شاركوا هذا الخبر

في الذكرى الأولى لاستشهاد القائد يحيى السنوار: أيقونة المقاومة و"مهندس طوفان الأقصى"

تحل اليوم، السادس عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2025، الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد قائد حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، الذي ارتقى في مثل هذا اليوم من العام الماضي خلال اشتباك مباشر مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة رفح جنوب القطاع. عامٌ مضى على غياب جسد السنوار، لكن فكره وصورته كأحد أكثر وجوه المقاومة صلابةً وتأثيراً في التاريخ الحديث للصراع، لا تزال حاضرة بقوة في الذاكرة الفلسطينية.

في الذكرى الأولى لاستشهاد القائد يحيى السنوار: أيقونة المقاومة و"مهندس طوفان الأقصى"

خاص الكوثر_مقالات

من مخيم خان يونس إلى ساحات النضال
وُلد يحيى السنوار في 19 أكتوبر/تشرين الأول 1962 في مخيم خان يونس للاجئين، لأسرة فلسطينية هجّرتها نكبة 1948 من مدينة المجدل، التي احتلها الكيان الصهيوني وغير اسمها لاحقًا إلى "عسقلان".

نشأ في بيئة تغذيها المعاناة وتفجرها المآسي، وتلقى تعليمه الأساسي والثانوي في خان يونس، ثم التحق بالجامعة الإسلامية بغزة حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الدراسات العربية.

منذ شبابه المبكر، انخرط السنوار في العمل الطلابي ضمن الكتلة الإسلامية، وتدرّج في المناصب القيادية داخل مجلس طلاب الجامعة، ما مهد الطريق أمام انخراطه المبكر في العمل التنظيمي داخل حركة "حماس" منذ تأسيسها عام 1987.


مؤسس "مجد" ومرعب العملاء


في عام 1986، وبإيعاز من الشيخ المؤسس أحمد ياسين، أسس السنوار مع رفاقه خالد الهندي وروحي مشتهى الجهاز الأمني السري للحركة، والذي عُرف باسم "مجد"، وكانت مهمته الأساسية مكافحة العملاء والجواسيس، وحماية ظهر المقاومة. شكّل هذا الجهاز النواة الأولى لجهاز أمن حماس الداخلي، وأسهم في تعزيز الحصانة الأمنية للحركة الوليدة.


أسير بأربعة مؤبدات.. وصاحب الرواية خلف القضبان


لم تكن رحلة السنوار النضالية دون ثمن، فقد اعتقل لأول مرة عام 1982، وتوالت الاعتقالات حتى جاء الحكم الكبير في 1988، حين قضت محكمة الاحتلال بسجنه 4 مؤبدات (426 عامًا) بتهمة قيادة عمليات نوعية ضد قوات الاحتلال.


أمضى في السجن 23 عامًا، تعرض خلالها للعزل والتعذيب ومحاولات اغتيال معنوي وجسدي، وحرمان من زيارة أهله، لكنه حول الزنزانة إلى مدرسة إنتاج. أتقن اللغة العبرية، وقرأ في العقل الإسرائيلي، وألّف كتبًا سياسية وأمنية، من أبرزها: المجد، شوك القرنفل، وترجمات هامة مثل كتاب "الشاباك بين الأشلاء".


صفقة "وفاء الأحرار" والعودة إلى الساحة


أُفرج عنه عام 2011 ضمن صفقة تبادل الأسرى التي حررت أكثر من ألف فلسطيني مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، ليعود بعدها إلى صفوف قيادة الحركة. انتخب عضوًا في المكتب السياسي، وتولى التنسيق بين الجناحين السياسي والعسكري لحماس.


برز كقائد عسكري صارم، يُجري تقييمات داخلية، ويقيل قيادات إذا لزم الأمر. في 2015، عُين مسؤولًا عن ملف الأسرى الإسرائيليين، وفي العام نفسه صنفته واشنطن ضمن قائمة "الإرهابيين الدوليين".


رئيسًا لحماس.. من غزة إلى المكتب السياسي
في 2017، انتُخب رئيسًا لحماس في قطاع غزة، ثم أعيد انتخابه لولاية ثانية في 2021، وفي منتصف 2024 أصبح رئيس المكتب السياسي للحركة بعد استشهاد إسماعيل هنية في طهران.
قاد جهودًا لإصلاح العلاقة مع السلطة الفلسطينية ومصر، وتعرض منزله للقصف عدة مرات خلال حروب غزة.


"مهندس طوفان الأقصى"
في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت فلسطين والعالم على موعد مع عملية "طوفان الأقصى"، والتي اعتبرها الاحتلال أكبر ضربة أمنية وعسكرية يتلقاها منذ تأسيسه. واتهمت إسرائيل يحيى السنوار بالوقوف خلف التخطيط للعملية، ليصبح المطلوب الأول لديها، إلى جانب القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف.


ظل السنوار متواريًا عن الأنظار، يدير المعركة من تحت الأرض، وراوغ أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، رغم كل محاولاتها للوصول إليه.


ارتقاء القائد وخلود السيرة
في أكتوبر 2024، وبعد أكثر من عام على بدء الحرب، استشهد القائد يحيى السنوار في مواجهة مع قوات الاحتلال في رفح. وقد أعلنت حركة حماس نبأ استشهاده، مؤكدة أن درب المقاومة لن يتوقف، وأن دماء قادتها تزيدها قوة وصلابة.

 

العصا التي أصبحت أيقونة

لم تكن العصا الخشبية البسيطة التي حملها يحيى السنوار مجرد أداة يتكئ عليها، بل تحولت في وعي الفلسطينيين إلى رمزٍ للصمود والتحدي والثبات. رافقته هذه العصا في جولاته ولقاءاته، وحتى في لحظاته الأخيرة، لتعكس صورة قائد متجذر في أرضه، بسيط في مظهره، لكنه قوي في موقفه.

الصورة التي خلدت مشهد استشهاده، والتي انتشرت بشكل واسع، أظهرته جالساً على أريكة وسط منزل مدمر بالكامل، محاطاً بالركام، وهو يمسك بعصاه بثبات، في مشهد جسّد تحدياً هادئاً للموت والدمار.

هذه الصورة حولت العصا إلى أيقونة تروي حكاية مقاومٍ لم ينحنِ حتى الرمق الأخير.


إرث لا يُنسى
يظل يحيى السنوار شخصية قيادية استثنائية جمعت بين العقل الأمني الصلب، والنهج السياسي الهادئ، والالتزام العقائدي الراسخ. لم يكن فقط مقاتلًا، بل مفكرًا، ومفاوضًا، وصاحب رؤية استراتيجية عميقة.


في الذكرى الأولى لاستشهاده، يستذكره الفلسطينيون كأحد أعمدة المقاومة، وأحد أهم صناع قرار المواجهة في غزة، وأحد وجوه الكرامة الوطنية في زمن الاحتلال والتخاذل.
رحل "أبو إبراهيم"، لكن حضوره باقٍ في كل خندق، وكل نفق، وكل كلمة صادقة تلهج بها أفواه الأحرار:المجد للشهداء، والحرية لفلسطين.

أهم الأخبار

الأكثر مشاهدة