الامامة في القرآن

الثلاثاء 23 إبريل 2019 - 10:53 بتوقيت مكة
الامامة في القرآن

ورد ذکر الإمامة و الائمّة في موارد متعددة في القرآن الکريم و کلّها ترجع الي ذات المعنى اللغوي، و هو إنّه عندما ينجذب فريق من البشر الى فرد ما يتخذونه مثالاً و نموذجاً و قائدا لهم، فهم يترسمون خطاه و يسيرون في خطّه، بغض النظر عن حقيقته واتجاهه.


 

قال تعالى:﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾ 1.

 

وقال تعالى:﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ 2.

 

فربّما کانوا صالحين و ربّما کانوا أشراراً ظالمين.

 

قال تعالى في فرعون و ملئه:﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ 3.

 

وقال سبحانه:﴿ ... فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ﴾ 4.

 

و ربّما يصبح الکتاب إماما هادياً کما نري ذلک في قوله تعالى:﴿ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ... ﴾ 5.

 

وقال تعالى:﴿ ... وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ 6.

 

و يستفاد من الآيات القرآنية انّ کلّ مجموعة بشرية سواء کانت علي حقّ أو باطل تتبع فرداً و تتخذه قدوة تتمثل سيرته و فکره و رؤاه، فإنّه يعدّ إماماً لها، و ستحشر معه يوم القيامة، فإن کان محسناً قاد قومه الى الجنّة، و ان کان مسيئاً هوي بنفسه و باتباعه الى قرار الجحيم. قال تعالى:﴿ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا * وَمَنْ كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ 7.

 

ولقد کان الأنبيا ء وعلي امتداد التاريخ أئمة صالحين، و کان زعماء الکفر و رؤوس الاستکبار أئمة طالحين، و ستستمر هذه الظاهرة الى يوم الدين، مع التأکيد ان إمامة المتقين والصالحين لن تکون نصيب المنحرفين عن التقوي والصلاح و کانوا ظالمين.

 

قال تعالى:﴿ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ 8.

 

وتنطوي هذه الآية علي دلالات عديدة؛ منها:

 

ان احراز مقام الإمامة يتطلّب استعداداً ذاتياً و صفاءً روحياّ عالياّ، إذ لا يمکن أن تکون نصيب کلّ من هب و دبّ. ولم ينلها إبراهيم (عليه السلام) إلّا بعد أن رأي ببصيرته ملکوت السموات و الأرض، و سما الي مرتبة اليقين، و لقد ابتلاه الله بنار النمرود ثم بذيح ابنه إسماعيل و امتحانات اخري اجتازها الخليل بنجاح حتي أصبح أهلاً للأمامة فنصّبه الله لها.

 

ان الآية تشيرالي ان مقام الإمامة شأن إبراهيم و کانت أسمي من النبوّة لإنّها جاءت متأخرة عن النبوّة بل في شيخوخته.

 

وماذکرناه يتعلّق بإبراهيم الخليل (عليه السلام) ولا يعني أبداً ان کلّ إمامة هي أسمي من منزلة النبوّة ؛ ذلک انّ لکلّ منهما درجات و مراتب فقد تسمو نبوّة بعض الرسل علي إمامة غيرهم، و من الممکن أن تکون نبوّة سيّدنا محّمد (صلي الله عليه و آله و سلم) أسمي من إمامة ابراهيم الخليل (عليه السلام).

 

ويستفاد من الآية أيضاً احتمال اجتماع الإمامة مع النبوّة في شخص مرتبطاً بالله بطريق الوحي يتلقي عنه حقائق العالم، و مرتبطاً بالناس و الأئمّة، علي صعيد العمل کقدوة و اسوة.

 

ان من شروط الإمامة انتقاء المعاصي و الذنوب عن شخص الإمام، و هو ما يصطلح عليه بالعصمة، فمن کان ظالماً لايکون أهلاً للإمامة.

 

ان سيّدنا إبراهيم نال درجة الإمامة بعد أن کان نبيّاً و کان مبلّغاً للوحي والشريعة و أحکام الله ثم اختاره الله إماماً. ومن هنا نفهم ان مقام الإمامة للناس هي هداية خاصّة تختلف عن هداية الأنبياء.

 

ان الإمامة عهد الهي يثبت بالنص، و هي ليست من خيارات البشر وآرائهم.

 

قال تعالى:﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ 9.

 

فالإمامة درجة رفيعة تتطلب صلاحاً و أهلية و قابلية ذاتية. فمن أراد أن يکون إماماً، يتوجب عليه أن يطوي مراحل من الخلوص الروحي و الصفاء النفسي. والآية الکريمة تنطوي علي إشارتين حول هذا الموضوع:

 

الأوّلى: ان احراز الإمامة يتطلب صبراً عظيما و ثباتاً کبيراً في مواجهة المحن و الإبتلاءات الإلهية، و التحلي بأقصي درجات ضبط النفس و الاستقامة الکاملة في الحياة و في کلّ الظروف.

 

الثانية: إنّها تتطلب يقيناً عالياً و ايماناً عميقاً تندمج فيه عوالم الشهادة بالغيب فتتفتح البصيرة لتري کما يري البصر الأشياء، وهو ما عبّرت عنه الآية الکريمة: ﴿ وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ 10.11

 

1. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 73، الصفحة: 328.

2. القران الكريم: سورة الفرقان (25)، الآية: 74، الصفحة: 366.

3. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 41، الصفحة: 390.

4. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 12، الصفحة: 188.

5. القران الكريم: سورة الأحقاف (46)، الآية: 12، الصفحة: 503.

6. القران الكريم: سورة يس (36)، الآية: 12، الصفحة: 440.

7. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 71 و 72، الصفحة: 289.

8. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 124، الصفحة: 19.

9. القران الكريم: سورة السجدة (32)، الآية: 24، الصفحة: 417.

10. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 75، الصفحة: 137.

11. من کتاب دراسة عامة في الامامة

 

آية الله الشيخ ابراهيم الاميني

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الثلاثاء 23 إبريل 2019 - 10:53 بتوقيت مكة