عادل نعمان
كيف استطاعت داعش استقطاب شباب فى عمر الزهور، وإقناعهم بالهجرة إلى أرض الخلافة الراشدة، وكره الحياة وحب الموت وانتظاره بشغف وكأنه مهمة الإنسان الأولى؟ وأول وسيلة هي الكذب والتدليس والخداع والتضليل. والكذب والخداع والتضليل والتدليس مباح وجائز عند هذه الجماعات والفِرَق منذ قرون، طالما كان لنصرة دين الله، وتقوية شوكة الإسلام والمسلمين، ومحاربة أعداء الله، وشفاء صدور قومهم المؤمنين، فهم لا يتورعون ولا يخجلون من إلصاق أبشع التهم والصفات لمن يخالفهم الرأى، ورميهم بالشرك والكفر والزندقة، وكذلك التهويل من أخطائهم وتجريسهم وفضحهم على الملأ حتى لو كان قد سترهم الله، وذلك ليوغروا صدور العامة عليهم، ويستميلوا بعض خلق الله على البعض، ويشعلوا حقد طبقة على الأخرى، ويضمنوا بذلك كثرة عدد المضللين من أنصارهم، والتفوق والغلبة لهم على أعدائهم، حتى لو كان مخالفا لمبادئ الأديان والأخلاق، وموسوعة القيم الإنسانية، وذلك طمعا فى نصرة دين الحق، وهم يعتمدون فى هذا على حديث «الحرب خدعة»، فوسعوا مساحة الحرب إلى الدنيا كلها، وزمنه إلى عمر البشرية كله. وفى السيرة من الروايات والوقائع ما يؤكد نظريتهم عن الكذب والخداع، ويمكن الرجوع إلى التفاصيل كاملة، ومعرفة ما هو الواجب اتباعه والمصرح به فى هذا الأمر، والبعض يعتبرها مدسوسة على السيرة، لكن واقع الأمر أن السلفية وكافة الفرق التكفيرية تتناولها حقيقة مؤكدة، وهذا هو الخطر والواقع أيضا.
وسنكتفي بثلاث وقائع، وهى واقعة مقتل «كعب بن الأشرف» وواقعة مقتل «عصماء بنت مروان» والثالثة مقتل العجوز «فاطمة بنت ربيعة» (أم قرفة) فهم المثل والعبرة والأسوة الحسنة، والسنة الفعلية التى وجب على المسلمين اتباعها والعمل بها، ونوجز القصص الثلاث، فالأولى واقعة كعب، وكان يؤذي النبى شعرا، فأرسل سرية لقتله بقيادة محمد بن سلمة (ابن أخت كعب) وأبونائلة (أخوه من الرضاعة) وغيرهم، ورخص لهم الرسول بالكذب عليه!، فاستدرجوه خارج بيته بحجة عقد صفقة تجارية، وكان فى انتظارهم باقى أفراد السرية حتى تمكنوا منه وقتلوه «وهللوا وكبروا»، وزفوا للمسلمين خبر مقتل رأس الشرك. والثانية واقعة «عصماء» وكانت تهجو النبي وتسبه، فيتقدم من قبيلتها وأهلها، «عبيد بن عمير» فيتسلل إلى بيتها، وكانت ترضع رضيعها، فينحيه جانبا ويقتلها بالسيف فيخترق صدرها!، وذلك دون استشارة الرسول، ولما علم، بارك ما فعله وقال «لقد نصرت الله ورسوله» وأثنى عليه بالقول «هذه مسألة لا ينتطح فيها عنزان» أي لا يختلف فيها اثنان، ولم يكن معتمدا قتل النساء على هذا النحو. والثالثة واقعة «أم قرفة الفزارية» وكانت تحرض على قتال المسلمين، وكانت السرية بقيادة زيد بن حارثة فقتل أولادها، وقتلها زيد شر قتلة، قالوا: «ربط رجليها في ذنب فرسين وأجراهما فتقطعت وتفسخت»!! ولم يكن قتل النساء فى حروب الجاهلية أثناء القتال مباحا أو محمودا. وكان لما شرعوه من الكذب والتضليل والتزييف والتهويل، وما نقلوه من السيرة وكتب التراث الأثر الأكبر فى التأثير على الشباب، وهناك مثال حي على هذا حين استخدم هؤلاء البراميل القاتلة فى سوريا لقتل المدنيين وألصقوها كذبا بالنظام، فأسرع الكثير من الشباب للانضمام إليهم للدفاع وقتال الظالمين، ولم يكن الأمر فى حقيقته كذلك، لكن سرعان ما اكتشف البعض الكذب والتضليل، فعضوا على أصابعهم حسرة وندما على ما اقترفت أيديهم فى حق العباد، فخابت أحلامهم، لكنهم أصبحوا أسرى الدواعش، ورهن بيعة كاذبة، لا مهرب منها إلا بالهروب أو بالقتل، والهروب والفرار من قبضة الدواعش أمر محال، فلم يعد متاحا لهم إلا القتال، حتى يأتيهم الموت على يد من يقاتلون فى صفوهم، أو من أعدائهم.
ثاني الأسباب: سهولة ويسر الانضمام والوصول إلى أرض الجهاد. لقد أعلنت داعش عن قيام دولتها على غير رضا من القاعدة، وأتاح الإعلان عن دولة الإسلام فى العراق والشام، للمهاويس من الراغبين فى الانضمام إليهم، سهولة السفر إلى دولة الحلم، والانطلاق منها إلى دولة الخلافة الراشدة، ولقد أوجد هذا الأمر لدى قطاع عريض من الشباب تعاطفا كبيرا لتحقيق الحلم والهجرة من أرض الاستضعاف إلى أرض الأنصار للاستقواء بهم، ومن ديار الكفر إلى ديار الإسلام، ومن ديار الحرب إلى ديار السلام، وقد كان هذا الأمر صعبا لمن يرغب فى هذا من قبل، أما وقد فتحت داعش لهم باباً للهجرة إلى ديار الإسلام فأصبح الأمر سهلا وميسورا. وأوجدت داعش لكل صاحب وجهة وجهته وهدفه، فمن كانت وجهته الجهاد فساحة الجهاد الشرعي مفتوحة على وسعها في استقباله، ومن كانت وجهته المال فبيت مال المسلمين منهوب ومسروق لمن يريد ولمن يشاء منذ قرون، وإذا كان النكاح والوطء وجهة الرجال والنساء فالجهاد فيه مفتوح وواسع ما وسعته فحولة الرجال و .............
ثالث الأسباب: سهولة الاتصال بالشباب: كان الالتحاق بالقاعدة يتم بمقابلة شخص بشخص آخر سرا، وإقناعه بفكر التنظيم والبيعة على السمع والطاعة فى المنشط والمكره فى غير معصية الله، أما الالتحاق بداعش فيتم فى الغالب الأعم عن طريق شبكة التواصل الاجتماعي، وهي أسرع وسائل الإقناع والارتباط بين الشباب، ويسهل بها بناء العقيدة على الكذب، ويمكن بناء عالم افتراضى مزيف بسهولة ويسر على شبكة التواصل، وأولى مراحله تصدير حلم الهجرة لبلاد الأنصار، وبناء دولة العدل والتراحم والتعاطف بخيوط من التضليل واهية، وهو بناء معروف على شبكة التواصل حتى فى العلاقات الخاصة بين الجنسين، لا ينكشف الزيف فيها والتضليل إلا ساعة اللقاء والقرب، فيعرف كل واحد منهما كيف ضلل الآخر.