خاص الكوثر - بالعمق
قال رئيس مركز المصطفى للدراسات الفكرية الشيخ محمد علي ميرزائي إن الخطاب الديني لطالما كان محل جدل بين المفكرين والعلماء، خصوصًا عند تناول مدارس كالمعتزلة والأشاعرة، التي شكلت الأساس النظري لتوجهات فكرية متباينة في التاريخ الإسلامي.
وأضاف أن المعتزلة، الذين اشتهروا برفع شعار "العقل أولًا"، اعتبروا أن العقل هو المرجع الأعلى في تفسير النصوص الدينية. فبالنسبة لهم، النص لا يمكن أن يتعارض مع العقل السليم، وإن حدث، قُدم العقل على ظاهر النص، بدعوى أن الله عادل ولا يأمر بما يتناقض مع العقل والعدالة. هذا المنهج أدى إلى تأويلات عقلانية للقرآن والحديث، ومحاولة عقلنة القضايا العقائدية والأخلاقية.
وتابع الشيخ ميرزائي: في المقابل، تبنى الأشاعرة موقفًا وسطيًا، حيث حاولوا التوفيق بين النقل والعقل، لكنهم قدموا النص في حال التعارض، مع استخدام العقل كأداة خادمة للنقل وليس حاكمة عليه. هذا أدى إلى خطاب ديني أقل راديكالية من النص الحرفي، لكنه لم يفتح الأبواب بالكامل أمام التأويل العقلي، كما فعل المعتزلة.
إقرأ أيضاً:
والحديث عن هذين المنهجين لا يأتي من فراغ، بل في سياق تصاعد تيارات متطرفة، أبرزها "داعش"، التي تقدم خطابًا دينيًا متشددًا، منطلقًا من ظاهر النصوص الدينية، دون تأويل أو اعتبار للبعد العقلي أو الأخلاقي. ما يميز هذا الخطاب، رغم توحشه، أنه لا يدّعي المرجعية خارج الدين، بل يعتمد على نصوص من الصحيحين أو غيرهما، ويُقدّم تبريرات لجرائمه باسم الدين.
وأشار الى أن هذا الاستخدام "الانفعالي" للنصوص، يثير تساؤلات حول أهمية البُعد العقلي والأخلاقي في الخطاب الديني، وضرورة أن يكون للعقل "حصة الأسد" في فهم الدين وتقديمه للناس، لتجنّب اختطافه من قبل تيارات ظاهرية متطرفة.
في هذا الإطار، يشير بعض المفكرين إلى أن آيات الرحمة في القرآن الكريم– مثل "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" – تعكس الفلسفة الحقيقية للبعثة النبوية، وتستدعي قراءة دينية تقوم على الرحمة والعقل معًا، لا على العنف والإقصاء.
واختتم الشيخ ميرزائي حديثه ان الفارق الجوهري بين خطاب المعتزلة والأشاعرة، وبين الخطابات المتطرفة المعاصرة، يتمثل في موقع العقل من النص، وقدرة الخطاب الديني على الانفتاح على الإنسان بدل الانغلاق خلف الحرف.