الكوثر_ثقافة
وبحسب ما يبيّنه القرآن، فإن بعض أهل الكتاب قاموا بتغيير كلماتٍ عن مواضعها، وتحريف المعاني أو الألفاظ بما يخدم أهواءهم، كما جاء في آيات مثل:
﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ و﴿يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ﴾، وهي تعبيرات قرآنية تدل على التلاعب المتعمد بالنصوص الإلهية، سواء عبر تغيير المعنى أو اللفظ أو كتمان بعض الحقائق.وتوضح الدراسة القرآنية أن التحريف لم يكن شاملاً لكل ما ورد في التوراة والإنجيل زمن نزول القرآن، إذ يشير القرآن في مواضع عدة إلى أنه «مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ»، أي لما بقي فيها من حق، خصوصًا ما يتعلق بأصول التوحيد وبشارات الأنبياء، ومنهم النبي محمد ﷺ. إلا أن هذا التصديق لا يعني الإقرار بصحة جميع مضامين هذه الكتب بصيغتها المتداولة، بل تصديق ما وافق الحق الإلهي منها.
اقرأ ايضا:
«جائزة الإمام الخميني العالمية»… صدى فكرٍ اجتاز حدود العالم لأكثر من ستة عقود
متحف الشمع في النجف… ذاكرةُ الحوزة تُستعاد بوجوهٍ تنبض بالحياة
كما يظهر التحريف بوضوح في اختلاف الروايات المتعلقة بسِيَر بعض الأنبياء بين القرآن والتوراة والإنجيل، حيث ينزّه القرآن الأنبياء عن النقائص والتهم التي نُسبت إليهم في بعض النصوص الأخرى، ما يدل على وقوع تغييرات لاحقة في تلك الروايات.
ويؤكد القرآن كذلك أن من أسباب التحريف إعراض بعض أهل الكتاب عن أحكام كتبهم الأصلية، وهروبهم من تطبيقها، وهو ما مهّد لتغيير النصوص أو إخفاء بعضها عبر الزمن. وخلاصة الموقف القرآني أن التوراة والإنجيل الموجودتين اليوم لا تمثلان النصّين الإلهيين الخالصين اللذين أُنزلا على موسى وعيسى عليهما السلام، بل تحتويان على مزيج من الحق المحفوظ والتحريف الذي طال بعض الألفاظ والمعاني، وهو ما تؤكده آيات متعددة من القرآن الكريم ودراسات تفسيرية معمّقة. ويؤكد القرآن في النهاية أن رسالته جاءت مهيمنة على ما سبقها من كتب، مبيّنة للحق، ومصحّحة لما لحق بالرسالات السابقة من تحريف، وهادية للبشرية إلى الصراط المستقيم.