هكذا حدد الإمام الرضا (ع) معنى التشيّع...

السبت 18 نوفمبر 2017 - 10:31 بتوقيت مكة
هكذا حدد الإمام الرضا (ع) معنى التشيّع...

نحن عندما نلتقي بذكرى أيّ إمام من أئمتنا فلا بدّ لنا ان نعيش مع سيرته ومع كلماته ووصاياه وتعاليمه ومواعظه وإرشاداته، لأن إمامتهم (ع) تمتد في مدى حياتنا باعتبار انهم لا يتحركون في نطاق المرحلة التي عاشوا فيها، بل ينطلقون مع الحياة كلها، فالرسالة الإسلامية هي رسالة الله تعالى الى الناس جميعاً في الزمن كله وفي المدى كله.

آية الله محمد حسين فضل الله(ره)

نحن عندما نلتقي بذكرى أيّ إمام من أئمتنا فلا بدّ لنا ان نعيش مع سيرته ومع كلماته ووصاياه وتعاليمه ومواعظه وإرشاداته، لأن إمامتهم (ع) تمتد في مدى حياتنا باعتبار انهم لا يتحركون في نطاق المرحلة التي عاشوا فيها، بل ينطلقون مع الحياة كلها، فالرسالة الإسلامية هي رسالة الله تعالى الى الناس جميعاً في الزمن كله وفي المدى كله.

لقد عاش الإمام الرضا (ع) بعد أبيه الإمام موسى بن جعفر (ع)، وامتد تأثيره في الحياة الإسلامية كلها وفي الواقع الإسلامي كله، فكان الناس يردون اليه ليتعلّموا منه، وكان يواجه كل القضايا التي تتحرك في المرحلة التي عاش فيها من قضايا الصراع الفكري والتنوع الديني، فكان (ع) يجلس الى النصارى والى اليهود والصابئة والملاحدة ليناقشهم وليدخل معهم في حديث الإسلام مناقشاً أديانهم وأفكارهم، وكانوا - حسب شهادة الناس الذين عاصروه وعاصروا تلك الحوارات - لا يملكون جواباً أمامه بل يسكتون سكوت الانسان الذي لا يرى لديه أية حجة في الردّ عليه..

ولاية العهد

وكانت أهم المحطات في حياة الإمام الرضا (ع) مسألة ولاية الـعـهد التي أراد الـمأمون - الخليفة العباسي - له ان يرضى بها، وكان الإمام الرضا (ع) يعرف انها لن تتم له لأن المأمون كانت له دواعيه وظروفه التي دفعته الى ذلك، وقَبِل الإمام هذه الولاية تحت ظروف خاصة فرضت عليه القبول، وربما رأى (ع) انها قد تمنحه حرية الحركة في بثّ علوم الإسلام في خط اهل البيت (ع)في الناس من خلال هذا الـمـوقـع وهو ولاية الـعـهـد، والمـسـألة عـنـده - وعندنا - هي ان منصب الخلافة له، لأنه الإمام المفترض طاعته حتى على المأمون وغيره.. واستطاع الإمام الرضا (ع) ان ينشر علوم اهل البيت (ع) التي هي علوم رسول الله (ص) لأن حديثهم حديث رسول الله، ولأن توجيهاتهم وتعليماتهم هي توجيهات وتعليمات رسول الله، وقد انتقل (ع) الى رحاب ربه في زمن المأمون، وهناك حديث كثير في الروايات عن ان المأمون دسّ اليه السم، وهذا ما ينكره المأمون، ويتحفظ بعض المؤرخين في ذلك.

العقل صديق لا يخذل

ونحن الان نريد ان نستمع الى الامام الرضا(ع) ليحدثنا، مما يمكن له ان يبني لنا حياتنا ويوجهها في الاتجاه السليم، وقد قلنا أكثر من مرة ان معنى ان نكون اتباع اهل البيت (ع) هو ان نعمل بما علمونا إياه في سيرتهم وفي كلماتهم، ان هذا هو معنى التشيّع والارتباط بالأئمة (ع)، ليعيشوا في داخل حياتنا من خلال كلماتهم وتعاليمهم. ومن بعض كلمات الإمام الرضا (ع) التي كان يحدث بها أصحابه: "صديق كل امرئ عقله وعدوّه جهله"، ان الإمام يريد ان يؤكد لنا قيمة العقل لدى الإنسان، والعقل هو هذه القوة المفكرة التي تحسب للإنسان حسابات الأشياء بكل دقة، والتي يحصل عليها الإنسان من خلال ما يتأمله ويتعلمه وما يجربه. عندما يعيش الإنسان مع عقله فإن عليه ان يسأله عن كل خطوة يخطوها وعن كل كلمة يتكلمها وعن كل علاقة ينشئها، فان عقلك هو الصديق الذي لا يخذلك لأنه يحسب لك حساب الأرباح والخسائر، وعندما يحدثك عن الأرباح والخسائر فانه لا يحدثك عن أرباح الدنيا وخسائرها فحسب، ولكنه يحدثك بالإضافة الى ذلك عن أرباح الآخرة وخسائرها، لأن العقل يريد لك السعادة والخط المستقيم لحياتك في الدنيا والآخرة. لذلك، عقلك صديقك فلا تترك صديقك ولا تنفصل عنه ولا تتبع غريزتك والجهل الذي يفرضه الناس عليك. عندما تختلط عليك الأمور اسأل عقلك، وعندما تضيع ملامح الطريق اسأل عقلك وحاول ان تستعين على عقلك بالشورى فيما تشاور به الرجال، حتى ينضم عقلك الى عقول الآخرين، وقد ورد في الحديث: "من شاور الرجال شاركها في عقولها".

مجتمع الجهلة هالك

هناك عقل وهناك جهل، والله تعالى جعل العقل حجة علينا يوم القيامة، فان الله سبحانه يحتج علينا بعقولنا ووجداننا، {وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير} انهم كانوا لا يعقلون ولا يسمعون الكلمة العاقلة من العقلاء عندما تنفذ اليهم  ، وقد حدثنا الله تعالى عن الذين لهم قلوب لا يعقلون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها. فلننطلق بكل هدوء من اجل ان نستعمل عقولنا فنتحاور من خلال عقولنا ونخطط الخطط من خلالها، لأن مشكلتنا في واقعنا الذي نعيش فيه ان الجهلة الذين قد يملكون قوة المال او السلاح او السلطة هم الذين يفرضون علينا جهلهم ويثيرون المأساة في حياتنا من خلال جهلهم. لذلك، لينطلق اهل العقل في المجتمع من اجل ان يجعلوا العقل هو السبيل الذي يلتقي عليه الجميع، وعلينا ان ننمي عقولنا فلا نقرأ إلا ما يفيدها ولا ننظر إلا الى ما يموّن عقولنا ولا نستمع إلا الى ما يرفع مستوى عقولنا، وقد قال الله تعالى: {فبشّر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}. لا تمكّنوا الجهلة من السيطرة على المجتمع، لأن المجتمع الذي يقوده الجهلة هو مجتمع يسير الى الهلاك.

استعمال العدل مؤذن بدوام النعمة

وكان الإمام الرضا (ع) يقول: "استعمال العدل والإحسان مؤذن بدوام النعمة ولا حول ولا قوة إلا بالله"، عندما تستعمل العدل في حياتك فتكون عادلاً مع نفسك فلا تظلمها بالكفر والفسق والضلال، وتكون عادلاً مع اهلك فلا تظلمهم بسلطتك، وتكون عادلاً مع ربك فلا تشرك به شيئاً، وتكون عادلاً مع الناس فتعطي لكل ذي حق حقه، ان تعيش العدل في كل حياتك بحيث تنظر ان لك حقاً وللناس حقاً، وانك اذا اردت للناس ان يعطوك ما لك من حق فعليك ان تعطي الناس ما لهم عليك من حق، هذا هو العدل، ان تكون متوازناً في نظرتك الى نفسك والى الناس. ثم، استعمال الإحسان، كن الإنسان الإنسان الذي يعيش مع الناس في الحياة ويحاول ان يُحسن اليهم، كما قال الله تعالى: {وأحسن كما أحسن الله اليك}، فاذا كنت تحب ان يُحسن الناس اليك، ان يبروك، ان يتعاملوا معك برفق ومحبة، فحاول ان تُحسن للناس لأن الإحسان أمر الله الذي يحب للناس ان يفعلوه، كما ان العدل هو امر الله الذي يحب للناس ان يفعلوه، والإمام (ع) يحدثنا انك كلما كانت العادل أكثر - في نفسك وبيتك وفي محل تجارتك وفي الناس - وإذا كنت المحسن اكثر، فان الله تعالى سيديم نعمته عليك لأنه سبحانه سوف يشكر لك ذلك، ومعنى شكر الله انه تعالى يزيد في نعمتك ويديم هذه النعمة.

الحسّاد صغار العقول وضعاف الإيمان

وينقل الإمام الرضا (ع) في بعض كلماته عن رسول الله (ص) حديثه فيما يتحرك به الناس، فيقول: "حدثني أبي عن أبائه عن عليّ (ع) قال: قال رسول الله (ص): دبّ اليكم داء الأمم قبلكم: البغضاء والحسد"، والنبي (ص) يتحدث وهو يراقب أمته التي أراد ان يبني قاعدتها على المحبة والتراحم، ولكنه (ص) رأى ان الناس من حوله يعيشون البغضاء من خلال عصبية عائلية او شخصية او ما الى ذلك من العصبيات التي تثير الحقد في النفوس. إن النبي (ص) يقول: إن هذا المرض الذي أردت ان انقذكم منه قد دبّ اليكم فأصبحتم تتباغضون وأنتم المسلمون، وتتحاقدون وأنتم المؤمنون، يحمل كل واحد منكم روح التدمير والإسقاط للآخر، فأصبحتم تحسدون بعضكم بعضاً ويتحرك الحسد من اجل ان يجعلكم تبغون على بعضكم البعض، ولو كنتم مؤمنين بالله جيداً لعرفتم ان الله تعالى اذا أعطى بعضكم نعمة فانه يمكن ان يعطيكم هذه النعمة من دون ان يزيلها عن الناس الآخرين، فلماذا تضيّق رحمة الله؟ لماذا تريد ان تحصرها في نفسك؟ قل لربك: يا ربِ، أعطني كما أعطيت فلاناً وأبقِ له نعمته لأنك الواسع في رزقك ولأن خزائنك لا تنفذ.

لذلك، الحسّاد هم اناس صغار العقول وضعاف الإيمان، لأن الإنسان الذي يتمنى زوال نعمة غيره ليحصل عليها ، عليه ان يعرف ان الله تعالى يعطيه ويعطي غيره، كما خلقه وخلق غيره، وقد جاء شخص الى رسول الله (ص) يستأذنه بالدعاء له ولنفسه، فقال: اللهم اغفر لي ومحمداً ولا تغفر لأحد غيرنا، فقال له رسول الله (ص): "يا هذا، لقد ضيّقت واسعاً"، لأن رحمة الله وسعت كل شيء.. والحسد يوحي بضعف الهمة لأن فلاناً عمل واجتهد واستطاع أن يصل، فاعمل - ايها الحاسد - فقد تصل الى ما وصل اليه او الى مستوى آخر، بالإضافة الى أن الحسد يأكل قلب الإنسان وراحته وروحه.. وقد تحدث الإمام الرضا (ع) عن هذا الموضوع في زمانه، ولكنه يتحدث عن زماننا أيضاً لأن كثيراً من مشاكلنا واختلافاتنا وبغينا على بعضنا انما ينطلق من هذه البغضاء التي تحصل بين المسلمين والمؤمنين، والحسد الذي يتحرك في قلب المجتمع المؤمن، والشيطان يضحك مقهقهاً انه استطاع ان يُبعدنا عن أخوّة الإيمان ومحبته.

التواضع ومعرفة النفس

وجاء في كلام الإمام الرضا (ع) وقد سأله شخص عن حدّ التواضع الذي هو من الصفات الطيبة الحسنة التي يريد الله تعالى للناس ان يعملوا على اساسها، فقال: "التواضع درجات، منها ان يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم"، قد يستعرض الإنسان عضلاته أمام الناس وينفخ شخصيته، لكنه عندما يجلس مع نفسه فانه يفهمها لأن الانسان مكشوف امام نفسه ويعرف نقاط ضعفه، والإمام (ع) يريد للإنسان ان يجلس مع نفسه ليدرس نقاط ضعفه وقوته.. ومشكلة الكثيرين بيننا انهم لا يدرسون انفسهم ولا يعرفونها، لذلك، أدرس نفسك فاذا وجدت نقطة ضعف فحاول ان تحوّلها الى نقطة قوة، واذا وجدت نقطة قوة فحاول ان تزيدها وتنميها، فاذا عرفنا انفسنا فاننا نعرف كيف نتعامل مع بعضنا البعض، وقد ورد في دعاء "مكارم الأخلاق" - الذي أوصي بقـراءته كل يوم لأنه يـمثل البرنامج الأخلاقي الإسلامي - عن الإمام زين العابدين (ع): "اللهم لا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها"..

كيف ينبغي للشيعي ان يكون؟

وهناك حديث عن الإمام الرضا (ع) يبيّن من خلاله كيف ينبغي للشيعي ان يكون، فيقول: "كثيراً ما كنت أسمع أبي يقول: ليس من شيعتنا من لا تتحدث المخدّرات - النساء - في خدورهن بورعه، وليس من أوليائنا وهو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم من خلق الله أورع منه"، فكم شيعي لدينا بحسب هذا الحديث؟! ومعنى ذلك ان التشيع ليس عصبية ولكنه خط ينطلق في الاسلام كله من خلال تقوى الله وطاعته والسير في خط هداه. وكان (ع) يقول: "المؤمن الذي إذا أحسن استبشر - لأنه أطاع الله - وإذا اساء استغفر، والمسلم الذي يسلم المسلمون من لسانه ويده، وليس منا مَن لم يأمن جاره بوائقه - شرّه - ودواهيه".

هذا هو خط أهل البيت (ع)، ان تكون الإنسان المؤمن الذي اذا عشت مع الناس كنت بَرَكة عليهم ورحمة لهم، وكنت الانسان الذي ينشر المحبة بدلاً من البغضاء، والأخوّة بدلاً من العداوة، وان تكون الإنسان الذي يُحسن الى المجتمع، وقد سأل شخص الإمام الرضا (ع): من أحسن الناس معاشاً؟ فقال (ع): "من حَسُن معاش غيره في معاشه"، من تتحرك معيشته لتغمر غيره فيعلّم الجاهلين أو يغني الفقراء وما الى ذلك، وسأله: من أسوأ الناس معاشاً؟ فقال (ع): "من لم يعش معاش غيره في معاشه".. فالمعيشة الهانئة هي ذلك الشعور الجميل الذي يغمر الإنسان عندما يضع رأسه على الوسادة، فيتذكر بان هناك حزيناً قد فرّحه وكئيباً رفع كآبته ومحتاجاً قضى له حاجته، ويشعر بانه استطاع ان يكون نسمة عليلة ونوراً يشرق في الناس.. المال يذهب والجاه يفنى وتبقى هذه اللمسات الإنسانية الحلوة التي تنفتح من قلب الإنسان الى الله تعالى، وهي التي يحملها الإنسان الى قبره ويوم حشره، لذلك، فلنسارع الى عمل الخير وقضاء حوائج الناس ونشر المحبة والتوفيق والصلح بينهم.

المصدر : موقع بينات

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

السبت 18 نوفمبر 2017 - 10:02 بتوقيت مكة