الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري

الخميس 26 أكتوبر 2017 - 16:04 بتوقيت مكة
  الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري

مقالات_الكوثر: لم يحدّد المؤرّخون تاريخ مولد الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري، وهو جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، ولكنّ تاريخ وفاته كان معلوماً، فقد توفّي وهو شيخ كبير في منفاه في الرّبذة (ت 31 أو 32هـ / 652 أو 653م)، وكان حاملاً همّ الإسلام، وعاملاً على حمايته من كلّ انحراف

 وقد عرف بمعارضته لسياسة عثمانَ ومعاوية. نسبته تنتهي إلى قبيلة بني غِفار، وكانت أمّه رَمْلة أيضاً من هذه القبيلة.

ينتهي نسبه إلى قبيلة بني غفار، وقد أمضى سنوات طويلة قبل مجيء الإسلام. ورغم انتشار عبادة الأصنام والشّرك ومظاهر الفساد الأخلاقي في المجتمع الجاهليّ، إلّا أنّ الروايات تنبئ بأنّه كان موحِّداً، لم يعبد الأصنام في العصر الجاهليّ، إضافةً إلى أنّه كان يناجي الله قبل لقائه النبيّ(ص) بثلاث سنوات، كما اعتبره ابن حبيب ممن كانوا يُحرِّمون الخمر والأزلام في العصر الجاهليّ.

وعن اعتناق أبي ذرّ الإسلام، وردت أيضاً روايات مختلفة في المصادر القديمة. وعلى أيّ حال، فقد عُدَّ أبو ذرّ من أوائل معتنقي الإسلام، فهو رابع أو خامس مسلم.

لكنّ هذا المعنى يعارضه آخرون، لأنّ عدد المسلمين في مكّة كان بالتّأكيد يتجاوز أربعة أشخاص أو خمسة، بعدما شاعت دعوة النبيّ(ص) كثيراً.

وقد تعرّض في مكّة لكثير من الأذى بسبب مواقفه الشّجاعة ضدّ الكفّار والمشركين، إلى أن جاء العام 6 هـ، فقدم المدينة، فأسكنه النبيّ(ص) مع مجموعة أخرى من المُعدَمين في المسجد، واشتهرت هذه المجموعة باسم أصحاب الصُّفّة. واستناداً إلى رواية ابن إسحاق، فإنّ النبيّ(ص) آخى في المدينة بين أبي ذرّ والمنذر بن عمرو، لكنّنا نعلم أنَّ المؤاخاة كانت قبل معركة بدر.

كان أبو ذرّ في المدينة من المقرّبين إلى النبيّ(ص) وموضع ثقته، كما شارك في عدَّة غزوات، ومنها غزوة بني المُصطَلق، كما تسلّم مقاليد الأمور في المدينة بدل النبيّ(ص) خلال حجّه العمرة في سنة 7 هـ. وفي فتح مكَّة أيضاً، حمل أبو ذرّ راية جيش بني غفّار المكوّن من 300 فرد، ومرّ أمام أبي سفيان. وشارك بعدها في غزوة حُنين كذلك.

انطلق أبو ذرّ برفقة النبيّ(ص) بعد تسع سنوات من الهجرة مع المجاهدين في غزوة تبوك، وبعد 11 سنة من الهجرة، وإثر وفاة رسول الله(ص)، وتسلّم أبي بكر الحكم، كان أبو ذر ممّن مال إلى أمير المؤمنين عليّ(ع)، ورفض مبايعة أبي بكر، لكنّه بايعه أخيراً مُكرَهاً. وكان قريباً من الإمام عليّ(ع) إلى الحدّ الذي شارك معه ضمن خاصّة أصحاب الإمام في المراسم الخاصّة بتشييع جثمان فاطمة الزّهراء(ع).

وفي 20 هـ / 640م، عندما وضع عُمَر الدّيوان، وخصّص أكثر العطاء لمجاهدي بدر، ألحق بهم أربعة ممن لم يشاركوا في تلك المعركة، ومنهم أبو ذرّ. وقد شارك أبو ذرّ في تلك السنة نفسها بفتح مصر، لكنّه لم يمكث في مصر كثيراً.

واجه أبو ذرّ منذ البداية سياسات عثمان التعسّفيّة، والتي أدّت إلى نقمة كبيرة في المجتمع الإسلاميّ، من الإسراف والتبذير، وتقريب بني مروان واستئثارهم بالمناصب والضّيع والثّروات، وحصولهم على الرواتب الضّخمة، وأعلن معارضته ورفضه لسياسة عثمان ومخطّطات معاوية، حيث نادى بأعلى صوته أمام قصر معاوية، وعلى رؤوس الأشهاد، متّهماً إياه بالخيانة في بيت المال أو الإسراف، ومخالفة أعماله للقرآن وسنّة النبيّ(ص).

فطلب عثمان إلى معاوية أن يحمل أبا ذرّ إلى المدينة بشكل عنيف، فحمله على بعير قَتَبه بغير وطاء إلى المدينة، فوصلها منهكاً متألماً، فحاول عثمان إرضاءه من خلال منحه مالاً، إلاّ أنّ أبا ذرّ لم يقبل منه شيئاً، وانبرى لانتقاد السلطة الحاكمة وبني أميّة. فغضب عثمان، ولأجل أن يبعده عن الناس، أمر بنفيه إلى الرَّبَذة.

عندما اتجه أبو ذرّ إلى منفاه الرَّبَذة، شيّعه الإمام عليّ(ع) وبعض المقرّبين إليه، رغم منع عثمان من ذلك، حيث انبرى الإمام في خطبة رصينة لمدح أبي ذرّ ولوم عثمان وأصحابه. وقد أدّى دعم الإمام(ع) هذا لأبي ذرّ إلى شجارٍ بين الإمام وعثمان.

رحل أبو ذرّ مع زوجته وابنه إلى الرّبذة مع عدة أغنام وبعير وغلام، حيث أقام هناك، وقد تحدّث جغرافيو القرون اللاحقة، عن وجود مزار في الرّبذة وبِرَك وآبار. وربما كان هذا العمران ذا علاقة بإقامة أبي ذرّ هناك، ذلك أنّه قيل إنّ قوافل الحجّاج كانت تذهب إلى الرّبذة لزيارته ـ ولم يكن يعيش فيها سوى أبي ذرّ ومن معه ـ وكان أفرادها يريدون تقديم عون له، لكنّه كان يرفض العون.

وكان يروي لزوّاره أحاديث عن النبيّ(ص)، ولم يكن ليتوقّف في أيّ وقت عن توجيه انتقاداته للوضع القائم.

وكان أبو ذرّ مولعاً برواية الحديث، وكما ورد في بعض الروايات، فإنه بسبب هذا الاتجاه، قاسى الأذى في عهد عمر وسُجِن. ويبلغ مجموع الأحاديث التي خلّفها 281 حديثاً، كما يقول النّووي. وقد جمع أحمد بن حنبل كثيراً من هذه الأحاديث في مسنده، كما نقل بعضها كتّاب الصّحاح الستّة. وقد روى عنه الحديث بعض الصّحابة، مثل عبدالله بن عباس، وأنس بن مالك، وحذيفة بن أسيد، وكثير من التّابعين، أمثال عبدالله بن الصّامت، وأبي الأسوَد الدّؤلي، والأحنف بن قيس، وسعيد بن المسيّب، والمَعرور بن سُوَيد، وزيد بن وهب، وعبدالرحمن بن غَنْم، وعبدالرحمن بن أبي ليلى، وصَعصعة بن معاوية.

كان الأئمّة(ع) ينظرون إليه بوصفه الزّاهد الكامل الّذي يمكن أن يكون قوله وعمله مثالاً يحتذيه الشّيعة، وكانوا دائماً يروون لأتباعهم مواعظه وترجمة حياته. وقد رويت في المصادر الشيعيّة رواية عن أبي الأسوَد الدّؤلي تشكّل بحدّ ذاتها رسالة في الوعظ والأخلاق.

قال في حقّه رسول الله(ص): "ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء، أصدق لهجة من أبي ذرّ".

ومن المشهور أنّ تشيُّع أهل جبل عامل كان على يد أبي ذرّ، وأنّه لما نفي إلى الشّام، وكان يقول في دمشق ما يقول، أخرجه معاوية إلى قرى الشّام، فجعل ينشر فيها ، فتشيّع أهل تلك الجبال على يده، فلمّا علم معاوية بذلك، أعاده إلى دمشق، ثم نفي إلى المدينة.

كان أبو ذرّ الغفاري(رض) صاحب شخصيّة بارزة ومميَّزة، استقطبت ثناء المسلمين جميعاً في تواضعها وعلمها وفضلها وجهادها وزهدها ونصرتها للدّين الحنيف، ومازال في سيرته المضيئة قدوة كلّ مسلم مؤمن ومخلص لوجه الله تعالى.

بقلم محمد عبدالله فضل الله

المصدر : بينات 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الخميس 26 أكتوبر 2017 - 16:04 بتوقيت مكة
المزيد