ومتطلباتهم.

أخيراً لا من بد من القول إنا لم نرد فيما كتب تقديم مرافعة مذهبية، بمقدار ما هو محاولة لتقديم رؤية ومنهج للتعامل مع العديد من القضايا ذات الصلة  بالعلاقات البينية على مستوى الاجتماع الاسلامي المذهبي وغيره، بما يمكن أن تخدم في تجنب ثقافة الفتنة والعصبية المذهبية، وتعمل على تعزيز ثقافة الحوار والتسامح والعيش المشترك.

 

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 20 نوفمبر 2017 - 10:35 بتوقيت مكة