خاص الكوثر - العشرات
قد يبدو النص الذي يكتبه لك تطبيق ذكاء اصطناعي مثل «تشات جي بي تي» مجرد أداة مساعدة، لكن في العمق هو جزء من منظومة أوسع تتحكم بتدفّق المعرفة، وتُبرز أفكارًا وتُخفي أخرى وفق سياسات خوارزمية محددة. إنها ليست مجرد برمجيات محايدة، بل «عقل خفي» يعيد تشكيل وعيك وأولوياتك.
ما يظهر لك على فيسبوك أو إنستغرام أو تيك توك، وحتى النتائج التي تراها على محركات البحث، ليست اختيارك الحر بالكامل. الخوارزميات تراقب كل نقرة، كل إعجاب، كل ثانية تقضيها أمام منشور، ثم تستخدم هذه البيانات لتعرفك أحيانًا أكثر مما تعرف نفسك.
الهدف الأساسي لهذه المنصات ليس المعرفة ولا التنوير، بل إبقاؤك أطول وقت ممكن داخل التطبيق. لذلك، تُبرز محتوى معينًا وتُخفي آخر، فتدفعك تدريجيًا نحو الترفيه السريع أو الإثارة، وتبعدك عن القضايا السياسية والاجتماعية الثقيلة، من دون قرار واعٍ منك.
هكذا تتشكل «فقاعات الرأي»، حيث يُعرض عليك محتوى يشبه أفكارك، فتظن أن الجميع يفكر مثلك، بينما الواقع أكثر تعقيدًا. تقارير عديدة كشفت أن خوارزميات يوتيوب مثلًا قد تبدأ باقتراح فيديو عادي، ثم تقود المستخدم تدريجيًا إلى محتوى أكثر تطرفًا. وفيسبوك نفسه أقر بأن خوارزمياته ساهمت في زيادة الاستقطاب السياسي وانتشار الأخبار الكاذبة، التي تنتشر أسرع من الأخبار الحقيقية لأنها أكثر إثارة للمشاعر.
دراسات أخرى بيّنت أن المنصات الرقمية أجرت تجارب للتحكم بالحالة المزاجية للمستخدمين عبر نوعية المنشورات المعروضة عليهم. الإدمان، القلق، التقلبات النفسية لدى الشباب ليست مصادفة، بل نتيجة تصميم قائم على «المكافأة السريعة»: إعجاب، إشعار، فيديو جديد… دائرة لا تنتهي.
في هذا الواقع، لم تعد الخوارزميات مجرد أدوات تقنية، بل صارت لاعبا أساسيا في تشكيل الرأي العام والقرارات الفردية. والسؤال الجوهري يبقى:
إذا كانت هذه الأنظمة قادرة على توجيه ما نفكر فيه وما نشعر به، فهل ما زلنا أحرارًا في اختياراتنا؟ أم أننا أصبحنا جزءًا من لعبة خفية لا نراها؟
الوعي هو الخطوة الأولى لاستعادة السيطرة، قبل أن نتحول بالكامل إلى منتجات داخل منظومة الخوارزميات.