هل تعلم...ما هو الحائر الحسيني ولماذا سمي بهذا الإسم؟

الأربعاء 5 سبتمبر 2018 - 16:43 بتوقيت مكة
هل تعلم...ما هو الحائر الحسيني ولماذا سمي بهذا الإسم؟

لعل تسمية قبر الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) و البقعة المُحيطة به بالحائر أطلقت لأول مرة ...

الشيخ صالح الكرباسي

الحائِرُ الحُسينيُ مُصطلحٌ يُطلَقُ على البقعة الطاهرة التي تحتضن قبر الإمام الحسين بن علي ( عليه السَّلام ) و شيئاً من أطرافه في كربلاء ، و تُطلقُ نسبة الحائري على المنسوب إلى الحائر الحسيني و المجاور له .

و لقد تكرر ذِكرُ لفظة " حائر " و " حَير " في الروايات و الأحاديث خاصة تلك التي تطرَّقت لزيارة الإمام الحسين( عليه السَّلام ) ، أو تلك التي تحدثت عن أحكام التخيير بين التمام و القصر في الصلاة بالنسبة إلى المسافر الذي يكون في الحائر الحُسيني .

تاريخ التسمية بالحائر :

لعل تسمية قبر الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) و البقعة المُحيطة به بالحائر أطلقت لأول مرة من قِبل الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) ، حيث أن هذه التسمية نجدها في أحاديثه التي تطرقت لزيارة الحسين ( عليه السَّلام ) ، و لم نجد هذه التسمية في أحاديث غيره من الأئمة السابقين له ( عليهم السلام ) .

فعن الحسن بن عطية عن أبي عبد الله ( عليه السَّلام ) أنه قال : " إذا دخلت الحير و في بعض النسخ الحائر ـ فقل : ..."

و عن ثوير بن أبي فاختة عن أبي عبد الله ( عليه السَّلام ) في وصف زيارته : " حتى تصير إلى باب الحائر أو الحير ... "

سبب التسمية بالحائر :

لعل السبب في تسمية الروضة الحسينية الشريفة بالحائر أو الحَير يعود لأكثر من سبب ، و لم يتَّضح لنا سبب إطلاق الإمام الصادق هذه التسمية على القبر الشريف و ما أحاط به .

لكن يبدو أن هذه التسمية تجددت في وقت لاحق لسبب آخر و لحادثة تاريخية ، و قبل الإشارة إلى هذه الحادثة لا بد و أن نُشير إلى المعنى اللغوي للفظة " الحائر " و كذلك " الحَير " .

قال العلامة الطُريحي ( رحمه الله ) : الحائر و هو في الأصل مجمع الماء ، و يراد به حائر الحسين ( عليه السَّلام ) ، و هو ما حواه سور المشهد الحسيني على مشرفه السلام .

تجدد التسمية بالحائر :

يبدو أن تجدد تسمية هذه البقعة المباركة بالحائر يعود إلى حادثة تاريخية تجَلَّت فيها كرامة الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) للصديق و العدو ، و مُلخَّصُ تلك الحادثة أن المتوكل العباسي  كان شديد الحقد و البغض بالنسبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) بصورة خاصة ، و البيت العلوي بصورة عامة ، لذلك فقد عَمَدَ في محاولات متكررة إلى هدم ضريح الحسين ( عليه السَّلام ) و نبش قبره الشريف و حرث تلك البقعة الطاهرة و إجراء الماء عليها في محاولة يائسة و جبانة منه لمحو معالم هذا القبر الشريف و الحيلولة دون زيارة الموالين لأهل البيت( عليهم السلام ) لقبر مولاهم الحسين ( عليه السَّلام ) ، خاصة لمَّا رأى أن تأثير قضية الحسين ( عليه السَّلام ) و نهضته المباركة اتَّسعت رقعته و إمتدَّ تأثيره حتى وصل إلى بلاط حكمه، فقد اكتشف أن عدداً من المُحيطين به يزورون قبر الحسين ( عليه السَّلام ) سراً رغم المنع الشديد و العقاب الأليم الذي كان يفرضه على من يزور هذا القبر الطاهر .

قال الحافظ جلال الدين السيوطي(1) : و في سنة ست و ثلاثين (أي سنة 236 هجرية) أمر بهدْم قبر الحسين ، و هدْمِ ما حوله من الدور ، و أن يعمل مزارع ، و منع الناس من زيارته ، و خُرِّب ، و بقي صحراء .و كان المتوكل معروفا بالتعصب ، فتألم المسلمون من ذلك ، و كتب أهل بغداد شَتمهُ على الحيطان و المساجد ، و هجاه الشعراء ، فمما قيل في ذلك :

بالله إن كانت أمية قد أتت *** قتل ابن بنت نبيها مظلوماً

فلقد أتاه بنو أبيه بمثله *** هذا لعمري قبره مهدوماً

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا *** في قتله ، فتتبّعوه رميماً (تاريخ الخلفاء : 347 ، للحافظ جلال الدين السيوطي)

ظهور الكرامة الحسينية :

يقول إبراهيم الديزج  الذي أمره المتوكل بهدم قبر الحسين ( عليه السَّلام) :

بعثني المتوكل إلى كربلاء لتغيير قبر الحسين ( عليه السَّلام ) ، و كتب معي إلى جعفر بن محمد بن عمَّار القاضي : أعلمك أني قد بعثت إبراهيم الديزج إلى كربلاء لينبش قبر الحسين ، فإذا قرأت كتابي فقف على الأمر حتى تعرف فَعَلَ أو لم يفعل .

قال الديزج : فعرفني جعفر بن محمد بن عمَّار ما كتب به إليه ، ففعلت ما أمرني به جعفر بن محمد بن عمَّار ثم أتيته .فقال لي : ما صنعت ؟فقلت : قد فعلت ما أمرت به فلم أر شيئا و لم أجد شيئا .فقال لي : أ فَلا عمقته ؟قلت : قد فعلت فما رأيت .

فكتب إلى السلطان أن إبراهيم الديزج قد نبش فلم يجد شيئا ، و أمرته فمخره بالماء و كربه بالبقر .

قال أبو علي العماري(2): فحدثني إبراهيم الديزج و سألته عن صورة الأمر فقال لي :

أتيت في خاصة غلماني فقط و إني نبشت فوجدت بارية جديدة و عليها بدن الحسين بن علي و وجدت منه رائحة المسك فتركت البارية على حالها و بدن الحسين على البارية و أمرت بطرح التراب عليه و أطلقت عليه الماء و أمرت بالبَقَر لتمخره (3) و تحرثه فلم تطأه البقر ، و كانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه ، فحلفت لغلماني بالله و بالأيمان المغلظة لئن ذكر أحد هذا لأقتلنه(4) .

و هكذا لم يتحقق ما أراده المتوكل من محو معالم القبر الشريف بإجراء الماء عليه و توقف الماء و أحاط بتلك البقعة المباركة دون أن يغمرها ، فسُميت تلك البقعة بالحائر ، أو الحائر الحُسيني .

و قال العلامة المُحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي ( حفظه الله ) : و لعله لهذا السبب تجدد تسميته بالحائر لإرتفاع الماء حوله ، و إن كانت التسمية قد أطلقها الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ـ سنة ـ ( 148 هجرية ) من قبل (5).

و شاء الله عَزَّ و جَلَّ أن يبقى ذكرُ الحسين ( عليه السَّلام ) خالداً و نوره مُضيئاً رغم محاولات أعداء الدين الإسلامي ، فكان كما وعد الله جَلَّ جَلالُه و قال : ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ ، الأمر الذي يبدو واضحاً و جلياً للجميع في عصرنا الحاضر ، فهذه الملايين تتوافد اليوم بلهفة من أنحاء العالم لزيارة هذا المرقد الطاهر .

حدود الحائر الحسيني :

يبدو كما أسلفنا أن الحائر ـ كما قال العلامة الطُريحي ( رحمه الله ) ـ : هو في الأصل مجمع الماء ، و يراد به حائر الحسين ( عليه السَّلام ) ، و هو ما حواه سور المشهد الحسيني على مشرِّفه السلام .

كما يبدو من كلام العلامة الطُريحي ( رحمه الله ) أن سُوراً كان قد بُني في الموضع الذي تجمَّع عنده الماء ( الحائر ) ، و عليه فإن حدود ذلك السُور و الحائر متحدتان .

وَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ :" لِمَوْضِعِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ(عليه السلام ) حُرْمَةٌ مَعْلُومَةٌ مَنْ عَرَفَهَا وَ اسْتَجَارَ بِهَا أُجِيرَ " .قُلْتُ : صِفْ لِي مَوْضِعَهَا .

قَالَ :" امْسَحْ مِنْ مَوْضِعِ قَبْرِهِ الْيَوْمَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ قُدَّامِهِ ، وَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً عِنْدَ رَأْسِهِ ، وَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ نَاحِيَةِ رِجْلَيْهِ ، وَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ خَلْفِهِ ... ".

و من المعلوم أن الذراع الواحد يعادل 45.83 سنتيمتراً تقريباً ، و بذلك يكون قطر الحائر 45.83 في 50 = 22.915 متراً ...

الهوامش:

 (1) الحافظ جلال الدين بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة : 911 هجرية .

المقربين لدى العباسيين ، تولَّى قيادة الشرطة لأكثر من مرة ، كان حياً حتى سنة : 251 هجرية ، و الصحيح أنه توفى سنة : 247 هجرية ، أي بعد يومين من هلاك المتوكل ، و الديزج كلمة فارسية تعني الحمار الأدغم .

لمزيد من التفصيل يراجع : دائرة المعارف الحسينية : الجزء الأول من تاريخ المراقد : 273 الهامش .

(2) قال العلامة المُحقق آية الله الكرباسي ( حفظه الله ) : و جاء في بعض المصادر القماري ن لم تتضح لنا شخصيته ، و لعله كنية القاضي جعفر بن محمد بن عمَّار المُتقدم الذكر ، و الله العالم . دائرة المعارف الحسينية : الجزء الأول من تاريخ المراقد : 273 ، الهامش .

(3) قال العلامة المجلسي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) : يُقال مخرت الأرض أي أرسلت فيه الماء ، و السفينة إذا جرت تشق الماء مع صوت .

(4) بحار الأنوار : 45 / 395 ، نقلاً عن كتاب الأمالي للشيخ الطوسي .

(5)دائرة المعارف الحسينية : تاريخ المراقد : 1 / 278 .

المصدر:مركز الإشعاع الإسلامي

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأربعاء 5 سبتمبر 2018 - 14:06 بتوقيت مكة