نبذة عن سيرة وحياة الإمام الخامنئي دام ظله 5

الثلاثاء 24 يناير 2017 - 12:50 بتوقيت مكة
نبذة عن سيرة وحياة الإمام الخامنئي دام ظله  5

الاعتقال من جديد:
 عام 1970م بدأ سماحته الترويج لخطِّ الإمام ومرجعيَّته وإعلان الوفاء لقائد الثورة الإسلاميّة, وذلك بعد أن رأى الأجواء مناسبة لذلك، فاعتُقل مرّة أخرى، وكان لهذا الاعتقال صدًى واسعًا في أوساط طلبة العلوم الدينيّة بمشهد وتأثيرًا في الحوزة، ممّا ساعد على تنمية وترسيخ الأفكار الثوريّة وترسيخ الأفكار الثوريّة في نفوس الطلاب، لأنَّ الأعوام ما بين (1968 - 1971م) كانت أعوام البناء الثقافيّ الثوريّ السلميّ. وكان المجاهدون في هذه الأعوام يتعرّفون على الإسلام الثوريّ، وطبيعيّ أن يزداد التفاف الناس (خصوصًا الشباب) حول العلماء المجاهدين. فاستغل العلماء بدورهم هذه الفرصة المتاحة لهم عارضين العلوم والمعارف الإسلاميّة الأصيلة عليهم سواء بالتبليغ على المنابر أو بالدروس الخاصّة أو بجلسات البحث والنقاش الحرّ، أو بنشر الكتب والكرّاسات الضروريّة. ويطلق سماحة آية الله العظمى الخامنئيّ على هذه الفترة اسم (أعوام النشاطات السرّيّة).

 وكان سماحته منهمكًا بتربية الكوادر وتنظيم العناصر الموثوقة والارتباط بالجماعات النشطة والمجاهدة، ولتسهيل هذا العمل، قبل التدريس وإمامة الجماعة أيضًا.
 فشرع بتدريس التفسير في مسجد (صدّيقيها) المعروف بمسجد الأتراك الواقع في بازار مشهد، واضطرّ بعد فترة إلى نقل الدرس إلى مدرسة ميرزا جعفر نظرًا لكثرة الحضور وضيق المسجد، وكان يشارك في درس التفسير طلبة العلوم الدينيّة وجمع من المؤمنين والمطّلعين على المسائل الدينيّة في مشهد. ولكنَّ الدرس قد توقَّف مؤقتًا إثر اعتقاله عام (1970م). واستمرّت فترة الاعتقال هذه المرة أربعة أشهر وعدّة أيّام.
 عاود سماحة الإمام الخامنئيّ دام ظله نشاطه بعد إطلاق سراحه مرّة أخرى, فمن جملة نشاطاته هي إلقاء محاضرات في ليلتي التاسع والعاشر من محرّم في الجمعيّة الإسلاميّة للمهندسين بطهران حول حديث (من رأى سلطانًا ائرًا...)، فكانت لهذه المحاضرات الثوريّة والحماسيّة آثارها على نفوس الناس. إثر ذلك اتّصلت به الجماعات السرّيّة ومنها منظمة (مجاهدو الشعب).

 أمّا حول ارتباطه بهذه الجماعات المسلّحة، ففي عام 1971م وبعد الانفجار الّذي وقع في أعمدة الكهرباء أثناء الاحتفالات بمرور 2500 عامًا على النظام الملكيّ، أُعتقل سماحته وعُرّض لأشدِّ أنواع التعذيب، وسجن في زنزانة مظلمة رطبة، لكن رغم كلّ التعذيب الذي تعرض له إلاّ أن السافاك واجه مقاومة بطوليّة وأسطوريّة من هذا العالم الشجاع الأبيِّ، ولم يتمكّن من الحصول على شيء منه، فاضطر إلى إطلاق سراحه بعد خمسين يومًا ونيفًا من احتجازه.
 وعاود نشاطه هذه المرّة أيضًا وأُضيف مسجد الإمام الحسن عليه السلام -والّذي كان آنذاك مسجدًا صغيرًا- إلى قواعد الثورة، حيث بدأ سماحته بإلحاح جمع من الزملاء بتدريس تفسير القرآن وإقامة الجماعة هناك. وبهذا العمل جمع سماحته بين العمل السريِّ والمحدود، والعمل العلنيّ والمباشر مع الجماهير عن طرق المسجد.

 وبعد فترة طُلب من سماحته أن يؤمّ الجماعة في مسجد (كرامت) بالقرب من حديقة نادري بمشهد والّذي يعتبر من النقاط المزدحمة والحسّاسة في المدينة. ونظرًا إلى كثرة الحضور والازدحام الجماهيريّ الكبير، فقد عُطّل المسجد من قبل السافاك فترة من الزمن.

وقد أثارت هذه النشاطات إعجاب الكثيرين، وبالخصوص الشهيدين المطهريّ وباهنر, حيث أبديا -في سفرهما إلى مشهد- فرحتهما وتقديرهما لهذه البرامج. 
 وكان المرحوم الشهيد آية الله الطالقاني يصرّح ويقول: إنَّ السيّد الخامنئيّ هو أمل المستقبل، فعندما تذهبون إلى مشهد، فاذهبوا للقائه حتمًا.
 وهذه النشاطات جعلت السافاك تضعه تحت الرقابة الخاصّة. فإمّا أن يتمَّ إحضاره للتحقيق، أو يُحَاصر منزله ويمنع الناس من التردّد عليه، أو تعطّل دروسه بالقوّة واحدًا تلو الآخر، إلى أن أُعتقل عام 1973م ونُقل إلى طهران 

حبس في سجون السافاك المخيفة أي في لجنة مكافحة التخريب، واستمرّت هذه الفترة من السجن حدود شهرين، قضاها بين الزنزانات الانفراديّة أو المكوّنة من اثنين أو ثلاثة مع التعذيب الشديد.

ويقول الشهيد رجائي حول هذا الموضوع: في تلك السنة الّتي قضيتها في قبضة لجنة مكافحة التخريب عام 1974م.والّتي كانت جهنَّم حقيقيّة.كان  يسمع في هذه اللجنة الصياح والأنين من الصباح إلى الليل وبالعكس. فكانت مصداقًا للآية ﴿ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾. فالذين كانوا هناك لم يكونوا أمواتًا ولا أحياءً، لأنَّهم كانوا يضربون حتّى الموت، ثمّ يداوون بعض الشيء حتّى تتحسّن صحّتهم تقريبًا، ثمّ يُعيدونهم إلى التعذيب مرّة أخرى. وكانوا يُعذّبون الأشخاص في لجنة مكافحة التخريب بشتّى أنواع التعذيب. 
 كنت في الزنزانة رقم "18"، وكان السيّد الخامنئيّ في الزنزانة رقم "20"، وكنّا نتبادل الأخبار بطريقة خاصّة تعلّمناها في السجن تشبه طريقة إرسال الأخبار بواسطة الشيفرة. فكنت أعطي الأخبار لنزيل  الزنزانة المجاورة (رقم 19)، فيعطيها بدوره للسيّد الخامنئيّ وهكذا. وأتذكّر جيّدًا أنَّ الجلاّدين قد حلقوا لحية السيّد عليّ الخامنئيّ عنوةً وصفعوه على وجهه لكسر شوكته ولكنَّه كان مقاومًا وصامدًا، يضع قميصه على رأسه بشكل عمامة، ويظهر بذلك المظهر أمام الآخرين. لقد قابلته ذات مرّة في المرافق الصحّيّة وهو فرح ومسرور". 

وعلى الرغم من كلِّ الضغوط والتعذيب، إلّا أنَّ جهاز السافاك الرهيب لم يستطع معرفة أسرار تلميذ الإمام قدس سره ولم يتمكّن من الحصول على أيِّ دليل ولو صغير ضدّه، لإتمام ملف المحاكمة وإصدار الحكم ضدّه. لذا وبعد تغيّر سياسة أسيادهم الأميركان ووصول جيمي كارتر إلى سدّة الحكم عام (1975م), اضطرّ السافاك إلى إطلاق سراحه. فعاد إلى مشهد واستمر في جهاده المرير ضد نظام الشاه وأجهزته.

  وكانت المسؤوليّات في هذه المرّة أكبر من السابق، فقد فشل تمامًا الكفاح المسلّح بالأسلوب الّذي تبنّته منظّمة (مجاهدو الشعب), رغم تحذير الإمام عام (1970م) لمبعوث هذه المنظمة إليه، ووقعت انشقاقات في هذه المنظمة وظهرت الأفكار الانحرافيّة والالتقاطيّة.

 وقد أخذ الغرور والعنهجيّة النظام إثر توجيهه ضربات إلى الفدائيّين والشيوعيّين، وأصبحت أكثر القوى المجاهدة في حيرة من أمرها وأخذها الشعور بالشكّ وعدم الثقة بالجماعات الجهاديّة، وأصيب آخرون باليأس والخمول, 

انفصلت القوى الجهاديَّة عن عناصر منظّمة (مجاهدو الشعب) في السجن، فأصبحت وظيفة قادة الجهاد في هذه الأجواء المليئة بالإرهاب والرعب والخيانة والالتقاط واليأس والخمول والشكّ والحيرة، صعبة وحسّاسة جدًّا.

فوجب توعية الجماهير بمجريات الأحداث بالصورة الّتي لا يستغلّها النظام لصالحه، وإرشاد الناس وتشجيعهم, كانا أمرين عظيمين يتطلّبان الكثير من المهارة والحذاقة، وقد تمّ بفضل الله والقيادة الحكيمة للإمام العزيز قدس سره ووعي ودقّة أصحاب الإمام ومن جملتهم سماحة آية الله العظمى السيّد الخامنئيّ، إدارة هذه البرهة الحسّاسة على أحسن وجه ممكن, أي أنَّه تمّ من جهة تنظيم وانتخاب القوى الإسلاميّة الأصيلة، كما تمّ إعداد قوة أقوى بكثير من قبل لمواصلة الجهاد ضدّ الشاه،وذلك بعد أن تمَّ نبذ الأفكار الالتقاطيّة, ومن جهة أخرى، تمّ بيان الهدف الرئيسيّ من الجهاد للمجاهدين وهو إسقاط النظام دون أيّة مواجهة مع (مجاهدو الشعب)، وبدلًا من صرف قواهم لمواجهة هذه العناصر، صرفت في مواجهة العدوّ الرئيسيّ أي نظام الشاه، ومن جهة ثالثة، تمَّ بيان الأفكار الانحرافيّة والالتقاطيّة للمنظّمة بكلّ مهارة ودقّة دون أن يستغلّها النظام لصالحه. وعندما أفاق النظام من غفلته، كان كلُّ شيء قد انتهى, وبلغ الجهاد ذروته في العامين (77- 1978م). وببلوغ الكفاح ذروته وفضح انحرافات منظمة (مجاهدو الشعب) وشعور العلماء وكذا الشعب بلزوم إيجاد خلايا إسلاميّة منظّمة يترأّسها العلماء والمتضلّعين في الفقه والسياسة بدلًا من الأفراد العادييِّن أو السياسييِّن فقط، تمّ إيجاد النواة الأولى لخلايا إسلاميَّة منظَّمة بقيادة الإمام وإشراف العلماء الثورييِّن في مشهد. 

يقول سماحته حول هذه القضيّة: "عقدنا جلسة في عام 1977م مع اثنين من الإخوة وهما المرحوم آية الله ربّاني الأملشي والشيخ الموحدي الكرماني.دار الحديث فيها حول أسباب عدم وجود خلايا منظّمة للمجاهدين خصوصًا بين صفوف العلماء، الّذين كانوا يشكلّون النسبة العليا من المجاهدين. فاقترح إيجاد خلايا منظمة، وقد قيل في تلك الجلسة أنه لو كان السيّد البهشتي معنا في الخلايا، كانت النتائج أفضل".

ومن حسن الصدفة أنّ الشهيد بهشتي والشهيد باهنر كانا بمشهد في تلك الفترة. ولهذا عُقدت جلسة بمشاركتهما، ووضع الحجر الأساس لرابطة العلماء المجاهدين في البلاد. وتعتبر الركائز الأولى للحزب الجمهوريّ الإسلاميّ.

وبُعث خبر هذه الرابطة إلى العلماء في السجون ومن جملتهم الشيخ هاشمي رفسنجاني. وبدورهم أيّد العلماء هذه الفكرة. وعاد الشهيد المطهّري في تلك السنة من النجف حاملًا معه رسالة من الإمام قدس سره يدعو المجاهدين من ذوي السوابق الجهاديّة إلى الاجتماع. وقد أدّت هذه الارتباطات والاتّصالات إلى تنظيم وخروج المسيرات المليونيّة عامي (77 - 1978)، وكان دور سماحة آية الله العظمى الخامنئيّ في تشكيل هذه الرابطة ملفتًا للنظر. يذكر أنَّ السافاك لم يسمح لسماحته بالخروج من البلاد لمدّة عشر سنوات من عام 1965م. 
 
 النفي إلى إيرانشهر
 في خِضمِّ هذه النشاطات وبلوغ الثورة الإسلاميّة ذروتها عام (1977م)، أُعتقل سماحة الإمام الخامنئيّ وبعد احتجازه أيّامًا، حُكم عليه بالنفي إلى إيرانشهر لمدّة ثلاثة سنوات، فنُفي إلى هناك، لكنَّ النفي والمناخ الحارّ لهذه المدينة لم يحطّان من عزيمة رمز الجهاد، بل إنّه استغلّ هذه الفرصة المتاحة له، وسعى إلى توحيد صفوف المجاهدين هناك وكذا توحيد صفوف الشيعة والسنّة، فحقّق نجاحات باهرة في هذا المجال.

وكان له دور بارز في التفاف الناس حول الإمام والعلماء والثورة.

وقد حدث في تلك السنة سيل في المدينة -إيرانشهر- أدّى إلى تدمير البيوت وإلحاق أضرار جسيمة بالأهالي، بالإستعانة بتجاربه السابقة في فردوس وكناباد. جنّد سماحة الإمام الخامنئيّ جمعًا من طلبة العلوم الدينية وشكّل لجنة العلماء للإغاثة.

فكانت نجاحات هذه اللجنة في مجال الإغاثة والتبليغ وتشجيع الناس قد بلغت درجة أرعبت النظام، فما كان من السافاك إلاّ أن استدعى سماحته، فالتفت إليه رئيس السافاك وقال: لقد خاطبتُ البارحة في جلسة لجنة الأمن، لحضور بالقول: كم أنتم غير كفوءين بحيث لم تستطيعوا عمل شيء، انظروا إلى هذا المنفي إلى هنا ماذا فعل الأوضاع؟

وطالت فترة النفي حتّى سنة (1978م)، وبلغت الثورة ذروتها هذا العام فخرجت الأوضاع من سيطرة النظام، لهذا عاد سماحة آية الله الخامنئيّ إلى مشهد وزاول نشاطه مستمرًّا في جهاده أكثر من ذي قبل.

مزيد من الصور

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الثلاثاء 24 يناير 2017 - 12:46 بتوقيت مكة