لماذا لُقب الامام زين العابدين بـ "ذي الثفنات"

الأربعاء 25 سبتمبر 2019 - 10:01 بتوقيت مكة
لماذا لُقب الامام زين العابدين بـ "ذي الثفنات"

اسلاميات_الكوثر: يُعدُّ لقبُ (ذي الثفنات) من الألقاب المشهورة للإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، وقد ذكره عددٌ من المؤرخين، واللغويين، والمفسرين، فضلًا عن الشعراء في مواقفَ مختلفة، وقبل الشروع في ذكر هذه المواقف نذكر معنى (الثفنات) في لغة العرب .

        فالثفناتُ لفظٌ مشتقٌّ من الفعل (ثَفَنَ)، ومفردُهُ: (ثَفِنَةٌ)، و"الثَّفِنَةُ: واحدة ثَفِناتِ البعير، وهي ما يقع على الأرض من أعضائه إذا استناخ وغَلُظ، كالركبتين وغيرهما"، والفعلُ (ثَفَنَ) معناه: "مُلَازَمَةُ الشَّيْءِ الشَّيْءَ. قَالَ الْخَلِيلُ: ثَفِنَاتُ الْبَعِيرِ: مَا أَصَابَ الْأَرْضَ مِنْ أَعْضَائِهِ فَغَلُظَ كَالرُّكْبَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا".

ويفهمُ من معنى الفعل وهو ملازمةُ الشيءِ الشيءَ أنَّ هذه الملازمةَ يترتَّبُ عليها ظهور ما يسمى بـ(الثفنة)، وهو ما يؤكِّدُ سبب إطلاقِ هذا اللقب على الإمامِ عليٍّ بن الحُسين (عليه السلام)؛ إذ إنَّ كَثْرَةَ ملازمتِهِ الأرض للصلاة، أدَّى إلى ظهورِ هذه الثفنات التي تشبه ثفنات البعير من هذه الجهة.

وهذه المشابهةُ ذكرها اللغويون، وصرَّحوا باسم الإمام (عليه السلام)، وإن ذكروا معه أشخاصًا أُخَر، قال أبو منصور الثعالبي (ت429هـ): "كَانَ يُقَال لكل من علي بن الْحُسَيْن بن علي وعَلي بن عبد الله بن الْعَبَّاس ذُو الثفنات لما على أعضاء السُّجُود مِنْهُمَا من السجادات الشبيهة بثفنات الْإِبِل وَذَلِكَ لِكَثْرَة صلاتهما"، وقال الفيروز آبادي (ت817ه): "وذُو الثَّفِناتِ: علِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ، وقيل: هو عَلِيُّ بنُ عبدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ، وكانَتْ له خمسُ مئةِ أصلِ زَيتونٍ، يُصَلِّي عند كُلِّ أصْلٍ رَكْعَتَيْنِ كُلَّ يومٍ، وعبدُ اللهِ بنُ وهْبٍ رَئيسُ الخوارِجِ؛ لأَنَّ طولَ السُّجودِ أثَّرَ في ثَفِناتِه". وقال الزَّبيدي (ت1205ه): "(ذُو الثَّفِناتِ) هُوَ لَقَبُ [أبي] محمدٍ (عليُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عليَ) المَعْروف بزَيْنِ العَابِدِيْن والسَّجَّاد، لُقِّبَ بذلِكَ؛ لأَنَّ مَساجدَهُ كانَتْ كثَفِنَةِ البَعيرِ مِن كثْرَةِ صَلاتِه، رضِيَ اللَّهُ تعالَى عَنهُ" .

        ويبدو أنَّ هذا اللقب اشتُهرَ للإمام (عليه السلام) أكثر من غيره؛ وذلك لتقدُّمِ اسمه على غيره ممَّن ذكره اللغويون والمفسرون والمؤرخون، فضلًا عن شهرة الإمام بألقابٍ مرادفةٍ لمعنى هذا اللقب كـ(السَّجاد)، و(سيَّد السَّاجدين)، و(زين العابدين) .

        ولو ألقينا نظرةً على تركيبِ (ذي الثَّفناتِ) نحويًّا، لوجدناهُ يتألَّفُ من مضافٍ، ومضافٍ إليه، ففالمضاف (ذي) هو من الأسماء الستة، التي تُلازمُ الإضافةَ، وتُعربُ بالحروف.

ويُضاف إلى اسم ظاهر، ولا يُضافُ إلّا إلى اسمِ جنسٍ ظاهر غير وصف، نحو قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [سورة البقرة/ من الآية ١٠٥]، وفروعه هي: (ذوا وذوات وذات وذوات)، وتلحق بها (أولو وأولات)([19])، واختُلِفَ في بناء (ذو)، قال المرادي: "مذهب سيبويه أن "ذو" بمعنى صاحب وزنها فَعَلَ بالتحريك، ولامها ياء، ومذهب الخليل أن وزنها فَعْل -بالإسكان- ولامها واو، فهي من باب قوة. وقال ابن كيسان: محتمل للوجهين جميعا".

        أمَّا المفسرون، فكان لقبُ (ذي الثفنات) شاهدًا لهم في تفسيرِ قولِهِ تعالى: ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [سورة الفتح/ من الآية ٢٩]؛ قال الزمخشري (ت538ه): "والسيمياء، والمراد بها السمة التي تحدث في جبهة السجاد من كثرة السجود، وقوله تعالى: (مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) يفسرها، أي: من التأثير الذي يؤثره السجود، وكان كل من العليين: علي بن الحسين زين العابدين، وعلي بن عبد الله بن عباس أبي الأملاك، يقال له: ذو الثفنات؛ لأنَّ كثرة سجودهما أحدثت في مواقعه منهما أشباه ثفنات البعير. وقرئ: من أثر السجود، ومن آثار السجود، وكذا عن سعيد ابن جبير: هي السمة في الوجه".

     وقد ورد في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية أنّه قال: "هو السهر في الصلاة". وقال الفرَّاء (ت207ه): " وقوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ. وهي الصفرة من السهر بالليل". ونقل أبو حيَّان (ت745ه) أقوالًا مختلفةً في معنى (سيماهم)، منها قولُهُ: "قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: كَانَتْ جِبَاهُهُمْ مُنِيرَةً مِنْ كَثْرَةِ السُّجُودِ فِي التُّرَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَخَالِدٌ الْحَنَفِيُّ، وَعَطِيَّةُ: وَعْدٌ لَهُمْ بِأَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: السَّمْتُ: الْحُسْنُ وَخُشُوعٌ يَبْدُو عَلَى الْوَجْهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَمَعْمَرُ بْنُ عَطِيَّةَ: بَيَاضٌ وَصُفْرَةٌ وَبَهِيجٌ يَعْتَرِي الْوَجْهَ مِنَ السَّهَرِ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: حُسْنٌ يَعْتَرِي وُجُوهَ الْمُصَلِّينَ".

ويُلاحظُ أنَّ المعاني المذكورة في هذه الآية توافقُ – جميعها – السيرةَ الحسَنَةَ التي عُرِفَ بها الإمامُ عليُّ بن الحسين (عليه السلام)؛ إذ كان "أفضلَ أهلِ زمانه، وأحسنهم طاعة" ، وقال عنه ابن حجر العسقلاني (ت852ه): "علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، زين العابدين [ذو الثفنات]، ثقة، ثبت، عابد، فقيه، فاضل مشهور، قال ابن عيينة عن الزهري: ما رأيت قرشيًّا أفضل منه".

أمَّا أهلُ الأدبِ، فأوَّلُ من ذكر هذا اللقب، هو الشاعرُ دعبل الخزاعي (ت246ه)، عندما دخل على الإمام علي بن موسى الرِّضا (عليه السلام)، فَقَالَ: يَا بْنَ رَسُول الله إِنِّي قلت فِيكُم (أهل الْبَيْت) قصيدة وآليت على نَفسِي لَا أنشدها أحدًا قبلك، فَقَالَ لَهُ الرِّضَا: هَاتِهَا فَأَنْشد([27]): (من الطَّوِيل)

ذكرتُ مَحلَّ الرَّبْعِ مِنْ عَرَفَاتِ
 

 

فأَجْرَيْتُ دَمْعَ العَيْنِ بالعَبَرَاتِ
 

وقَدْ عَزَّنِي صَبْرِي وهاجَتْ صبابتي
 

رُسُومُ دِيَارٍ قَفرةٍ ةٍ وَعِرَاتِ
 

مَدَارسُ آياتٍ خلَتْ من تلاوةٍ
 

وَمَنْزل وَحْىٍ مُقْفِر العَرَصَاتِ

لآلِ رَسُولِ اللهِ بِالخيفِ مِنَّ مِنّى
 

وبَالبَيْتِ والتَّعْرِيفِ والجَمَرَاتِ

ديار عليِّ والحسينِ وجعفرٍ

وحمزةَ والسجادِ ذِي الثفناتِ

دِيَارٌ لعَبْدِ اللهِ والفَضْلِ صِنْوِهِ

نَجِيِّ رَسُولِ الله فِي الخلواتِ

إذ ورد هذا اللقب في البيت الخامس من القصيدة، ذاكرًا قبله لقبًا آخرَ من ألقاب الإمام (عليه السلام)، وهو لقبُ (السجاد)، وقد كان في صددِ ذكرِ عددٍ من بيوتِ آلِ محمدٍ في المدينة.      وفي خبر آخر نُقِلَ عن دعبل الخزاعي ذَكَرَ فيه لقبَ (ذي الثفنات) في أبياتٍ قالها في عمر بن عاصم الكلابي (ت)، وعندما سُئلَ: ممَّن أنت؟ كره أن يقول لهم من خزاعة فيهجوهم، فقال: أنا أنتمي إلى القوم الذي يقول فيهم الشاعر:

أناس علي الخير منهم وجعفر

وحمزة والسجاد ذو الثفنات

إذا فخروا يوماً أتوا بمحمد

وجبريل والفرقان والسورات

فوثب الأعرابي وهو يقول: مالي إلى محمد وجبريل والفرقان والسورات مرتقى، ما إلى هؤلاء مرتقى.

وورد ذكرُ هذا اللقب على لسان الفضل بن الحسن الطّبرسيّ في أبياتٍ نُسِبت له نظمها في عهد الصبا، منها هذه الأبيات: ([29])

إلهي بحقّ المصطفى ووصيّه

وسبطيه والسجّاد ذي الثّفنات

وباقر علم الأنبياء وجعفر

وموسى نجيّ الله في الخلوات

وبالطّهر مولانا الرضا ومحمد

تلاه علي خيرة الخيرات
 

وبالحسن الهادي وبالقائم الذي
 

 

يقوم على اسم الله بالبركات
 

أنلني إلهي ما رجوت بحبهم
 

وبدّل خطيئاتي بهم حسنات
 

أمَّا ذكرُ هذا اللقب عند المؤرخين، فقد أكَّد معظمهم أنَّ ولدَهُ الإمامَ الباقر (عليه السلام) قال: "كان لأبي في موضع سجوده آثار ثابتة يقطعها في كل سنة من طول سجوده، وكثرته". وفي رواية الصدوق عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: "كان أبي (عليه السلام) في موضع سجوده آثار ناتئة، وكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات سمّي ذو الثفنات لذلك".

ومن ثَمَّ أصبح هذا اللقب مشهورًا عند المؤرخين بنسبته إلى الإمام (عليه السلام)، بل إنَّ بعضهم لم يشرك معه أحد. قال يوسف بن عبد الرحمن أبو محمد القضاعي الكلبي المزّي (ت742هـ): " ذو الثفنات: علي بْن الحسين بْن علي بْن أَبي طالب زين العابدين سمي بذلك؛ لأنه كان يصلى كل يوم ألف ركعة، فصار في ركبتيه مثل ثفنات البعير" . وقال ابن حجر العسقلاني: "علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي زين العابدين [ذو الثفنات] ثقة ثبت عابد فقيه فاضل مشهور" .

المصدر: العتبة الحسينية المقدسة

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأربعاء 25 سبتمبر 2019 - 09:58 بتوقيت مكة