مقدمات ضرورية حول علامات الظهور

الخميس 4 يناير 2018 - 22:54 بتوقيت مكة
مقدمات ضرورية حول علامات الظهور

ما أكثر الذين يتحدثون عن علامات الظهور في هذه الأيام، فقد خاض فيها العالم والجاهل حتى صار العوام يحدثونك عن روايات الظهور كأنهم أرباب الحديث وحفظة السنن. والحق يقال: إن من الضرورة بمكان معرفة بعض الأمور قبل الخوض في غمار بحث علامات الظهور.

الشيخ إبراهيم البدوي

ما أكثر الذين يتحدثون عن علامات الظهور في هذه الأيام، فقد خاض فيها العالم والجاهل حتى صار العوام يحدثونك عن روايات الظهور كأنهم أرباب الحديث وحفظة السنن. والحق يقال: إن من الضرورة بمكان معرفة بعض الأمور قبل الخوض في غمار بحث علامات الظهور، وهي بمثابة الأسس لهذا الأمر، وبدونه لا يعدو من يتعرض لهذا الحديث كونه حاطب ليل.

وهذه المقدمات هي أربع:

المقدمة الأولى: اختلال الروايات بالمضمون

لا بد أن نعرف أن الروايات الواردة في علامات الظهور ثلاثة أنواع:

النوع الأول: روايات الملاحم والفتن، وهي إخبارات غيبية لا علاقة لها بتحديد زمن الظهور.

النوع الثاني: روايات أشراط الساعة، وهي علامات آخر الزمن. وبما أن آخر الزمان لفظ مشترك بين ظهور المهدي وقيام الساعة فقد حصل اللبس والاختلاط بين العلامات. فمثلًا تجد رواية تقول: “إن الساعة لا تقوم حتى يكون عشر آيات: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وثلاث خسوفات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونزول عيسى بن مريم، وفتح يأجوج ومأجوج، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر[1]. ومن المؤكد أنها لا تتحدث عن علامات ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

النوع الثالث: الروايات التي تهدف إلى تحديد فترة ظهوره عليه السلام. وهي نوعان: علامات محتومة، وعلامات غير محتومة.

المقدمة الثانية: اختلال الروايات سندًا

إن روايات علامات الظهور، بأصنافها الثلاثة المتقدمة، واردة في كتب أهل السنة أكثر مما هي واردة عند الشيعة. و هي في غالبها سقيمة السند، ومرسلات لا تُسمن، ولا تغني من جوع.

نعم، الصنف الثالث تحديدًا، وهو المهم في الباب، ورد في كتب الشيعة أكثر من وروده في غيرها، ومع ذلك فهو مزيج غريب يحتاج الى إعمال النظر والتدقيق، فلا بد من التمييز بين الروايات من حيث السند، وهذا أمر لا يتوفر إلا لمن له أهلية النظر في الأسانيد.

ولا يخفى أن غالب الروايات نبوية مرسلة، ولا سند لها، ومنها قسم كبير ليس واردًا عن المعصوم، وإنما عن بعض الصحابة، فلا يكون حجة على أحد حتى لو ثبت الصدور.

وحتى الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من طرقنا في غالبها مراسيل، والمسند منها غير نقية السند إلا ما ندر كروايات العلامات المحتومة.

لهذا، قد يقال: ما الفائدة في دراسة روايات علامات الظهور؟

والجواب من وجهين:

محاولة الاستيناس بالجو العام دون الوقوف على نص بعينه والتمسك به حرفيا.

التركيز على الروايات المحتومة، وهي الأقوى سندًا، ومحاولة فهمها والاستفادة منها.

المقدمة الثالثة: اختلاف الروايات متنًا

فقد تجد معنًى من المعاني تم التعبير عنه بعدة صيغ تتنافى فيما بينها، فخذ على ذلك مثالًا، مدة حكم الإمام المهدي، حيث ورد في بعضها أنه يحكم شهورًا، وفي بعضها الآخر سنوات، إما خمس أو سبع، وفي ثالثة يحكم أربعين سنة.

وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “يملك المهدي تسعًا أو عشرًا، أسعد الناس به أهل الكوفة[2].

بينما في رواية أخرى: “يخرج المهدي في أمتي خمسًا أو سبعًا أو تسعًا، زيدٌ الشاكُ، قال قلت: أي شيء؟ قال سنين[3].

وفي رواية ثالثة: “يلي المهدي أمر الناس ثلاثين أو أربعين سنة[4].

بينما في كتبنا المعتبرة ورد هذا النص المسند إلى عبد الله بن الحارث قال: قلت لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين أخبرني بما يكون من الأحداث بعد قائمكم؟ قال: “يا ابن الحارث ذلك شيئ ذكره موكول إليه، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إلي أن لا أخبر (به) إلا الحسن والحسين[5].

وفي نص آخر: “الإسلام والسلطان العادل أخوان، لا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه، الإسلام أُس، والسلطان العادل حارس، وما لا أُس له فمنهدم، وما لا حارس له فضايع، فلذلك إذا رحل قائمنا، لم يبق أثر من الإسلام، وإذا لم يبق أثر من الإسلام، لم يبق أثر من الدنيا6.

وهي ظاهرة بأن انتهاء ملك المهدي عليه السلام لا يكون إلا بانتهاء عمر الدنيا. فلاحظ مدى التنافي بين الروايات. فكيف لغير المتبحر أن يخوض فيها؟

المقدمة الرابعة: الإسقاطات المضللة

ما أوقع الناس في ضلال وحيرة من حيث روايات الظهور هو إسقاط بعض العلامات على حالات وأشخاص وأحداث حسبما نراها نحن، وليس حسب ما يقتضيها النص.

والروايات تتحدث عن أمور كلية، ونحن نقوم بإسقاطها على مصدايق معينة، نرى باجتهادنا وذوقنا أنها هي المعنية بالنص، وهذا ما يدخل المؤمنين في معمعة وحيرة، فإذا تبين أن الإسقاط غير صحيح أصيب البعض بالإحباط واليأس، وتسرب الشك إلى قلبه في أصل قضية وجود الإمام المهدي عليه السلام.

فمثلًا للخراساني علامة في يده، يطبقها البعض على القائد، بينما المفروض ملاحظة أن الرواية تتحدث عن شامة في الكتف وليس علامة على اليد.

وكذلك قضية اليماني وتطبيق البعض لها على بعض العلماء المجاهدين رغم أن النص يقول: إنه يخرج من اليمن، وكذلك فكرة النفس الزكية وتطبيقها على عالم آخر، وعلى هذا النسق.

إذن، لا بد أن نعلم أن البحث في علامات الظهور ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، بل هو بحث في حقل مليئ بالألغام، ويكاد يشبه البحث عن حبة ماس بين كومة ضخمة جدا من الحصى. فلنتقِ الله في ما نقدمه للناس من معلومات ظنية قد تضر أكثر مما تنفع.

[1] الشيخ علي الكوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهدي) (قم: مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة 1، 1411ه)، الجزء 2، الصفحة 202.

[2] المصدر نفسه، الجزء 1، الصفحة 305.

[3] المصدر نفسه، الجزء 1، الصفحة 236.

[4] المصدر نفسه، الجزء 3، الصفحة 138.

[5] المصدر نفسه، الجزء 3، الصفحة 138.

المصدر:معهد المعارف الحكمية

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الخميس 4 يناير 2018 - 22:47 بتوقيت مكة
المزيد