خاص الكوثر - أحكام الإسلام
وأكد أستاذ الدراسات العليا في الحوزة العلمية سماحة الشيخ أسد محمد قصير على أن المنظومة الشرعية الإسلامية لا تقتصر على الفقه بمعناه الضيق، بل تقوم على عدة منظومات متكاملة، أبرزها: المنظومة العقدية، والمنظومة الفكرية، والمنظومة الفقهية، إضافة إلى المنظومة الأخلاقية والروحية. ويُعد فهم هذه المنظومات شرطاً أساسياً لتحديد طبيعة العلاقة بين المسلم وغير المسلم، وخصوصاً مع أهل الكتاب من المسيحيين.
فعلى المستوى العقدي، تتمحور العقيدة الإسلامية حول أصول معروفة كالتوحيد والعدل والنبوة والمعاد والإمامة، وهي تعبر عن الإيمان الداخلي للمسلم. إلا أن التعامل مع “الآخر” لا يُبنى حصراً على هذا البعد العقدي، بل على منظومة فكرية أوسع، تشكل الأرضية التي تُستنبط منها الأحكام الفقهية وتُصاغ السلوكيات الاجتماعية.
وفي هذا السياق، تبرز ثلاث عناوين فكرية مركزية تشكل نظرة الإسلام إلى غير المسلمين. أولها مبدأ “الإنسان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”، وهو مبدأ يؤسس لعلاقة قائمة على الاعتراف بالإنسان كإنسان، بغض النظر عن انتمائه الديني. فالإنسان نظير الإنسان في الخلق، وله حقوق ثابتة تنبع من إنسانيته قبل أي اعتبار آخر.
إقرأ أيضاً:
العنوان الثاني يتمثل في الكرامة الإنسانية، التي يؤكد الإسلام أنها شاملة وعامة، لا تختص بدين أو عرق أو لون أو جغرافيا. فقد شدد النبي محمد ﷺ على أن البشر جميعاً من أصل واحد، وأن التفاضل لا يكون إلا بالتقوى، لا بالانتماء الديني أو الاجتماعي. وهذا الفهم يلغي أي أساس ديني للتكبر أو التمييز بين الناس.
أما العنوان الثالث، فيرتبط بجذور هذه الكرامة الإنسانية، حيث يميز الإسلام الإنسان عن غيره من المخلوقات بنفخة الروح الإلهية: ﴿ونفخت فيه من روحي﴾، وهو ما يمنح الإنسان قيمة ذاتية وتشريفاً إلهياً، لا يزول باختلاف العقائد. ومن هنا، فإن العلاقة مع غير المسلم تُبنى على احترام هذه الكرامة الأصيلة، قبل الدخول في تفاصيل الأحكام الفقهية العملية.
وبناءً على هذه الأسس الفكرية، تتشكل المنظومة الفقهية التي تناولها الفقهاء في رسائلهم العملية، حيث تُنظم أحكام التعامل بين المسلم والمسيحي ضمن إطار يحفظ الحقوق، ويوازن بين الخصوصية الدينية والمشترك الإنساني، بعيداً عن منطق الصراع أو الإقصاء.