علي بن أبي طالب (ع).. عندما يرتجف القلم

الخميس 7 سبتمبر 2017 - 15:34 بتوقيت مكة
علي بن أبي طالب (ع).. عندما يرتجف القلم

أفكار ورؤى – الكوثر.. من سلسلة مقالات علي بن أبي طالب

الكتابة عن حواري الرسل وأصحابهم لا تقل مهابة عن الكتابة عن الرسل عليهم السلام، فكما اختار الله رسله واصطفاهم وصنعهم علد عينه فكذلك اختار لهم حوارييهم وأصحابهم.

واليوم أريد أن أبدأ سلسلة مقالات عن علي بن أبي طالب الشهيد أبو الشهداء والعالم الذي بز العلماء، والزاهد الذي عاش على الكفاف والقليل حتي أنه باع سيفه من أجل قوته، والعابد الذي ترقى في مدارج العبادة منذ نعومة أظافره في بيت الرسول عليه الصلاة والسلام، والفارس الشجاع الذي نازل وهزم أعظم الفرسان في"بدر والخندق" وغيرها من مواطن الجهاد الحق الذي لا يعرف البغي ولا الظلم.

وهو الصحابي الذي لم تكن له جاهلية حيث أسلم وهو غلام صغير، وأول من تلقى وحي السماء بعد رسول الله، وعاش طفولته ومبدأ صباه في بيت الوحي يسمعه غضاً طرياً من الرسول نقلاً عن جبريل عليهما السلام.

وهو الشاعر والأديب والعالم الذي سبق بعلمه الكثير من الصحابة والتابعين، ولولا أن بخس حقه لكان أعظم الخلفاء وأنبه الحكماء والفقهاء، وكانت مدرسته الفقهية هي التي تسود بلاد المسلمين، فقد أوتي من ذكاء الباحثين وعبقرية العلماء وحكمة الحكماء أكثر من دهاء الساسة المتغلبين كما يقول العقاد.

الكتابة عن علي بن أبي طالب لها هيبة شديدة في نفسي أشبه ما تكون بهيبته في فؤادي ومحبته في قلبي ومكانته في نفسي.

فحياة الإمام علي بن أبي طالب غاية في الثراء، إن تحدثت عن أصوله وجدت أعظم الأصول وأطيبها، فأسرته هي أسرة الرسول "صلي الله عليه وسلم" وجده هو جد الرسول، عبد المطلب ذلك الأسد الشامخ الحكيم سيد قريش كلها، وهو الذي خوطب مرات في الرؤيا بحفر بئر زمزم فحفرها، وهو الذي بهر أبرهة وتنبأ بحماية الله للكعبة، أما والده فهو الذي ربى الرسول "ص" وكفله ودافع عنه دفاعاً مجيداً لم يقم به أحد وتحدى قريش كلها.

كانت الأقدار رحيمة بعلي بن أبي طالب ، فلما كبر الرسول "ص" واشتد عوده وانفصل عن بيت عمه ثقلت المؤونة وافتقر أبو طالب، تم توزيع أولاده علي بيوت العباس وحمزة وبيت الرسول، فكان من قدر الطفل علي بن أبي طالب أن يعيش مع النبي "ص" ليشهد بواكير نزول الوحي ومقدماته ويعيش مع آيات القران التي تتنزل لحظة بلحظة.

ألم أقل لكم إنها حياة ثرية، فهو الصحابي الوحيد الذي واتته كل الظروف السعيدة فضلاً عن المصاعب الجمة .

وهو الوحيد الذي غالى البعض في حبه فهلكوا، وفرط البعض في حقه فهلكوا وقد تنبأ بذلك، وكأن التاريخ والمستقبل مسطور أمامه "ليحبني أقوام حتى يدخلوا النار في حبي، ويبغضني أقوام حتى يدخلوا النار في بغضي" وهو القائل أيضا: "يهلك فيَّ رجلان محب مفرط بما ليس فيَّ ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني" وصدق الإمام العظيم فقد وقع بعض في تعظيمه بما لا يجوز، وذهب الخوارج إلى تكفيره ظلما وبغيا فهلك هؤلاء وهؤلاء لأنهم لم ينصفوا هذا الإمام العظيم.

الإمام علي ظلم في حياته وحيل بينه وبين أن يقيم دولة العدل والحق التي كان أهلاً لها وقادراً عليها، فلم تقم له دولة في حياته فقامت على اسمه بعد ذلك عشرات الدول بعد موته .

حاول البعض أن يخفي فضله وخيره فإذا باسمه هو الأشهر بين المسلمين بعد اسم"محمد"، وهذا الاسم الجميل "علي" هو الأشهر بين السنة والشيعة على السواء، فالإمام محبوب من الجميع، فلم أجد بيتاً من بيوت السنة إلا وفيها طفل أو شاب أو كبير يحمل هذا الاسم الشريف الذي يحمل من معاني العزة والرفعة والعلو الكثير.

الإمام علي لم يغب عن مشهد واحد من مشاهد النبوة منذ أن كان طفلاً صغيراً، وهو في قلب النبوة كما هو في بيتها طفلاً، ثم زوجاً لفاطمة خير نساء العالمين، لم يبتعد يوماً عن النبي، ناصراً ومؤيداً .

وهل يستطيع أحد أن يفعل ما فعله الغلام "علي" وهو يبيت مكان الرسول يوم الهجرة وما أدراك ما هول هذا اليوم، أو يصد الفرسان العظام عن رسول الله في المعارك، أو يعايش وحي السماء بقلبه وروحه، حياته لا صبوة فيها ولا شهوة، كلها تبعات جسام وكفاح متواصل، وزهد لا ينقطع، وعلم ممتد لكل الأجيال.

أما النبل والفروسية فحدث عنه ولا حرج فقد حال جند معاوية بينه وبين الماء فلما حمل عليهم وأجلاهم عنه، سوغ لهم أن يشربوا فيه كما يشرب جنده، فقد كانت نفسه الكريمة تأبى عليه أن يمنع خصمه من الماء.

الإمام "علي" بدايته رائعة ونهايته شهادة عظيمة من طائفة ظالمة جائرة، عدل مع الخوارج فلم يعدلوا معه، كان يمنع أصحابه من قتل جرحاهم فإذا بهم يقتلوه وهو يصلي.

ولد سيدنا "علي" في الكعبة المشرفة، ومات في المسجد، بدأ بالمسجد وانتهى به، عاش في كنف النبوة واستشهد وهو يتلو القرآن .

سلام عليك يا سيدي في الصالحين وفي الملأ الأعلى إلي يوم الدين.

*د. ناجح إبراهيم/ بتصرف يسير

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأربعاء 6 سبتمبر 2017 - 11:36 بتوقيت مكة