شاركوا هذا الخبر

هل تعلم...ما هو الحائر الحسيني ولماذا سمي بهذا الإسم؟

لعل تسمية قبر الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) و البقعة المُحيطة به بالحائر أطلقت لأول مرة ...

هل تعلم...ما هو الحائر الحسيني ولماذا سمي بهذا الإسم؟

الشيخ صالح الكرباسي

الحائِرُ الحُسينيُ مُصطلحٌ يُطلَقُ على البقعة الطاهرة التي تحتضن قبر الإمام الحسين بن علي ( عليه السَّلام ) و شيئاً من أطرافه في كربلاء ، و تُطلقُ نسبة الحائري على المنسوب إلى الحائر الحسيني و المجاور له .

و لقد تكرر ذِكرُ لفظة " حائر " و " حَير " في الروايات و الأحاديث خاصة تلك التي تطرَّقت لزيارة الإمام الحسين( عليه السَّلام ) ، أو تلك التي تحدثت عن أحكام التخيير بين التمام و القصر في الصلاة بالنسبة إلى المسافر الذي يكون في الحائر الحُسيني .

تاريخ التسمية بالحائر :

لعل تسمية قبر الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) و البقعة المُحيطة به بالحائر أطلقت لأول مرة من قِبل الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) ، حيث أن هذه التسمية نجدها في أحاديثه التي تطرقت لزيارة الحسين ( عليه السَّلام ) ، و لم نجد هذه التسمية في أحاديث غيره من الأئمة السابقين له ( عليهم السلام ) .

فعن الحسن بن عطية عن أبي عبد الله ( عليه السَّلام ) أنه قال : " إذا دخلت الحير و في بعض النسخ الحائر ـ فقل : ..."

و عن ثوير بن أبي فاختة عن أبي عبد الله ( عليه السَّلام ) في وصف زيارته : " حتى تصير إلى باب الحائر أو الحير ... "

سبب التسمية بالحائر :

لعل السبب في تسمية الروضة الحسينية الشريفة بالحائر أو الحَير يعود لأكثر من سبب ، و لم يتَّضح لنا سبب إطلاق الإمام الصادق هذه التسمية على القبر الشريف و ما أحاط به .

لكن يبدو أن هذه التسمية تجددت في وقت لاحق لسبب آخر و لحادثة تاريخية ، و قبل الإشارة إلى هذه الحادثة لا بد و أن نُشير إلى المعنى اللغوي للفظة " الحائر " و كذلك " الحَير " .

قال العلامة الطُريحي ( رحمه الله ) : الحائر و هو في الأصل مجمع الماء ، و يراد به حائر الحسين ( عليه السَّلام ) ، و هو ما حواه سور المشهد الحسيني على مشرفه السلام .

تجدد التسمية بالحائر :

يبدو أن تجدد تسمية هذه البقعة المباركة بالحائر يعود إلى حادثة تاريخية تجَلَّت فيها كرامة الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) للصديق و العدو ، و مُلخَّصُ تلك الحادثة أن المتوكل العباسي  كان شديد الحقد و البغض بالنسبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) بصورة خاصة ، و البيت العلوي بصورة عامة ، لذلك فقد عَمَدَ في محاولات متكررة إلى هدم ضريح الحسين ( عليه السَّلام ) و نبش قبره الشريف و حرث تلك البقعة الطاهرة و إجراء الماء عليها في محاولة يائسة و جبانة منه لمحو معالم هذا القبر الشريف و الحيلولة دون زيارة الموالين لأهل البيت( عليهم السلام ) لقبر مولاهم الحسين ( عليه السَّلام ) ، خاصة لمَّا رأى أن تأثير قضية الحسين ( عليه السَّلام ) و نهضته المباركة اتَّسعت رقعته و إمتدَّ تأثيره حتى وصل إلى بلاط حكمه، فقد اكتشف أن عدداً من المُحيطين به يزورون قبر الحسين ( عليه السَّلام ) سراً رغم المنع الشديد و العقاب الأليم الذي كان يفرضه على من يزور هذا القبر الطاهر .

قال الحافظ جلال الدين السيوطي(1) : و في سنة ست و ثلاثين (أي سنة 236 هجرية) أمر بهدْم قبر الحسين ، و هدْمِ ما حوله من الدور ، و أن يعمل مزارع ، و منع الناس من زيارته ، و خُرِّب ، و بقي صحراء .و كان المتوكل معروفا بالتعصب ، فتألم المسلمون من ذلك ، و كتب أهل بغداد شَتمهُ على الحيطان و المساجد ، و هجاه الشعراء ، فمما قيل في ذلك :

بالله إن كانت أمية قد أتت *** قتل ابن بنت نبيها مظلوماً

فلقد أتاه بنو أبيه بمثله *** هذا لعمري قبره مهدوماً

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا *** في قتله ، فتتبّعوه رميماً (تاريخ الخلفاء : 347 ، للحافظ جلال الدين السيوطي)

ظهور الكرامة الحسينية :

يقول إبراهيم الديزج  الذي أمره المتوكل بهدم قبر الحسين ( عليه السَّلام) :

بعثني المتوكل إلى كربلاء لتغيير قبر الحسين ( عليه السَّلام ) ، و كتب معي إلى جعفر بن محمد بن عمَّار القاضي : أعلمك أني قد بعثت إبراهيم الديزج إلى كربلاء لينبش قبر الحسين ، فإذا قرأت كتابي فقف على الأمر حتى تعرف فَعَلَ أو لم يفعل .

قال الديزج : فعرفني جعفر بن محمد بن عمَّار ما كتب به إليه ، ففعلت ما أمرني به جعفر بن محمد بن عمَّار ثم أتيته .فقال لي : ما صنعت ؟فقلت : قد فعلت ما أمرت به فلم أر شيئا و لم أجد شيئا .فقال لي : أ فَلا عمقته ؟قلت : قد فعلت فما رأيت .

فكتب إلى السلطان أن إبراهيم الديزج قد نبش فلم يجد شيئا ، و أمرته فمخره بالماء و كربه بالبقر .

قال أبو علي العماري(2): فحدثني إبراهيم الديزج و سألته عن صورة الأمر فقال لي :

أتيت في خاصة غلماني فقط و إني نبشت فوجدت بارية جديدة و عليها بدن الحسين بن علي و وجدت منه رائحة المسك فتركت البارية على حالها و بدن الحسين على البارية و أمرت بطرح التراب عليه و أطلقت عليه الماء و أمرت بالبَقَر لتمخره (3) و تحرثه فلم تطأه البقر ، و كانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه ، فحلفت لغلماني بالله و بالأيمان المغلظة لئن ذكر أحد هذا لأقتلنه(4) .

و هكذا لم يتحقق ما أراده المتوكل من محو معالم القبر الشريف بإجراء الماء عليه و توقف الماء و أحاط بتلك البقعة المباركة دون أن يغمرها ، فسُميت تلك البقعة بالحائر ، أو الحائر الحُسيني .

و قال العلامة المُحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي ( حفظه الله ) : و لعله لهذا السبب تجدد تسميته بالحائر لإرتفاع الماء حوله ، و إن كانت التسمية قد أطلقها الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ـ سنة ـ ( 148 هجرية ) من قبل (5).

و شاء الله عَزَّ و جَلَّ أن يبقى ذكرُ الحسين ( عليه السَّلام ) خالداً و نوره مُضيئاً رغم محاولات أعداء الدين الإسلامي ، فكان كما وعد الله جَلَّ جَلالُه و قال : ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ ، الأمر الذي يبدو واضحاً و جلياً للجميع في عصرنا الحاضر ، فهذه الملايين تتوافد اليوم بلهفة من أنحاء العالم لزيارة هذا المرقد الطاهر .

حدود الحائر الحسيني :

يبدو كما أسلفنا أن الحائر ـ كما قال العلامة الطُريحي ( رحمه الله ) ـ : هو في الأصل مجمع الماء ، و يراد به حائر الحسين ( عليه السَّلام ) ، و هو ما حواه سور المشهد الحسيني على مشرِّفه السلام .

كما يبدو من كلام العلامة الطُريحي ( رحمه الله ) أن سُوراً كان قد بُني في الموضع الذي تجمَّع عنده الماء ( الحائر ) ، و عليه فإن حدود ذلك السُور و الحائر متحدتان .

وَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ :" لِمَوْضِعِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ(عليه السلام ) حُرْمَةٌ مَعْلُومَةٌ مَنْ عَرَفَهَا وَ اسْتَجَارَ بِهَا أُجِيرَ " .قُلْتُ : صِفْ لِي مَوْضِعَهَا .

قَالَ :" امْسَحْ مِنْ مَوْضِعِ قَبْرِهِ الْيَوْمَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ قُدَّامِهِ ، وَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً عِنْدَ رَأْسِهِ ، وَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ نَاحِيَةِ رِجْلَيْهِ ، وَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ خَلْفِهِ ... ".

و من المعلوم أن الذراع الواحد يعادل 45.83 سنتيمتراً تقريباً ، و بذلك يكون قطر الحائر 45.83 في 50 = 22.915 متراً ...

الهوامش:

 (1) الحافظ جلال الدين بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة : 911 هجرية .

المقربين لدى العباسيين ، تولَّى قيادة الشرطة لأكثر من مرة ، كان حياً حتى سنة : 251 هجرية ، و الصحيح أنه توفى سنة : 247 هجرية ، أي بعد يومين من هلاك المتوكل ، و الديزج كلمة فارسية تعني الحمار الأدغم .

لمزيد من التفصيل يراجع : دائرة المعارف الحسينية : الجزء الأول من تاريخ المراقد : 273 الهامش .

(2) قال العلامة المُحقق آية الله الكرباسي ( حفظه الله ) : و جاء في بعض المصادر القماري ن لم تتضح لنا شخصيته ، و لعله كنية القاضي جعفر بن محمد بن عمَّار المُتقدم الذكر ، و الله العالم . دائرة المعارف الحسينية : الجزء الأول من تاريخ المراقد : 273 ، الهامش .

(3) قال العلامة المجلسي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) : يُقال مخرت الأرض أي أرسلت فيه الماء ، و السفينة إذا جرت تشق الماء مع صوت .

(4) بحار الأنوار : 45 / 395 ، نقلاً عن كتاب الأمالي للشيخ الطوسي .

(5)دائرة المعارف الحسينية : تاريخ المراقد : 1 / 278 .

المصدر:مركز الإشعاع الإسلامي

أهم الأخبار

الأكثر مشاهدة