ليس الحجاب بمانع تعليمها...

السبت 12 مايو 2018 - 16:18 بتوقيت مكة
ليس الحجاب بمانع تعليمها...

لقد تعصب أبو العلاء المعري وجار بحكمه على المرأة ، وغاب عن فكرة ان الفتاة المتعلمة ، تزهو بحسن اخلاقها ، وتهذيبها ، وتستغنى بعلمها وثقافتها ، عن أرفع الجواهر ولو أن ملبسها بسيطاً من القماش...

السيدة مريم نور الدين فضل الله

جاء الإسلام ، فأضاء الكون بنور تعاليمه ، هادياً الى انتهاج سبيل الحق ، رادعاً للنفس البشرية من نوازع الضلال حاثاً على اتباع الهدى ، وسلوك طريق الرشاد. ولما ظهر الإسلام ، رأى أن الذين في قلوبهم مرض وهم أكثرية أبناء البشر قد عميت منهم البصائر ، واستمالتهم الشهوات ناهيك عن وسوسة الشيطان ... وضعف الإنسان.

ونحن نرى الإسلام بتشريعاته السامية ، بعيداً عن كل الأهواء والميول ، حريصاً على طهارة المرأة المسلمة.

لذلك أمرها بالحجاب لتظل محافظة على ما حباها الله ، من هالة قدسية ... ومنزلة رفيعة ... وأدب واحتشام.

وعندما نقرأ القرآن الكريم بتمعن وتفهم ، نجد اكثر آياته تحرض المسلمات على الحجاب والحث عليه ، والتشديد على الالتزام به حتى لا تقع المرأة المسلمة في مشاكل تكون عواقبها وخيمة.

إن الآيات الكريمة التي وردت في القرآن الكريم بخصوص الحجاب قد نزلت آمرة المسلمين بالأخذ بها ، والعمل على تطبيقها ، وليست الاوامر التي وردت في القرآن الكريم هي أوامر اختيارية بل هي إلزامية.

وها نحن نسمع الصرخات المتعالية ... ونتلقى الاحتجاجات المتتالية ، على ما وصلت اليه المرأة من التهور ، وعلى ما بلغه الرجال من فساد الاخلاق وما آلت اليه حالة المجتمع. ثم نرى بعض المسلمين ... والمسلمات وقد قاموا يوآزر بعضهم بعضاً. داعين إلى تمزيق حجاب المرأة وكسر قيودها وإباحة الاختلاط ... والتشبه بالأوروبيين الأجانب.

ومما لا شك فيه ان أكثر الداعين إلى هذه الشرور ، ليس في نفوسهم حمية ... أو نخوة ... أو شرف.

لقد ذابت المروءة العربية والإسلامية من صدور الناس ، وتبخر الوجدان من قلوبهم. لقد نسي هؤلاء ان دعوتهم إلى السفور ... والاختلاط ... تزج المرأة المسلمة إلى التدهور والغرق في بحر من الظلمات وهي لم تألف السباحة في مهاوي هذه الحياة الصاخبة التي يجرونها اليها.

هل يظن دعاة السفور ... والاختلاط ... والحرية المزعومة انهم عندما نترك الفتاة تفعل ما تريد ... وتذهب إلى حيث تشاء ... حبلها على غاربها ، هل يمكنهم من كبح جماحها ؟! وهل باستطاعتهم ارجاعها إلى سلوك طريق الصواب والحق وعدم اتباع الهوى ؟

ولقد صدق الازري بقوله :

اكريمة الزوراء لا يذهب بك                          هذا الخداع ببيئة الزوراء

لا يخدعنك شاعر بخياله                             ان الخيال مطية الشعراء

حصروا علاجك في السفور وما دروا          ان الذي وصفوه عين الداء

أو لم يروا ان الفتاة بطبعها                         كالماء لم يحفظ بغير اناء

من يكفل الفتيات بعد بروزها                     مما يجيش بخاطر العذراء

ومن الذي ينهى الشبيبة رادعاً                     عن خدع كل خريدة حسناء

المرأَة في رحاب العلم

لنلقي نظرة شاملة على الوضع الحاضر للمرأة في زماننا هذا ونتساءل ... هل ان الحجاب الذي فرضه الدين الإسلامي على المرأة المسلمة منع من تطورها أو سيرها في مضمار المدنية ؟ وهل ان الحجاب منعها من العلم والتعلم ... والسير قدماً نحو الكمال ؟ أو منعها من ان تكون المرأة الفاضلة المهذبة الراقية ، ربة البيت وسيدة المجتمع كما يتقول ذلك دعاة الخلاعة والسفور ، الذين اعمى بصيرتهم الجهل وقتلهم الغرور. لقد رفع الاسلام من مستوى المرأة كما ذكرت سابقاً ، وجعل فيها من النشاط والإقدام ما هيأها للمسير على طريق الهدى والكرامة ، ونحو المثل العليا ، مرتكزة على أساس دينها القويم ، ومعتمدة على إيمانها العظيم.

فالحجاب لم يمنع الفتاة المسلمة من إرتشاف العلم ، ولم يقف حجر عثرة في يوم من الأيام في سبيل تعليمها ... وتهذيبها. ولقد صدق الشاعر الازري حيث يقول :

ليس الحجاب بمانع تعليمها                         فالعلم لم يُرفع على الازياء

أو لم يسع تعليمهن بغير ان                         يملأن بالاعطاف عين الرائي

لقد احسن الشاعر الازري إلى المرأة وأدرك الحقيقة ونطق بالصواب ، حيث ان الحجاب لم يمنع المرأة من إرتشاف العلم والمعرفة ، وكان نصير الحق على عكس ما قاله : عدو المرأة أبو العلاء المعري في شعره ، حيث انه يريد للمرأة ، ان تبقى متخبطة في دياجير الجهل. قال أبو العلاء المعري :

علموهن الغزل والنسج والرون                    وخلوا كتابة وقراءة

فصلاة الفتاة بالحمد والاخلاص                 تغني عن يونس وبراءة

لقد تعصب أبو العلاء المعري وجار بحكمه على المرأة ، وغاب عن فكرة ان الفتاة المتعلمة ، تزهو بحسن اخلاقها ، وتهذيبها ، وتستغنى بعلمها وثقافتها ، عن أرفع الجواهر ولو أن ملبسها بسيطاً من القماش كما قيل :

زيني النفس بعلم                               وعفاف وأدب

ولتكن هذه الدرار                             ي عقد زينات العرب

فجمال الجسم يغني                         مثلما تغني الزهور

وجمال النفس يبقى                         زاهراً مر الدهور

تأثير العلم على المرأة :

الفتاة المتعلمة ، تسمو بعلمها وأدبها ، وان كان ملبسها بسيطاً كما قالت عائشة التيمورية :

ان العلوم لاصل الفخر جوهرة                   يسمو بها قدر الوضيع ويشرف

فوجودها في درج مهجة فاضل                      من حازها بين الأنام مشرف

لقد اهتم الدين الإسلامي بالنواحي الاجتماعية ، وحرض المسلمين على العمل طبق ما تقتضيه الشريعة السمحاء ، ونهى عن كل ما يفسد الأخلاق ، وحث على السير نحو المثل العليا ، في مقدمتها طلب العلم ، كما ورد ( اطلب العلم ولو في الصين ). ولم يحرم المرأة من هذا المورد العذب الذي ينعش الروح ويهذب النفس ( اكسير الحياة ) بل أباح لها ان تنهل من مورد العلم ما ينعش نفسها وخلقها ، ويجعلها في المستوى الذي تحمد عقباه. فالفتاة المتعلمة، الكاملة المهذبة، تعرف كيف تشق طريقها في خضم الحياة الصاخب بعكس الفتاة الفقيرة إلى العلم ، الخالية الوفاض من الثقافة.

ان المصابيح ان افعمتها دسماً                      أهدت لوامعها في كل مقتبس

وان خلا زيتها جفت فتائلها                           اين الضياء لخيط غير منغمس

فبالعلم المتوج بالدين ، والثقافة المحاطة بالأدب والتهذيب تتمكن المرأة من إدارة مملكتها الصغيرة ، وتنشئة أولادها على الاخلاق الفاضلة وتخدم قومها وبلادها حين تخرج إلى عالم الوجود شعباً حياً يعيش الحياة المثلى. ولا ننسى ان المرأة التي تهز السرير بيمينها تهز العالم باسره بيسارها إذ ان تربية الناشئة مهمة جليلة ، في غاية الصعوبة. فالوليد الصغير ابن المدرسة الأولى وهي الأم كما قيل :

الأم مدرسة إذا أعددتها                           اعددت شعباً طيب الاعراق

الأم استاذ الاساتذة الأولى                              شغلت مآثرها مدى الآفاق

الأم روض ان تعهده الحيا                             بالريّ أورق ايما ايراق

الحجاب والعلم :

الحجاب هو ستار شرف وعفاف ، يصون المرأة ولا يمنعها من العلم والرقي وما يضير الفتاة المسلمة ، ان تتحجب الحجاب الشرعي ، وتتلقى من العلوم ما شاءت وكيف شاءت. والرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حث على طلب العلم بقوله كما ورد في الحديث الشريف( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ).

وعلى هذا لم يمنع الاسلام الفتاة من أن تتلقى العلوم وتتزود بالمعرفة ـ ولم يمنع الحجاب المسلمة من أن تذهب إلى المدرسة ، وقد غطت رأسها ، وسترت جسمها بالحجاب الشرعي المحتشم ، تذهب إلى حيث تريد بدون تبذل واستهتار ترشف مناهل العلم وتنير بصيرتها بنور المعرفة. ومما لا شك فيه ، ان كل عالم ومدرك ، يوافقني على وجوب توعية الفتاة وتهذيبها ، وتعليمها وتثقيفها حتى لا تبقى جاهلة بعيدة عن الإدراك بنتائج الأحوال وعواقب الأمور.

يأخذها العجب والغرور ، فلا ترى إلا الإنشغال بنفسها وزينتها وتستعين على إظهار جمالها ، بزخرف المعادن والأحجار ، وتتخيل انها زادت بسطة في الحسن ... ورفعة في الجاه. وكما قالت السيدة عائشة التيمورية تصف إحدى الجاهلات :

قد زينت بالدر غرة جبهة                               وتوشحت بخمار جهل أسود

وتطوقت بالعقد يبهج جيدها                      والجهل يطمس كل فضل امجد

وقال آخر :

ما العز لبسك أثواب فخرت بها            والجهل من تحتها ضاف على الجسد

لا يخفى على كل ذي عقل ولب أن العلم ضروري للفتاة ، لأنه لا تصلح العائلات إلا بتعليم وتهذيب البنات ، وتثقيفهن وتربيتهن على العفة والفضيلة.

وبما ان الأم هي المدرسة الأولى كما أسلفنا ، وهي المعلم الأول يجب عليها أن تكون على جانب من العلم والثقافة والتهذيب حتى يتسنى لها أن توجه أولادها نحو الفضيلة والكمال ، بعكس المرأة الجاهلة التي يكون ضررها على المجتمع وخيماً ورحم الله شوقي حيث يقول :

وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة                         جاءت على يده البصائر حولاً

وإذا اتى الإرشاد من سبب الهوى                  ومن الغرور فسمه التضليلا

وإذا أصيب القوم في اخلاقهم                       فاقم عليهم مأتماً وعويلاً

ولكن أكثر فتيات العصر الحاضر الجاهلات ، ليس لهن من هم سوى حب الظهور ، والتفاخر بالمال والجاه ، وقد غاب عنهن ان أحسن حلية هي حلية الأدب ، وأفضل رصيد هو رصيد العلم ، واجمل مزية هي حسن الخلق ، واعظم ذخيرة ... ذخيرة العمل الصالح.

وما أحسن قول الشاعرة السيدة عائشة التيمورية :

بيد العفاف اصون عز حجابي                     وبعصمتي اسمو على اترابي

وبفكرة وقادة وقريحة                               نقادة قد كملت آدابي

ولقد نظمت الشعر سيمة معشر               قبلي ذوات الخدر والاحساب

الى ان تقول :

فجعلت مرآتي جبين دفاتر                             وجعلت من نقش المداد خضابي

كم زخرفت وجنات طرسي انملي                  بعذار خط اواهاب شبابي

ولكم اضا شمع الذكا وتضوعت                  بعبير قولي روضة الاحباب

الى ان تقول :

ما ضرني أدبي وحسن تعلمي                         الا بكوني زهرة الالباب

ما ساءني خدري وعقد عصابتي                  وطراز ثوبي واعتزاز رحابي

ما عاقني خجلي عن العليا ولا                      سدل الخمار بلمتي ونقابي

عن طي مضمار الرهان اذا اشتكت            صعب السباق مطامع الركاب

بل صولتي في راحتي وتفرسي                           في حسن ما اسعى لخير مآب

وقال آخر :

العلم يغرس كل فضل فاجتهد                     إلا يفوتك فضل ذاك المغرس

واعلم بان العلم ليس يناله                           من همه في مطعم او ملبس

فاجعل لنفسك منه حظاً وافراً                    واهجر له طيب الرقاد واعبس

فلعل يوماً ان حضرت بمجلس                    كنت الرئيس وفخر ذاك المجلس

وقال آخر :

علموا الفتيان طراً والبنات                            يدركوا من علمهم معنى الحياة

علموهم ان قدر المكرمات                              فاق ما بين الورى قدر النسب

وقال آخر :

ان البنات الناشئآت                        سيصرن يوماً امهات

فاذا نشأن على التقى                      والعلم كن الكاملات

هن الدعائم للبيوت                        وحفظ ركن العائلات

لمحة من واقع الحياة في عصرنا الحاضر :

لا أدري ما الذي حمل بعض الناس من المتزمتين المتعصبين على الظن بان الفتاة لا تتمكن من التعلم والمحافظة على دينها وعفتها وأدبها وتهذيبها. ولا أدري ما الذي دفع بالمعترض على تعليم الفتاة الى هذا القول ؛ ولا أعلم ما هذا الغشاء الذي قام امام عينيه فلم يعد ينظر فوائد العلم والتهذيب، على ضوء تعاليم الدين والايمان. هذه الفوائد التي لا ينكرها إلا من اعمى بصيرته الجهل، وخيم فوق رأسه الغرور، وقيده حب الذات والانانية.

وكأني به وقد رأى الناس كل يبدي رأيه ويتكلم بما يجول بخاطره ، فأراد ان يتكلم ... ولكنه بحث في زوايا دماغه ، وفتش في مخبئات قريحته ، فلم يجد غير مذهب أبي العلاء المعرّي وأتباعه من المتزمتين ... فاتخذه برهاناً وأدلى به حجة ودليلاً. فهل يظن هذا المعترض الغبي ان العلم خلق للرجل ! أو ان المعرفة والأدب وقف على الرجال ؟! لعمرى انه في ضلال مبين ، وخطأ كبير ، وتزمت ظاهر ، وتعصب أعمى لا يوجد له مبرر.

ان كثيراً من الناس في زماننا هذا ، وفي اكثر المجتمعات الجاهلة الذين يسمون انفسهم محافظين ، هم عن الايمان بعيدون ، هؤلاء المتعصبون اعداء المرأة ، المتزمتون المنطوون على أنفسهم ، يريدون ان تبقى المرأة ترسف في اغلال من الحرمان والحيف ، يريدون منها ان تكون جليسة البيت لا همَّ لها إلا الأكل والشرب، شأن الحيوان الاعجم ( همه علفه )

فكم من امرأة عاقلة حباها الباري ، سبحانه وتعالى من المواهب والذكاء ، ما لو انها حالفها الحظ ، واتيح لها الانطلاق ، ومهدت أمامها السبيل لأرتشاف العلم وانتهال معين المعرفة لتفوقت وأصبحت من الاعلام البارزين.

وكم من النساء الموهوبات اللواتي يتحسرن على العلم والتعليم ولا يكاد يسمع لهن صوت ، ولا يتبين لهن حركة ، قد شلت منهن الهمم وتخدرت المواهب ، فهن مغمورات قد القت بهن الاقدار اما ببيئة جاهلة ... لا تقدر العلم والادب ، او عند رجال متزمتين لا يرون ان المرأة خلقت لتتعلم وتتثقف كما ذكرنا ، ولكنها خلقت لإسعاد الرجل وخدمته.

عشرات النساء من اللواتي حصلن على نصيب من العلم والمعرفة والأدب ، وحباهن الباري سبحانه وتعالى بقسط وافر من الذكاء والفطنة ، ولكن عبس بوجههن الزمن ، وعاكسهن القدر ، فانطوين على انفسهن وراء متاعب الحياة ومعاندة الظروف ومصاعب العيش.

وقفن حائرات متطلعات الى موكب الحياة الصاخب ... بنفوس ملتاعة حساسة ... وقلوب حية ... وشعور فياض :

ما كل ما يتمنى المرء يدركه                            تجرى الرياح بما لا تشتهي السفن

أجل بعد ان عبس بوجههن القدر ، وتنكرت لهن الايام وقفن ذاهلات ... متحسرات ... متألمات ... متأوهات يكبتن الحس والشعور والمواهب والذكاء والفطنة ... يواجهن حقائق الدنيا الصلدة متخاذلات متقاعدات وبما كتب الله لهن قانعات ... على امرهن مغلوبات ... وعلى جور المتعنتين والمتزمتين صابرات.

وقانا الله شر الجهل والجور والظلم وهدانا جميعاً لسلوك طريق الصواب.

نظرة الشباب الطائش إلى العلم :

ان اكثرية جيلنا المتطور يرون أن العلوم الجديرة بالبحث ، والتي يجب ان توجه اليها الانظار وأفكار الناشئة انما هي العلوم التي تصل بها الشعوب إلى غاياتها المادية من استعباد وبطش واستعمار ، واستثمار الضعفاء. وما عدا هذه العلوم ما هي إلا سفسطات من مخلفات الماضي ، شغل بها العلماء أوقات فراغهم.

لقد راجت الدعاية الاجنبية ، وسلم الكثير من الناس بأن الأوروبيين هم أصحاب العلم والاختراع ، وأن علماءنا يستولي عليهم الجمود ، ليس لهم من الذكاء أو العقل المبدع ما يمكنهم من مواكبة ركب الحضارة والرقي ، لان عقول الشرقيين بسيطة ساذجة.

وعندما تمكن أهل الأهواء والأغراض من نفث سمومهم ، وتخدرت العقليات ، وانصرف الناس عن الدين وتعاليمه السامية. وعن تراث الأجداد العظيم. وانصرف الناس أيضاً عن العلماء المخلصين حاملي لواء الدين والمعرفة الذين تزخر صدورهم بالعلم والفضل وإرشاد الناس إلى الصراط المستقيم. وبعدما رسخت هذه النظرية ( نظرية تفوق العقل الاوروبي المبدع على العقل الشرقي الساذج ) (١) في عقول الناس عندها أصبح دعاة العلم والفضيلة لا يسمع لهم قول ولا يطاع لهم أمر كما قيل :

انادي وهل في الحي مصغ فيسمع                                اهم نوم أم ساحة الحي بلقع

ربما لا يعجب هذا القول الكثير من الناس ، وقد ينعتني بعضهم بالرجعية. لأننا أصبحنا في زمان دان فيه العالم باديان مختلفة من المادة والضلال وأصبح الجيل الصاعد المتطور يسخر بالدين ... وممن يتكلم بالدين. ولكن ما لنا وهؤلاء الأغبياء الجهلاء ، الذين ارتكسوا في حمأة الضلال لا يفقهون ما يقولون ولا يعرفون ما يفعلون. فالواجب يدعونا جميعاً للتحرر من نير الدعايات الاستعمارية ، والسموم الإلحادية.

يجب ان ننهض متكاتفين لتثبيت القواعد الإسلامية في نفوس المسلمين من ناشئة وبالغين ، ونحن نملك الرصيد الروحي الكبير في صفائه ونقائه.وحري بالمؤمنين وعلماء المسلمين ، ودعاة الاصلاح ان يعرضوا الإسلام بطريقة غير منفرة ، تحفظ الإسلام على المسلمين ، وتحل جميع المشكلات ... ومتى حل الإسلام في النفوس صدرت الأعمال صحيحة وفقاً لتعاليمه ... وقوانينه.

التوعية الدينية :

لقد كثر في بلادنا العربية عدد كبير من المرشدين والواعظين ، والخطباء ولا سيما في وقتنا الحاضر. فقد نهض الكثير من الفتيان والفتيات بقيادة بعض المرشدين المتجلببين بجلباب الدين ، وقد ضاقت بهم الاندية والمجتمعات ، واصغى الكثير إلى خطبهم الرنانة مملوءة بالحكم والمواعظ والدعوة إلى الدين وانتهاج الصراط المستقيم. كم سررنا لهذه الخطوة المباركة ، من أهل الاصلاح والرشاد ، الذين مسح الله سبحانه وتعالى على جباههم بزيت النباهة والنبوغ ، واقامهم جنوداً للحق والحرية والعدالة والاصلاح الاجتماعي كما يدعون.

اليسوا هم من اولئك المجاهدين المناضلين الذين وقفوا حياتهم على خدمة الأمة والدين ؟

ولكن يا للأسف ... اقولها ونفسي تذوب اسى ولوعة كم من القادة الهداة ... والصلحاء والدعاة قد بحت أصواتهم وانتفخت أوداجهم ، وهم يحرضون الناس على سلوك طريق الإيمان واطاعة الرحمان ، ونزع الشهوات ومعصية الشيطان. داعين إلى انتهاج سبيل الحق ، والتخلق بالأخلاق الإسلامية السامية ، ومزايا الدين العظيم.

ولكن لم يمض زمن طويل حتى ظهر من بعضهم الانحراف عن الاخلاص في العمل ، ولم يكن القصد من وراء أقوالهم وأفعالهم إلا المصالح الشخصية ، والغايات الذاتية ، يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم ... وكما قال الجرجاني :

ولو ان أهل العلم صانوه صانهم                 لو عظموه في النفوس لعظما

ولكن اذلوه جهاراً ودنسوا                              محياه بالاطماع حتى تجهما

واستميح العذر ... إذا رددت قول الشاعر :

نحن في اية حال معكم                              لو فطنا لقضينا عجبا

ان سكتنا مسنا الضر ... وان                        نحن لم نسكت اسأنا الادبا

وقانا الله وإياهم من سوء الأقوال ... وخبث النوايا ... ومضار الأفعال.

ونسأل الله ضارعين إلى مجد عزته أن يأخذ بيد جميع العاملين في خدمة الدين ، والمشتغلين في سبيل العلم والعمل الصالح.

قال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام :

"ما كل من رأى شيئاً قدر عليه ، ولا كل من قدر على شيء وفق له ، ولا كل من وفق له أصاب موضعاً ، فإذا اجتمعت النية والمقدرة والتوفيق والإصابة فهناك السعادة ." (2)

الهوامش:

(1)يقول الدكتور جواد علي في كتابه : « المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام الجزء الأول ص ٢٥٧ : وقد شاعت نظرية خصائص العقلية السامية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين ، ووجدت لها رواجاً كبيراً لظهور بعض الآراء والمذاهب، التي مجدت العقلية الاوربية ، وسبحت بحمدها وقالت بتفوق العقل الغربي الخلاق المبدع ، على العقل الشرقي الساذج البسيط. ورمز العقل الشرقي هو العقل السامي، فهو لذلك عقل ساذج بسيط.

ومن أشهر مروجي هذه النظرية الفيلسوف ( رينان ) ١٨٢٣ ـ ١٨٩٢ م ( Ernest Renan) وكذلك ( كراف كوبينو ) Graf Arthur Cobineau وهو من القائلين بتمايز العنصريات البشرية وبتفوق بعضها على بعض ، وسيادة العقليات الآرية على سائر العقليات ـ ومنهم أيضاً ( هوستن ستيورات شامبرلن ) : ١٨٥٥ ـ ١٩٢٧ م Hausten Stewart Chamberlain.

(2) عن مجلة العرفان.

المصدر: كتاب المرأة في ظل الإسلام

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

السبت 12 مايو 2018 - 16:16 بتوقيت مكة