الكوثر - فلسطين
خلال سنتين من العدوان الصهيوني الهمجي على القطاع، كان الأسرُ ذبيحةً لا تُرى إلا في الصور والقلوب، وفِجَواتُ البعد تزدادُ عمقًا.
ومع إعلان الهدنة قبل أيامٍ، فتحت الأبوابُ بين خنادق العداء ليتبادل طرفا النزاع قوائمَ الأسرى، وها هو اليوم التحوّل: أفرجت حركة المقاومة الإسلامية حماس عن العشرات من الجنود الصهاينة وعلى الجانب الآخر سلّم الكيان الصهيوني قرابة ألفين من الفلسطينيين إلى ذويهم — بعضهم أمضى أعوامًا في الاعتقال، وبعضهم تم اقتيادُه في رحى المواجهة الأخيرة.
هذا التبادل، ليس ببدعة على مسرح التاريخ بل فصيلة من سرده الطويل: من صفقة “جلعاد شاليط” في 2011 التي حرّرت أكثر من ألف أسيرٍ فلسطيني مقابل إسرائيليٍ واحدٍ محتجز، إلى صفقاتٍ أخرى تعاقبت في عقودٍ من الفعل وردّ الفعل.
في نفس العام (2011)، وبعد صفقة شاليط، أبرمت حماس مع "إسرائيل" صفقة أخرى أُطلق عليها اسم "وفاء الأحرار"، تم بموجبها الإفراج عن 1027 أسيرًا فلسطينيًا مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. هذه الصفقة كانت بمثابة تجسيد لإرادة حماس في تحرير الأسرى الفلسطينيين.
إقرأ أيضاً:
بينما الهدنةُ الأخيرة، ليست انتهاءً تامًا للحرب، بل استراحةٌ تكشفُ الوجه الإنساني الخفيّ؛ استراحة تُتيحُ لمساحات اللقاء، لعائلاتٍ ناشِدةٍ رؤيةَ من طال بهم البُعد، وللقلوب أن تتنفّس بعد أن كَبَلتها الثورةُ والصورةُ الموجوعة.
لكن خلف فرحة الإفراج، تتراءى خيالاتُ الألم: لحظاتُ الأسى، صرخات المختطفين، الأيام التي تبعّدت فيها نظرات العيون، وعودةُ الحرية التي تحتاج إلى دفء العدل وإشراقِ البِناء لتُستأنَف.
الآن، حين يعبرُ أولُ الأسرى في جناح الرجوع، يتحوّل السؤالُ إلى لحنٍ متعلثم: هل تكفي هذه اللحظة لتكون جسراً بين الألم والمصالحة؟ أم أنها لقطةٌ في ألبوم النزاع، تنتظر أن يُعاد تصويرها من جديد؟
والتاريخُ يراقبُنا بأصابعٍ قديمةٍ، لكنه اليوم، بعودةِ الأسير إلى سقف البيت، وبدمعةِ أمٍ تنتظِر إعادة الأحبة، يُشهدُ أن الأملَ حصان لا يُبرد في الزلازل، وأن الحبَّ وحده يحرّرُ من القيودِ في يومِ الحربِ والرهبة.