ومضات من حياة آية الله الشهيد الشيخ نمر باقر النمر

الأحد 15 أكتوبر 2017 - 17:39 بتوقيت مكة
ومضات من حياة آية الله الشهيد الشيخ نمر باقر النمر

مقالات - الكوثر

ميلاده ونسبه:

ولد سماحة آية الله الشيخ نمر باقر النمر عام 1379 هـ (1959م)، بمنطقة العوامية ، إحدى مدن محافظة القطيف بالمنطقة الشرقية.

ينتمي سماحته إلى عائلة رفيعة القدر في المنطقة برز فيها علماء أفذاذ أبرزهم آية الله العظمى الشيخ محمد بن ناصر آل نمر (قده)، و"حجة الإسلام الشيخ حسن بن ناصر آل نمر، والأديب الشاعر محمد حسن آل نمر (رائد القصة القصيرة بالقطيف ورئيس تحرير جريدة البهلول بالعراق)، سماحة الشيخ عبد الحسين آل نمر (أحد تلاميذ الشيخ محمد بن نمر)" (2).

"بالإضافة لمجموعة من خطباء حسينيون كجده من أبيه: الحاج علي بن ناصر آل نمر المدفون إلى جانب أخيه آية الله الشيخ محمد بن نمر بمقبرة العوامية، والملا عبد الله بن حسين آل نمر وغيرهم من الشخصيات المرموقة.

أما نسبه لأمه فيعود للشخصية العوامية البارزة الحاج الوجيه سلمان محمد الفرج المعروف باسم (سلمان الشيوخ) الذي اشتهر بكرمه ووقفه للأرض الزراعية الكبيرة بالعوامية (الرامس) لعموم أهالي العوامية"(3).

 

الحالة الاجتماعية:

له من الأبناء ابن واحد وثلاث بنات، وقد وافت المنية زوجته بعد معاناة مع مرض السرطان وآية الله النمر في معتقله بالرياض عام 1433هـ.

 

دراسته ورحلته لطلب العلم الديني:

"بدأ دراسته النظامية في مسقط رأسه بمدينة العوامية إلى جانب تردده المستمر -منذ نعومة أظفاره- على المساجد والحسينيات والمجالس والهيئات الدينية، الأمر الذي نمّى فيه روح الإلتزام الديني والتمسك بنهج أهل البيت (عليهم السلام).

كان منذ صغره مولعاً بقراءة الكتب الدينية والثقافية، رغم أنَّ الكتاب كان -ولا يزال إلى يومنا هذا- في مملكة الإضطهاد والقمع والإرهاب يُعدُّ بضاعة خطيرة تُهرَّب عبر الحدود مصحوباً بالمخاطر والمغامرات.

كان الشيخ النمر، الشاب اليافع، شغوفاً بمعرفة أوضاع بلده، وكان يتساءل دائماً عن أسباب التخلف وضياع الحقوق وانتهاك الحرمات؟

وفي مرحلة الثانوية تحولت هذه التساؤلات إلى اندفاع شجاع لدى الشاب المتحمِّس نمر باقر لكي يبدأ خطوات عملية لنشر الوعي في المجتمع وتوجيه الشباب -من أمثاله- إلى العمل الديني الاجتماعي للمطالبة بالحقوق، وهكذا أنخرط في العمل الرسالي حاملاً مشعل التوعية والتربية بين مختلف فئات المجتمع".

إنتفاضة محرم 1400 هـ:

في تلك الفترة (أي أواخر الثمانينات من القرن الماضي) كانت المنطقة تشهد بعض التطورات السياسية والاجتماعية لصالح التغيير إلى الأفضل، فمن سقوط الملكية في إيران وانتصار الثورة الإسلامية، وغليان الوضع في العراق باتجاه نمو معارضة إسلامية أشد وأوسع للنظام الصدامي الفاشي، إلى تنامي الحركة الإسلامية في لبنان ومصر والسودان وفلسطين المحتلة وبعض الدول الخليجية وشمال أفريقيا والمغرب العربي، وانتشار مجاميع وفئات العمل الرسالي التغييري في مختلف بلاد المنطقة، كل ذلك ساعد على تنامي الوعي الحركي الرسالي لدى الشباب المؤمن في المنطقة الشرقية حيث تجلّى كل ذلك في انتفاضة محرم عام 1400هـ/ 1980م التي اندلعت مطالبةً بالعدالة والحرية، وكان الشاب الرسالي نمر باقر النمر أحد أبرز قيادات هذه الانتفاضة الشعبية التي طالبت –ولأول مرة– بالحقوق المهضومة، وبإنهاء عهد الحرمان والاضطهاد والتمييز.

وبعنف دموي طائش قمعت السلطات السعودية الانتفاضة الشعبية، وواجهت الاحتجاجات السلمية بالرصاص الحي مما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى، وقد أصيب الشاب القيادي نمر باقر النمر برصاصة في رجله في المواجهة بين القبضة والرصاص.

وعلى أثر ذلك قرر الشاب الرسالي نمر باقر أن يتجه لبناء ذاته وإعداد نفسه لمواجهة الظلم والطغيان بكفاءات عالية، فكان قراره بالهجرة لطلب العلوم الدينية، فإتجه إلى حوزة الإمام القائم (عجل الله فرجه الشريف) العلمية في طهران التي أسسها وأشرف عليها سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي دام ظله، وذلك في عام 1400 هـ / 1980 م.

* رحلة العلم والعمل في طهران:

وصل إلى حوزة الإمام القائم (عجل الله فرجه) متألماً من جروح الرصاصة في رجله، ولكن الأثقل من ذلك كانت جراح شعبه وأمته التي كانت تثقل كاهله وتدعوه إلى الجد والاجتهاد في إعداد نفسه لتحمُّل المسؤوليات الرسالية التي كان قد بدأ يشعر بثقلها منذ دراسته في المرحلة المتوسطة.

وخلال عشر سنوات من المثابرة وبذل الجهد المتواصل أستطاع وبجدارة أن يطوي كل مراحل الدراسة الحوزوية المركّزة وبتفوق، ودخل المرحلة الأخيرة وهي دراسة الفقه الاستدلالي (بحث الخارج) التي تقود الطالب المثابر إلى مرحلة الاجتهاد.

تميزت هذه المرحلة من حياة شيخ الشهداء الفقيه آية الله الشيخ نمر باقر النمر بالتالي:

1- الجديّة في الدراسة، حيث لم يكن يترك أيّة لحظة من أوقاته تذهب هدراً، وكان يقتصر على أقل قدر من الاستراحة والنوم لكي يقضي سائر أوقاته في طلب العلم وتزكية النفس.

2 - اهتمامه بالدراسة وتفرّغه لها لم يبعداه عن ساحة العمل والجهاد في سبيل تحقيق الأهداف الرسالية التي ساقته إلى الهجرة والانتماء لحوزة الإمام القائم؛ فقد كان مثالاً يحتذى في الجمع بين العلم والعمل، وبين الدراسة والجهاد.

3- إلى جانب اجتهاده في دراسة العلوم الحوزوية التقليدية، كان مثابراً ومجتهداً أيضاً في دراسة وتلقي الأفكار والثقافة الرسالية وتنمية هذا الجانب في إطار التدبر في القرآن ودراسة السنة الشريفة وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) والسيرة المطهَّرة.

4- وبسبب تمتع سماحة الفقيه الشهيد بكفاءات ومؤهلات كثيرة، فإنه سرعان ما تأهل -وبجدارة- للمشاركة في إدارة حوزة الإمام القائم، حيث كان إلى جانب الدراسة، والتدريس، والتربية الرسالية، يقوم بمهام إدارية وبنجاح في الحوزة المباركة سواء في مقرها الرئيسي في طهران، أو في فرعها في منطقة السيدة زينب عليها السلام في دمشق فيما بعد.

5- كان الفقيه الشهيد ومنذ أيامه الأولى في الحوزة والعمل الرسالي، رسالياً حقاً، أي لم يكن يرسم لمسؤولياته حدوداً جغرافية كالموجودة على الخرائط السياسية المتداولة.

فقد كان مهتماً بقضايا كل المسلمين في كل مكان بنفس درجة اهتمامه بقضية شعبه ومجتمعه؛ كان ينطلق من قاعدة إيمانية رصينة تقول: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»(4)، و «من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم»(5).

 

لذلك لم يكن يمتنع عن تحمُّل المسؤوليات الرسالية والجهادية فيما يرتبط بقضايا الأمة الإسلامية، سواء في العراق أو إيران أو أفغانستان أو دول الخليج الفارسي أو بلاد الشام أو شمال المغرب العربي أو أفريقيا؛ لم يكن يفرق عنده أن يخدم الإسلام والمسلمين هنا أو هناك، كان اهتمامه الأول البحث عن رضا الله تعالى، وذلك بالعمل الإيجابي البنّاء، من غير فرق أن يكون ذلك العمل في بلده الجزيرة العربية، أو في أفريقيا، أو في سائر بلاد الشرق الأوسط، أو غيرها.

رحلة العلم والعمل في سوريا:

بعد عشر سنوات من البناء الذاتي في المجالين العلمي والرسالي قضاها في حوزة الإمام القائم (عليه السلام) في طهران، أنتقل إلى حوزة الإمام القائم في السيدة زينب عليها السلام في ضواحي دمشق، وهناك واصل مشواره العلمي في مرحلة دراسة الفقه الاستدلالي (بحث الخارج) إلى جانب التدريس والإدارة في الحوزة، حتى نال درجة الاجتهاد وأصبح فقيهاً رسالياً قرآنياً مؤهَّلاً للتصدي لقيادة المجتمع في مسيرة التغيير.

 

فلم يكن الشيخ الشهيد متفوقاً في دراسته العلمية فقط، بل وفي تربيته الرسالية، وتتلمذه على القرآن الكريم، والسنة الشريفة، وسيرة رسول الله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام"(6).

أبرز دروسه: خلال سنوات الدراسة العلمية أتمّ سماحته فيها دراسة الأصول والفقه، وفي علم الأصول: أصول المظفر، ورسائل الشيخ الأنصاري والكفاية للآخوند الخراساني، وأتمّ في الفقه: اللمعة الدمشقية للشهيد الأول، وجامع المدارك للخوانساري، والمكاسب للشيخ الأنصاري، ومستمسك العروة الوثقى للسيد الحكيم، وغيرها من الكتب الفقهية.

 

وقد حضر دروس وأبحاث أبرز أساتذة حوزة الإمام القائم (عجل الله فرجه الشريف) وغيرها.

وقد بلغ سماحته مرتبة (الاجتهاد)، وإضافة إلى مرتبته العلمية المرموقة فإنه لم ينقطع عن ممارسة مسؤولياته التربوية والتثقيفية والاجتماعية، مازجاً بذلك بين طلب العلوم الدينية والتدريس والعمل الرسالي.

 

"ويعد سماحته من خيرة المدرسين، حيث قام سماحته بتدريس المقدمات للعديد من الطلبة في الحلقة العلمية، ومن ثم بدأ بتدريس السطوح، والمكاسب، والرسائل، والكفاية، كما قام بتدريس كتاب اللمعة الدمشقية مرات عديدة في الحوزة العلمية في إيران وسوريا"(7)، كما ودَّرَسَ كتاب جامع المدارك، ومستمسك العروة الوثقى، والحلقات للسيد محمد باقر الصدر، وغيرها من الدروس الحوزوية.

تخرجت على يديه ثلة من العلماء الأفاضل الذين مارسوا ويمارسون الأدوار الدينية والاجتماعية والقيادية في مجتمعاتهم.

 

وتولى سماحته إدارة حوزة الإمام القائم (عجل الله فرجه الشريف) بطهران وسوريا لعدة سنوات، وكان من أعمدتها وإدارييها المتميزين، وساهم مع زملائه العلماء في تطويرها وتقدمها.

 

العودة إلى الوطن للتصدي لقيادة المجتمع:

"عندما وصل إلى الهدف المنشود من المستوى العلمي الحوزوي ومن التسلّح بالفكر الرسالي الأصيل والتجارب الجهادية الغنية وأصبح مؤهَّلاً لقيادة الساحة، لم يجد مبرراً للبقاء أكثر من ذلك بعيداً عن تحمل المسؤوليات مباشرة؛ فقرر في عام 1416 هـ العودة إلى مسقط رأسه والتصدي لقيادة المجتمع وتحمُّل المسؤوليات التي كان يشعر بثقلها منذ نعومة أظفاره.

 

عاد فقيهاً رسالياً، وعاد معه تصاعد الوعي والنشاط والحركة إلى العوامية، ومنها إلى كل أرجاء المنطقة الشرقية في الجزيرة العربية.

 

عاد إلى بلده يحمل مشعل الهداية والتوعية والإحساس بالمسؤولية، ومنذ عودته إلى يوم اعتقاله الأخير كان الفقيه الشهيد كتلة من الحيوية والنشاط والعمل والبناء"(8).

 

من سماته:

يتمتع سماحته بخلق رفيع وقوة في تمسكه بمبادئ وقيم الدين الحنيف، والتي تبلورت عملياً في مسيرته الفكرية والجهادية.

 

كما ويتمتع سماحته بنظرة ثاقبة في المستجدات الواقعة، وبرؤية تحليلية دقيقة وموضوعية لمجريات الواقع الاجتماعي والسياسي، والتي كان يستلهمها من بصائر الذكر الحكيم، وهدى السنة المطهرة، وبما لديه من ثقافة غزيرة ومتنوعة.

 

نفاذ البصيرة والقدرة على التحليل واستشراف المستقبل الذي تميز بها سماحته تعتمد على ركيزتين:

 

الأولى: الوحي: (القرآن والسنة المطهرة).

الثانية: العقل.

 

فجمع من خلالهما بين (فقه القيم) و(فقه الواقع) مما أكسبت تحليلاته لمجريات الأمور الدقة والموضوعية والواقعية، ومكنه من قراءة متقدمة للواقع، ومنحه براعة في الكشف عما وراء الأحداث، وهذا يعود لما يمتلكه سماحته من مقومات عقلية وعلمية.

 

ملامح من النشاط الحقوقي والسياسي للشهيد النمر:

 

"إلى جانب الدور الديني التقليدي المتمثل في الوعظ والتربية، أهتم الشهيد النمر اهتماماً مكثفاً ومتصاعداً بالمطالبة بالحقوق السياسية، والمطالبة باحترام حقوق الإنسان، وذلك بجرأة لم تألفها الحكومة السعودية.

 

طالب الشهيد النمر بما يلي:

 

1- الإفراج عن المعتقلين تعسفياً: يشكل ملف معتقلي الرأي في السعودية أبرز الملفات السياسية التي تؤرق المواطنين، حيث يقبع عدد كبير 43 من المعتقلين وراء السجون لسنوات، يتوزعون على مختلف المناطق والانتماءات الدينية والفكرية.

 

2- العدالة لكافة المواطنين: طالب بالعدالة للجميع.

 

3- تثقيف و توعية السياسيين

 

4- ترسيخ أهمية سلمية التغيير والاحتجاج: ففي أكثر من مناسبة تحدث النمر عن أن الكلمة هي سلاح التغيير السياسي الحقيقي، مستبعداً بل ومحرماً استخدام السلاح في أكثر من مناسبة.

 

5- انتقاد النظام السياسي ودعوته للإصلاح

 

 

6- الالتزام بالمبدئية السياسية: كان يرى أن الجميع يتساوى في الحقوق، بغض النظر عن الدين أو المذهب حيث يرى أن العدالة هي المقياس الذي من خلاله يقيم النظام السياسي"(1).

 

الاعتقالات وبعض المضايقات التي مر بها:

مر على آية الله الشهيد العديد من المضايقات من قبل رجال الأمن بالدولة لمدد متفاوتة، تناوب فيها رجال الأمن على مراقبة سكن الشيخ على مدار الساعة، والتعرض له عن طريق الاستدعاء المتكرر والاعتقال لفترات قصيرة وبدون إذن مكتوب، ولكن الفقيه الشهيد لم يتجاوب معها، وكانت السلطة تضطر في كل مرة إلى إطلاق سراحه -بعد الاعتقالات الغاشمة- تحت الضغط الجماهيري والمظاهرات الشعبية؛ ومن تلك المضايقات:

 

1. في عام 1424 هـ (2003م): اعتقل سماحته بعد إقامة صلاة الجمعة في (ساحة كربلاء)، واستمرارها لعدة أسابيع، وقد طلبوا منه -بالإضافة إلى ترك إقامة صلاة الجمعة والبرامج المختلفة- إزالة البناء الذي تقام فيه الصلاة في ساحة كربلاء ليطلق سراحه.

 

2. في عام 1425 هـ (2004م): اُستدعي سماحته من قبل السلطات من أجل إلغاء مهرجان: (البقيع.. حدث مغيب) وقد طوقوا منزله بسيارات رجال المباحث بمرافقة رجال الأمن، وقد رفض مصاحبتهم مفضلاً أن يأتي بسيارته، وقد قاموا بالضغط على سماحته لكي يلغيه.

 

3. في عام 1426 هـ (2005م): أُستدعي سماحته أيضاً من أجل إلغاء مهرجان: (البقيع الخطوة الأولى لبنائه) وقد استمر بقاء الشيخ في المعتقل من الساعة التاسعة والنصف صباحاً حتى الواحدة ظهراً، وقد أخذ منهم وعوداً بأن يعطى حقه في المطالبة بالبناء وغيرها من المطالبات.

 

4. في عام 1427 هـ (2006م): اعتقل سماحته غدراً وهو عائداً من البحرين من (مؤتمر القرآن الكريم) التي أقامته ممثلية آية الله العظمى السيد محمد تقي الحسيني المدرسي (دام ظله)، واقتيد من على جسر الملك فهد إلى المعتقل، وذلك بسبب التقارير المكذوبة، وقد أهين في المعتقل جسدياً ومعنوياً بسبب جملة من المطالبات في إطار حقوق الطائفة الشيعية منها تدريس المذهب الشيعي في المدارس، وبناء البقيع، والمحاضرات التي يلقيها، وقد استمر اعتقال الشيخ قرابة الأسبوع، وبطول الاعتقال خرجت مظاهرة في مدينة العوامية عجلت بخروج سماحته.

 

5. في عام 1429هـ (2008م): استدعي سماحته إلى محافظة القطيف ولما لم يتجاوب معهم رُحِّلَ إلى أمارة الدمام ومنها إلى المعتقل وأُجبر على أثرها على التوقيع بعدم إلقاء الخطب -وبالذات الجمعة- والدروس، فرفض الشيخ ذلك، مما أدى لسجن الشيخ سجناً انفرادياً بقرار من وزير الداخلية، أو يتوقف عن إلقاء الخطب حتى مدة مؤقتة لم يحدد مقدارها، فسجن "سجناً على الرأي السياسي" ولم يستمر الاعتقال أكثر من يوماً وليلة.

 

آية الله النمر من الاعتقال حتى حكم الإعدام: (من 08-07-2012م حتى 15-10-2014م)

في 08-07-2012م اعتقلت حكومة المملكة العربية السعودية آية الله الشيخ نمر باقر النمر للمرة السادسة، وذلك عند الساعة الرابعة عصراً، حينما كان الشهيد النمر يقود سيارته عائداً من مزرعة عائلته النمر.

ترجل الجنود، وبطريقة عنيفة تم اقتلاعه من سيارته، ومن ثم بتسديد أربع طلقات عليه من قرب، أصابته في فخذه الأيسر، فهشمت عظامه واستقرت في اللحم، مما أدى إلى فقدانه الوعي؛ ونتج عن طريقة القبض العنيفة أيضاً جروح في الرأس استدعت فيما بعد لإجراء عملية جراحية، كما شوهدت رضوض في أنحاء متفرقة من جسده؛ تم سحله من سيارته وهو مغمى عليه وإركابه إلى إحدى المصفحات حيث تم نقله إلى البرج الطبي بمدينة الدمام، ثم إلى المستشفى العسكري بالظهران؛ وبعدها خرجت بيانات وزارة الداخلية السعودية تدعي أن الشيخ النمر وآخرين قاموا بإطلاق النار على رجال الأمن، وهو الأمر الذي لم يحدث بتاتاً.

 

وما زال منذ اعتقاله يتنقل بين زنازين انفرادية، لا يدخلها ضوء الشمس أو الهواء الطبيعي، حيث أحتجز مكبلاً ومقيداً لمدة أسبوعين في سجن المستشفى العسكري بمدينة الظهران شرق السعودية، ثم نقل لزنزانة في سجن مستشفى قوى الأمن بالعاصمة السعودية الرياض، ثم نقل في 03-09-2014م لزنزانة انفرادية في سجن الحائر السياسي سيئ الصيت.

 

لم يتم علاجه بالسرعة والكيفية المناسبتين، إذ تعمدت الحكومة السعودية تعذيبه بتركه دون علاج لمدة أسابيع وشهور، حيث أهمل علاج جروحه، ما خلف آلاماً شديدة ومضاعفات، وبعد ذلك بدأ متأخراً علاجه بإخراج ثلاث رصاصات، بينما لم يتم إزالة الرابعة من فخذه والتي نبتت عليها الأنسجة، وقد أدت الإصابة والعلاج المتأخر والسيئ إلى إعاقة مزمنة في رجله لا تمكنه من السير بشكل طبيعي، ونقص من طول رجله اليسرى قرابة 2.50 سنتيمتراً، مع انخفاض ملحوظ في الوزن، وضمور في الخدين برزت من تحتهما عظام الوجنتين.

 

بعد مضي أكثر من 8 أشهر على اعتقاله، عقدت أولى جلسات محاكمته في 25-03-2013م واختتمت الجلسات بإصدار حكم القتل تعزيراً بتاريخ 15-10-2014م، واستمرت كل فترة محاكمته مدة 569 يوماً، توزعت على 13 جلسة

 

ما بعد حكم الإعدام:

خلف الحكم الصادر على آية الله الشيخ النمر ردود فعل دولية واسعة: شجبت الحكم، ونددت به، وطالبت بإطلاق سراحه.

 

فكانت هناك مواقف واضحة عبرت عنها المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والإعلام الدولي، كما تقدمت حكومات للحكومة السعودية بطلب إسقاط حكم الإعدام الغير قانوني، والمخالف للعدالة والقوانين والدولية.

 

قدم الشيخ النمر اعتراضاً مكتوباً على الحكم في قرابة 50 صفحة، قام محامي بتسليمه للمحكمة في 16-11-2014م، وما زال الحكم -المسيس- بالإعدام قائماً.

 

ومع استمرار 3 سنوات و 4 أشهر على اعتقال آية الله النمر ومع ما صاحبه من التعذيب والتضييق في زنازين انفرادية أو في المستشفى العسكري ومع صدور حكم الإعدام الجائر بحقه عبر المحاكمة الصورية الزائفة وما أعقبه من تنفيذ لهذا الحكم الظالم بسفك دمه الزكي مع بداية مطلع العام الميلادي في يوم السبت 2 من شهر يناير 2016 م والموافق 22 ربيع الأول 1437 هـ، فُجع العالم أجمع ومنه العالم الإسلامي والعربي بهذا الخبر الصاعق بدون أن تُراعى حرمة للدماء الطاهرة والمكانة العلمية ولا شيبته بمجرد أنه مارس حريته في التعبير عن الرأي، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ورفض الاستبداد السياسي والواقع الفاسد، والمطالبة بالحقوق للجميع، والمناداة بالحرية والعدالة والكرامة لكل شعوب المنطقة، مؤكداً على رفضه للظلم أياً كان مصدره.

 

نشاطاته ومشاريعه:

له العديد من النشاطات والمشاريع التي أثرى بها الساحة المحلية والإقليمية بالذات، وكان لبعضها تأثيراً ملحوظاً على المستوى الديني والفكري والاجتماعي والسياسي؛ حيث أسهم وبشكل فاعل في تنشيط المد الديني والرسالي في المنطقة -وبالذات في مدينة العوامية- فقد عمل على تبني عدة نشاطات ساهمت في خلق الوعي الديني والرشد الفكري، منها:

 

1- إحياء دور المساجد .

2- صلاة الجماعة

3- صلاة الجمعة: بادر آية الله النمر لإقامة صلاة الجمعة في عام 1424 هـ (2003م) بمدينة العوامية، بعد أن كانت الظروف المحيطة تعوق دون إقامتها سوى من صلاة واحدة تقام في مدينة سيهات من قبل مقلدي آية العظمى الشيخ حسين العصفور (قده)، فكان لسماحته الفضل في تكثيفها في المشهد الديني في مدينة القطيف، حيث أقيمت بعدها في مدن صفوى وتاروت والقطيف.

 

4- الإثراء الفكري: كان لآية الله النمر في إثراء وتغذية الساحة الإسلامية بالكثير من المحاضرات الرسالية المتنوعة والتي تربو على 2000 محاضرة.

5- المقالات والنشرات: لآية الله النمر أطروحات عديدة، توزعت في مقالاته المتنوعة التي نشرت في المجلات والمطويات ومواقع الانترنت وغيرها، وأيضاً أهتم بشكل خاص بالجيل الشاب عبر إصداره قرابة 30 عدداً من نشرة "الشباب والشبائب" والتي كان يكتبها بنفسه كاملة، تناول فيها مختلف القضايا الدينية والثقافية والسلوكية والاجتماعية بصبغة معاصرة مما يحتاجه الجيل الشاب.

 

6- مشاركات نشطة: وفاعلة في العديد من الأنشطة الدينية والثقافية التي تقام في المنطقة.

 

7- دور المرأة: سعى جاهداً لتفعيل دور المرأة في المنطقة واستثمار طاقاتها في المجالين الديني والاجتماعي، والعمل على صقل كفاءتها وإبرازها في الوسط النسائي، ابتداءً من المشاركة والحضور في صلاة الجماعة في المسجد، مروراً بالمشاركة في البرامج الدينية المختلفة، وانتهاءً بالمشاركة في قيادة المجتمع.

 

8- محاربة العرف الاجتماعي والديني الجاهلي والتقاليد البالية

ومع إصرار السلطة على المعالجات الأمنية باستخدام السلاح التي نتج عنها سقوط العديد من الشهداء؛ زاد تصعّيد النمر من مواقفه وخطاباته والتي عارض فيها بشكل صريح التمييز السلطوي ومصادرة الحريات والاستئثار بالثروات والمناصب، وفي فترة زمنية قياسية لقيت الخطابات السياسية لسماحته انتشاراً واسعاً داخل الدولة وخارجها لما تتميز به من قوة وجرأة نادرة غير مسبوقة أسقطت العديد من المحرمات السياسية التي خلقتها الدولة السعودية والتي لم يتجرأ أحد على المساس بها منذ عقوداً من الزمن.

 

9- تيسير الزواج.

 

10- التعليم الديني: في عام 1422 هـ (2001م) أنشأ سماحته حوزة دينية إذ كانت بداية انطلاقتها باسم (المعهد الإسلامي)، وقد حوت في صفوفها الدراسية الرجال والنساء في قسمين منفصلين، ومن ثم تم استحداث أقسام أخرى وهي: قسم النشء (بنين) ثم (بنات)، والقسم القرآني النسائي، بإدارة وتدريس من طلبة الحوزة وخارجها.

 

11- الاهتمام بقضية البقيع: نادى وبصوت مدوي بقضية قبب أئمة البقيع التي هدمت في الثامن من شوال لعام 1344هـ (1925م)، بعد أن غابت هذه القضية عن الساحة الشيعية عقوداً من الزمن، إلى أن تعالى الصوت الشيعي تدريجياً بعد ذلك يصدع مطالباً بإعادة البناء. و قد أنتجت هذه النداءات أن ارتسمت ذكر البقيع في أذهان المسلمين حيث خرجت بتوفيق الله في أوروبا وأمريكا بعض التجمعات المنظمة في مسيرات سلمية منادية بحق المطالبة ببناء مقبرة البقيع المخربة ومنائرها المهدمة، ومنددة بالعمل المشين لهدم تلك القبب، وكذلك في بعض الدول الإسلامية.

 

12- توثيق حقوق الطائفة الشيعية: في عام 1428 هـ (2007م) قدم سماحته لنائب أمير المنطقة الشرقية -بعد تجاذبات بينه وبين السلطات- عريضة نموذجية غير مسبوقة تجسد المطالب الشيعية في المملكة، وقد أثنى على هذه المطالب المطلعين والمراقبين وعدها المطلعون نموذجاً شجاعاً وصريحاً وأسلوباً يُحتذى في المطالبة بالحقوق؛ وقد سمّيت هذه العريضة بـ (عريضة العزّة الكرامة).

 

13- تشكيل المعارضة الرشيدة: في خطابٍ جماهيري بليلة العاشر من شهر محرم لعام 1429هـ (2008م) نادى الشهيد آية الله النمر بتشكيل (جبهة المعارضة الرشيدة)، والتي من وظيفتها ومسؤولياتها: "معارضة الفساد الاجتماعي والكهنوت الديني والظلم السياسي" الواقع على المواطنين في شبه الجزيرة العربية.

 

14- المطالبة بالحقوق: كان الفقيه الشهيد يحمل لواء المعارضة للظلم والجور الذي تمارسه السلطة ضد الكثير من فئات الشعب في الجزيرة العربية ومن أبرزهم الطائفة الشيعية، إلا أنه كان سلمياً في معارضته، وملتزماً بالأخلاق الرسالية ونهج أهل البيت (عليهم السلام.

وغيرها من المشاريع والنشاطات والمواقف العديدة التي أثمرت عن تكوين توجهات وتحركات تعود بركاتها على المجتمع.

 

رحم الله شيخنا الشهيد، فلقد جاهد في الله مخلصاً، وقُتِل صبراً، ودُفِن سراً، مغيب القبر بلا أثرٍ؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

المصدر: موقع سماحة أية الله الشيخ نمر باقر النمر

(1) دراسة تعريفية باسم: الشهيد الشيخ نمر باقر النمر، من لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان، ص: 6-7.

(2) موقع آل نمر الإلكتروني (http://www.alnemer.ws/?act=artc&id=90).

(3) اقتباس بتصرف" من نفس المصدر.

(4) شرح البداية في علم الدراية، ج: 6، ص: 1.

(5) بحار الأنوار، ج: 71، ص: 337.

(6) اقتباس بإضافات من كتاب شهيد الكرامة، إصدار اليمن، ص: 23-27.

(7)اقتباس بتصرف" من كتاب العوامية: ومجد وأعلام، الشيخ عبد العظيم المشيخص، ص: 209.

(8) كتاب شهيد الكرامة، إصدار اليمن، ص: 28.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأحد 15 أكتوبر 2017 - 16:54 بتوقيت مكة