الكوثر_ايران
قال يونس حقي تبريزي، أستاذ في الحوزة العلمية والجامعة، في العلاقة بين "شخصية بارزة" و"مدرسة" في الفكر الإسلامي والعلوم الاجتماعية: لم يكن الشهيد الحاج قاسم سليماني مجرد شخصية شعبية أو قائد عسكري ناجح، بل كان حاملاً لمدرسة فكرية وسلوكية حية وإنسانية؛ مدرسة هي امتداد متطور لمدرسة الإمام الخميني (رحمه الله) والثورة الإسلامية، وبعد استشهاده، بدلاً من أن تتراجع، أصبحت حركة أكثر انتشاراً في المنطقة والعالم.
الفرق بين "الشخصية البارزة" و"المدرسة" من منظور الفكر الإسلامي
يشير يونس حقي التبريزي، في معرض حديثه عن الفرق المفاهيمي بين "الشخصية البارزة" و"المدرسة"، إلى أن الشخصية البارزة هي فرد أو رمز أو قائد ذو فكر وتأثير، أما المدرسة فهي منظومة من الأفكار والأساليب والقيم التي تنبع من فهم وتفكير فردي أو جماعي، وتتجاوز نطاق الفرد. بعبارة أخرى، المدرسة هي نتاج تجسيد الأفكار والمعتقدات في مجال العمل.
اقرا ايضا:
واستشهد بالآية الكريمة: «لَقَدْ کانَ لَکُمْ فی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة»، قائلاً: يقدم القرآن الكريم النبي (صلى الله عليه وسلم) ليس فقط كشخصية بارزة، بل أيضاً كنموذج للمدرسة؛ شخصية تجسدت روح الإيمان في سلوكها.
إمكانية تحليل شخصية الجنرال سليماني ضمن إطار مدرسة فكرية
وقال أستاذ الحوزة والجامعة: لا يمكن فحسب، بل يجب تحليل شخصية الجنرال الشهيد قاسم سليماني ضمن إطار مدرسة فكرية سلوكية.
فقد امتلك الشهيد سليماني مدرسة إنسانية تشكلت في سياق الخدمة الجهادية. لم تكن هذه المدرسة عسكرية أو أيديولوجية فحسب، بل كانت مدرسة تربوية وإنسانية.
ويؤكد حقي تبريزي، إن قائد الثورة الإسلامية يؤكد من جانبه أيضاً، على "الاعتراف العلمي والتربوي بمدرسة سليماني"؛ وهو اعتراف يتجاوز التسمية والشعارات والطقوس السطحية، ويتطلب دراسة علمية وتربوية معمقة.
العناصر التي تحوّل شخصية ما إلى ظاهرة
رداً على سؤال حول العوامل التي تنقل الشخص من مجرد الشهرة إلى بناء ظاهرة، يوضح: الشهرة وحدها تخلق جاذبية، لكن بناء الظاهرة يتطلب توجيهاً. من منظور القرآن، يتحقق التأثير الحقيقي عندما يكون هناك صدق في القول والفعل، كما ورد في الآية: «وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ»
يرى حقي تبريزي أنه إذا لم تتعمق الشهرة، فلن تصبح مدرسة، وتعمقها يعتمد على الإخلاص والإيمان والعمل الصالح.
رفضًا للافتراض القائل بأن الشعبية الاجتماعية وحدها كافية لبناء مدرسة، استشهد أستاذٌ في معهد ديني وجامعة بالآية الكريمة: «إِنَّ الَّذینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَیَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا». وأضاف: "يضع القرآن الكريم شرطين لبقاء الشعبية: الإيمان والعمل الصالح. وقد تجسدت هاتان الصفتان في الشهيد سليماني: الإيمان بالنهج الصحيح والواجب، والعمل الصالح في الميدان. وهذا ما جعل شعبيته تتجاوز مجرد العاطفة لتصبح ظاهرة اجتماعية".
مدرسة سليماني: امتداد لمدرسة الإمام الخميني (ره)
وأكد تبريزي أن مدرسة سليماني ليست مدرسةً فرديةً أو ابتكارية، بل هي امتداد لمدرسة الإمام الخميني (رحمه الله) والثورة الإسلامية. فقد استقى الشهيد سليماني تعاليم الدين والأعمال الصالحة من مدرسة الإمام، وطبّقها بأسلوبٍ متطورٍ في الميدان.
وبحسب قوله، قام الجنرال سليماني بتحديث مدرسة الإمام بما يتناسب مع متطلبات العصر، وجعلها حاضرةً وفعّالةً على الصعيد الاجتماعي والإقليمي والدولي.
ويرى الأستاذٌ في الحوزة العلمية والجامعة أن تجليات مدرسة الإمام في شخصية الجنرال سليماني تتجلى في أعماله الاجتماعية. فقد قدّم الشهيد سليماني صورةً موضوعيةً للرجل الثوري، صورةً رآها الناس في سلوكه وشخصيته عند بحثهم عن رمزٍ للثورة. وأظهر كيف ينبغي أن تتجلى العلاقة بين ولاية الفقيه، وأخلاقيات الجهاد، والقومية، والإخلاص في الميدان.
لماذا استطاع الجنرال سليماني كسب القلوب قبل العقول؟
إنّ سمات شخصية الجنرال سليماني، ولا سيما الجمع بين القوة والتواضع، والمنطق والعاطفة، والقيادة والبساطة، جعلته يكسب القلوب قبل أن يقنع العقول.
أكّد حقي تبريزي: "في حضرة الشهيد سليماني، رأى الناس جميع مُثُل الرجل الثوري دفعةً واحدة، ما حوّله إلى أسطورة وقدوة".
ورأى أستاذ الحوزة والجامعة هذا التواضع والصدق والإخلاص والاهتمام بالناس أربع سمات أساسية في تأثير الجنرال سليماني الاجتماعي، مضيفًا: "هذه السمات هي مفتاح دخوله قلوب الناس. فقد رأى الناس تواضعه رغم منصبه القيادي، وصدقه رغم قوته، وتفضيله في جميع تصرفاته رضا الله على المكاسب الشخصية. هذا الإخلاص يُزيل شبهة الطموح والطمع بالجاه ويُرسّخ مكانته الأخلاقية".
العلاقة بين الروحانية الفردية والتأثير الاجتماعي
قال حقي تبريزي: الروحانية الفردية هي المحرك الأساسي للتأثير الاجتماعي. فكلما تعمقت الروحانية الفردية، كان التأثير الاجتماعي أكثر استدامة وانتشارًا. لقد عزز الشهيد سليماني نفسه أولًا في مجال الإيمان والأخلاق، ولذلك استطاع أن يؤثر في المجتمع، بل وعلى المستوى العابر للحدود.
ويعتقد أستاذ الحوزة والجامعة هذا أن قوة الجنرال سليماني نبعت من قلوب الناس، لا من منصبه الرسمي أو من الهيكل التنظيمي والتراتبية. كما أن ثقة الشعوب به نبعت من هذه الروحانية والنزاهة والتضحية؛ وهي معادلة لا تفرق بين الإيرانيين وغير الإيرانيين في كسب القلوب. إن رؤية الجنرال سليماني السياسية والدينية للعالم كانت مزيجًا من العقلانية والالتزام بالواجب والواقعية السياسية.
ووفقًا له، استطاع الشهيد سليماني تحقيق أصعب جوانب القيادة، ألا وهو الجمع بين إدراك الواجب والتخطيط الواقعي للمسار. فقد نبذ المصالح الشخصية تمامًا، وأسس عقلانيته الميدانية على الروحانية، وهو ما يُعدّ السمة الأبرز لمدرسة سليماني.
قائدٌ يُدرّب الأفراد والحركات
كان أسلوب قيادة الجنرال سليماني، كما وصفه حقي تبريزي، أسلوبًا يُعنى بتدريب الأفراد والحركات، لا بتحقيق النصر في العمليات فحسب. فوجوده في الميدان، حتى قبل أي عمل عسكري، كان يُرسّخ الثقة والتحفيز والتدريب. وكان تعامله مع الشعب والقوات وأسر الشهداء والجرحى جزءًا لا يتجزأ من قيادته.
وقال أستاذ الحوزة والجامعة: أصبح الجنرال سليماني رمزًا مشتركًا بين مختلف الأمم لما جمعه من السياسة والثقافة والأخلاق والإنسانية. لم يكن هذا المقام سياسيًا فحسب، بل ذا جذور ثقافية وإنسانية، وهذا ما جعله مدرسته خالدة.
الاستشهاد: بداية انتشار المدرسة
يرى حقي تبريزي أن استشهاد الجنرال سليماني لم يكن نهايةً لمدرسته، بل بدايةً لتوسعها الشامل. مدرسةٌ قامت على ثلاثة مستويات: العقيدة، والعمل، والتعليم، ولها القدرة على الانتقال إلى الأجيال الجديدة، بل وحتى خارج حدود إيران.
انتقد حقي تبريزي الأداء الحالي للحوزات والجامعات، مؤكدًا أن مدرسة سليماني لم تُشرح علميًا وتربويًا كما ينبغي، وأن هناك خطرًا حقيقيًا من اختزالها إلى مجرد شعارات وطقوس عابرة.
يرى أن على الحوزات استخلاص الأسس الأخلاقية والتربوية لهذه المدرسة، وعلى الجامعات دراسة أبعادها الاستراتيجية والإدارية، لتصبح نموذجًا حيًا ورائدًا.
وأوضح قائلًا: يجب أن نتجاوز مجرد التمجيد، وأن نبدأ بشرح وتطبيق مناهج الشهيد سليماني العملية. من كان، وماذا فعل، وما هو النموذج الذي قدمه لنا اليوم وغداً.