من فصول قصة المباهلة...الفصل الثالث...و حان وقت المباهلة!

الإثنين 3 سبتمبر 2018 - 07:13 بتوقيت مكة
من فصول قصة المباهلة...الفصل الثالث...و حان وقت المباهلة!

حان وقت المباهلة... وكان النبي صلّى اللّه عليه وآله ووفد نجران قد اتفقا على أن يُجريا المباهلة خارج المدينة، في الصحراء...

تُعتبر قصة مباهلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مع وفد نجران من حوادث التاريخ الإسلاميّ المثيرة والجميلة، وهي وإن قصّر بعض المفسّرين والمؤرخين في رواية تفاصيلها، وتحليلها، إلا أنَّ ثلة كبيرة، مِن العلماء كالزمخشري في الكشاف(1) والإمام الفخر الرازي في تفسيره(2) وابن الاثير في الكامل(3) أعطوا حق الكلام في هذا المجال وها نحن ننقل هنا نصَّ ما كتبَه الزمخشريُ في هذا المجال:

حان وقت المباهلة... وكان النبي صلّى اللّه عليه وآله ووفد نجران قد اتفقا على أن يُجريا المباهلة خارج المدينة، في الصحراء... فاختار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من المسلمين ومن عشيرته وأهله أربعة أشخاص فقط وقد اشترك هؤلاء في هذه المباهلة دون غيرهم، وهؤلاء الاربعة لم يكونوا سوى علي بن أبي طالب عليه السَّلام وفاطمة الزهراء بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والحسن والحسين لأنه لم يكن بين المسلمين من هُوَ أطهر من هؤلاء نفوساً، ولا أقوى وأعمق إيماناً.

طوى رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله المسافة بين منزله، وبين المنطقة التي تقرر التباهلُ فيها في هيئة خاصة مثيرة، فقد غدا محتضناً الحسين(4) آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفَه وعلي خلفَها، وهو يقول: إذا دعوتُ فأمِّنوا.

كان زعماء وقد نجران ورؤساؤهم قد قال بعضهم لبعض - قبل أن يغدو

رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى المباهلة: اُنظروا محمَّداً في غد، فإن غدا بولده وأهله فاحذَروا مباهلته، وإن غدا بأصحابه فباهلوه فانه ليس على شيء. وهم يقصدون أن النبي إذا جاء إلى ساحة المباهلة محفوفاً باُبهة مادية، وقوة ظاهرية، تحفُّ به قادة جيشه وجنوده فذلك دليل على عدم صدقه، وإذا أتى بوُلده وأبنائه بعيداً عن أيّة مظاهر مادية وتوجه الى اللّه بهم وتضرع الى جنابه كما يفعل الانبياء دلّ ذلك على صدقه لأنّ ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزته، وأفلاذ كبده، وأحبَّ الناس اليه لذلك، ولم يقتصر على تعريض نفسه له، وعلى ثقته بكذب خصمه.

وفيما كان رجال الوفد يتحادثون في هذه الاُمور اذ طلع رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله والاغصانُ الاربعة من شجرته المباركة بوجوه روحانية نيّرة فاُخذ ينظر بعضهم إلى بعض بتعجب ودهشة، كيف خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بابنته الوحيدة، وأفلاذ كبده وكبدها المعصومين للمباهلة، فأدركوا أن النبي صلّى اللّه عليه وآله واثق من نفسه ودعوته وثوقاً عميقاً، اذ ان المتردد غير الواثق بدعوته لا يخاطر بأحبائه واعزته ويعرضهم للبلاء السماوي.

ولهذا قال اسقف نجران: يا معشر النصارى إني لأرى وُجُوهاً لو شاء اللّه أن يزيل جبلاً من مكانه لازاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة(5)

إنصراف وَفد نجران عن المباهلة:

لما رأى وفد نجران هذا الأمر (وهو خروج النبي بأحبَّته وأعزته) وسمعوا ما قاله اسقفُ نجران تشاوروا فيما بينهم ثم اتفقوا على عدم مباهلة النبي صلّى اللّه عليه وآله، معلنين عن استعدادهم لدفع الجزية للنبي كل سنة، لتقوم الحكومة الاسلامية في المقابل بالدفاع عن أنفسهم وأموالهم، فقبل النبي صلّى اللّه عليه وآله بذلك، وتقرَّر أن يتمتع نصارى نجران بسلسلة من الحقوق في ظل الحكومة الإسلامية لقاء مبالغ ضئيلة يدفعونها سنوياً، ثم قال النبي صلّى اللّه عليه وآله:

"أما والَّذي نفسي بيده لقد تَدلّى العذابُ على أهل نجران، ولو لاعَنُوني لَمُسِخُوا قردة وخنازير ولأضرم الواديُ عليهم ناراً ولاستأصل اللّه تعالى نجران وأهله."

عن عائشة: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله خرج (أي يوم المباهلة) وعليه مرط(6) مرجَّل من شعر أسود، فجاء الحسن فادخله ثم جاء الحسين فأدخله، ثم فاطمة، ثم عليّ، ثم قال: "إنَّما يُريدُ اللّه لِيُذهِبَ عنكُم الرِّجسَ أهلَ البيتِ وَيُطهِّركُم تطهِيراً."(7)

ثم يقول الزمخشري في نهاية هذا الكلام: وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء (عليهم السَّلام)، وفيه برهان على صحة نبوة النبي صلّى اللّه عليه وآله، لأنه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك.

الهوامش:

(1) ج 1 ص 382 و383.

(2) مفاتيح الغيب: ج 2 ص 471 و472.

(3) ج 2 ص 112.

(4) جاء في بعض الروايات أن النبي غدا آخذاً بيد الحسن والحسين تتبعه فاطمة وبين يديه عليّ (بحار الأنوار: ج 21 ص 338).

(5)يروي العالم الشيعي الكبير السيد ابن طاووس في كتاب «الاقبال»: أقبلَ الناسُ من أهل المدينة من المهاجرينوالأنصار، وغيرهم من الناس في قبائلهم وشعاراتهم من راياتهم واحسن شاراتهم وهيئتهم... ولبث رسول اللّه صلّى اللّه وآله في حجرته حتى متع النهار ثم خرج آخذاً بيد علي والحسن والحسين أمامه، وفاطمة عليها السَّلام من خلفهم فاقبل بهم حتى أتى الشجرتين فوقف بينهما من تحت الكساء على مثل الهيئة التي خرج بها من حجرته، ثم أرسل الى وفد نجران ليباهلهم.

(6)كساء.

(7) الاحزاب: 33.

المصدر:مركز الأبحاث العقائدية

إقرأ أيضا:من فصول قصة المباهلة...الفصل الثاني...مفاوضات وفد نجران مع النبي(ص)

إقرأ أيضا:من فصول قصة "المباهلة"...الفصل الأول ...كيف بدأت القصة؟

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 3 سبتمبر 2018 - 07:12 بتوقيت مكة