الكوثر_مقالات
ما هو أساس السياسة الخارجية لتركيا بعد عام 2003؟
بعدما تسلّم اردوغان مقالید الحکم عام 2003، وضع أساس السياسة الخارجية التركية قائمًا على النفعية والذرائعية. تعمل ترکیا تحقیقًا لمصالحها القومیة فحسب وليس لأهدافها الأيديولوجية. ولهذا یعتبر كل شيء کأداة من أجل تحقق مصالحها. في هذه اللعبة، يُفترض أن الإسلام وهموم المسلمين من الأدوات التي تستخدمها أنقرة للوصول إلى أهدافها. تستغل أنقرة التضامن مع القضیة الفلسطینیة من أجل مصالحها الوطنية.
يستخدم أردوغان و حکومته العنصر العرقي للتوغل في القوقاز و الآسیا الوسطی ، ويستخدمون العنصر الديني للتوغل في المجتمعات الإسلامية. كما يستخدمون آلة الديمقراطية للتواصل مع الاتحاد الأوروبي، ويستخدمون آلة دعم فلسطين لجذب الإسلاميين.
من هو أردوغان؟
يعتبر أردوغان من الإسلاميين الذين قاموا بالنشاطات السياسية علی ضوء إرشادات وقيادة الفقيد نجم الدين أربكان في السبعينيات إلى التسعينيات.
في تركيا، بسبب حكم العلمانية، كان العمل السياسي صعبًا على الإسلاميين. حتى سقطت حكومة أربكان عام 1996 بشبه انقلاب عسكري بذریعة مخالفته لمبادئ الدستور وانتهاك مبادئ العلمانية.
بعد التضييق على الإسلاميين خلال السنوات، ندم بعضهم على مسارهم السابق وأقبلوا على طرق الليبرالية والوسطية. كان أردوغان من هؤلاء المقبلين. انفصل أردوغان عن أربكان وأسس حزب العدالة والتنمية. شارك أردوغان و حزبه في الانتخابات التشريعية لعام 2002. لقد حققوا فوزًا كبيرًا في الانتخابات. بعد فترة، صرح أربكان في مقابلة أن فوز العدالة والتنمية في عام 2002 لم يكن تفضيلًا لأردوغان على الآخرين عند الشعب، بل كان لخوفهم من فوز العلمانيين. لأن في فترة حكم العلمانيين على تركيا، تعرض الإسلاميون والمسلمون للكثير من القمع.
ما كانت تصرفات تركيا في القضية الفلسطينية بعد عام 2003 حتى اليوم؟
ركز أردوغان بعد توليه السلطة على إحياء تراث العثمانية في الأراضي التاريخية لسلطتها. كانت الأراضي الإسلامية تُعَدّ من أهم مناطق النفوذ والهيمنة للدولة العثمانية. كانت تركيا تسعى لإيجاد سبيلٍ إحیاءً لنفوذها في الدول العربية والإسلامية. لكن المشكلة ألتي كانت تكمن في سنواتٍ من الهيمنة العثمانية الظالمة، جعلت الأتراك عدوًا تاريخيًا للعرب، حيث كان العرب ينظرون إلى تركيا دائمًا بعين المحتل. ولهذا السبب، سعى الحكام الجدد في أنقرة إلى إيجاد وسيلةٍ للتأثير على الرأي العام العربي والإسلامي. وأي فكرةٍ كانت أفضل من هذه: أن نُظهر أنفسنا كمدافعين عن الحق الإسلامي من خلال دعم القضیة الفلسطینیة ، في وقتٍ باع فيه الحكام العرب فلسطين، لنكسب بذلك تعاطف العرب والمسلمين؟ وعلى هذا الأساس، أطلق أردوغان وقادة حزب العدالة والتنمية حملةً واسعة لدعم الشعب الفلسطيني والقدس الشريف علی ما یبدو، وقدموا أنفسهم كمدافعين تاريخيين عن القدس. وكان لهذا التحرك نتيجةٌ أخرى بالنسبة لهم، وهي إقناع الناخبين الإسلاميين الأتراك. فمن خلال هذه الخطوة، بعث أردوغان رسالة الإطمئنان إلى الإسلاميين الأتراك و من مفادها أنه لا يزال متمسكًا بمطالبهم، وأنه لم يستغل مشاعرهم الدينية لمجرد كسب أصواتهم. لکنّ السؤال هنا هل كانت نشاطات تركيا لتحقق مصالح الشعب الفلسطیني فعالة وحقيقية؟ أم كانت مسرحية للتنويم المغناطيسي للعالم الإسلامي؟
في الفترة من 2003 إلى 2023، شهدت التجارة بين تركيا وإسرائيل تطورات ملحوظة. بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة في عام 1996، زادت التجارة بين البلدين بشكل كبير، حيث أصبحت تركيا واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لإسرائيل في المنطقة. ومع ذلك، تأثرت العلاقات التجارية بالتوترات السياسية والأزمات الدبلوماسية. على الرغم من هذه التحديات، استمرت التجارة بين البلدين علی مسار الانتعاش ، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري بينهما مليارات الدولارات سنويًا.
تشتمل الصادرات التركية إلى إسرائيل علی المنتجات الزراعية، والملابس، والآلات، بينما تستورد تركيا من إسرائيل المنتجات التكنولوجية، الکیمیاویات ، والمنتجات الطبية. في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات التجارية تحسنًا تدريجيًا، مما يعكس رغبة البلدين في تعزيز التعاون الاقتصادي على الرغم من التحديات السياسية.
حتى الصور الفضائية وبيانات شركات تتبّع التجارة الدولية تُظهر أن ادعاء تركيا بشأن قطع العلاقات الاقتصادية مع الكيان الصهيوني بعد عملية "طوفان الأقصى" لم يكن صادقًا، وأن التجارة بين الجانبين استمرت خلال هذه الفترة. الجداول التالية تعرض حجم المعاملات التركية-الإسرائيلية في عام 2023:


وصل النفاق التركي إلى حدّ كشفت فيه صورٌ لجنود الاحتلال الإسرائيلي أن الشركات التركية كانت تزوّد الجنود الصهاينة، قتلة الأطفال، بالمياه المعدنية خلال معركة "طوفان الأقصى". وذلك في الوقت الذي كان فيه جيش الاحتلال يحاصر أهل غزة ويحرمهم من أبسط مقومات الحياة، بما في ذلك الماء.

يعتقد الخبراء أن جزءًا كبيرًا من الفولاذ المستخدم في الصناعات العسكرية الإسرائيلية، التي تزود الأسلحة لقتل الشعب الفلسطيني، يتم توفيره عبر تركيا. بالإضافة إلى ذلك، يتم توفير حوالي نصف النفط الذي تحتاجه إسرائيل أيضًا عبر خط أنابيب يمر عبر تركيا.


الانتقادات الموجهة لأردوغان لم تقتصر على الشعب التركي والمسلمين الآخرین فحسب، بل امتدت إلى أحد أعضاء البرلمان التركي، حسن بيتمز، الذي اتهم حزب العدالة والتنمية وأردوغان بالنفاق خلال خطاب عاصف في البرلمان. كما كشف عن استمرار العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل رغم إعلان تركيا فرض حظر على إسرائيل. أثناء هذا الخطاب، كان بيتمز غاضبًا ومضطربًا لدرجة أنه أصيب بنوبة قلبية وتوفي بعد يومين. وصفه النشطاء المؤيدون لفلسطين بأنه شهيد في مواجهة النفاق.

كما ذكر سابقًا، يبدو أن تصرفات أردوغان وحزبه في القضیة الفلسطینیة ليست نابعة من حبهم للقدس الشريف، بل تهدف إلى خداع الرأي العام للمسلمين في العالم وإحياء النفوذ العثماني في المناطق ذات الأغلبية المسلمة.
من خلال دعمهم للقدس، يسعون إلى محو الكراهية التاريخية تجاه الأتراك العثمانيين بسبب سنوات من الضغط على العرب، ويظهرون أنفسهم كمنقذين وقادة للعرب والمسلمين.
كيف يمكن قبول أن الشعارات و الصیحات الترکیة في دعم فلسطين حقيقية، في حين أنهم أحد الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين للكيان الصهيوني ويشاركون في توفير نصف النفط الذي تحتاجه إسرائيل؟ هل تركيا داعمة لفلسطين أم مزودة لوقود آلة الحرب الصهيونية وفولاذ دروع دباباتهم؟
بقلم: امير محمد جليلي