فى مقالنا السابق عرضنا تعريف الكافر عند ابن تيمية «وهو كل من كان على غير ملة الإسلام»، سواء بلغته الرسالة أو لم تبلغه، وسواء كذب بها أو لم يكذب، أو أنكرها أو لم ينكرها، أو شك أو لم يشك، وحكمهم جميعا فى الدنيا سواء.
أما فى الآخرة فلهم عذاب عظيم عدا الذين لم يبلغوا بالرسالة وهم أصحاب «الغفلة المطلقة». فما هو حكم الكافر فى الدنيا عند ابن تيمية «وعند كل فصائل السلفية»؟ وللإنصاف فإن من المسلمين من وجد مبرراً لفتاوى الشيخ عن الكافر، وخصصها لحدث بذاته، ورهنها بزمن التتار، وخصوصيتها فى مواجهة الأعداء إلا أن الواقع العملى قد فتح لها الباب على مصراعيها، وسحبها من استحلال أموال وأرواح التتار المعتدين إلى أموال وأرواح كل الكافرين. ربما.. لكن الأمر مرهون بما آلت إليه الفتوى وبما فسرها عموم المغالين والمتطرفين فى وقتنا الحالى ومدى تأثيرها. والحقيقة المؤكدة أن هذا الإرهاب الذى يضرب الدنيا من شرقها إلى غربها هو نتاج فتاوى ابن تيمية، ومن بعده حليفه ونصيره ابن القيم الجوزية، وتلميذهما النجيب محمد بن عبدالوهاب «الوهابية» برعاية وحماية آل سعود.
أولاً: شرعاً الكفار لا يملكون أموالهم وليس لهم حق التصرف فيها. الآية «يا أيها الناس كلوا مما فى الأرض حلالا طيبا»، مؤداها أن رزق الله الحلال مباح للمسلمين فقط، وليس لغيرهم من الكافرين، وشرط الاستمتاع بحلال الله أن تكون مسلما، وما يأكله أو ما يستمتع به غير المسلمين من نعم الله وبأموالهم ليس حلالا بل هو حرام، ولا يحل ولا يحق لهم الاستمتاع بحلال الله، لأن حلال الله حق للمؤمن وليس حقا للكافر. ولأن الحق الشرعى لمن أباح له الله الاستمتاع بحلاله، والحق غير الشرعى لمن حرم الله عليهم الاستمتاع بنعمائه، تكون أموالهم ليست مملوكة شرعا لهم، ولا يحق لهم التصرف فيها بإرادتهم.
وعنهم قال: (كانت أموالهم على الإباحة «مباحة للمسلمين»، والمسلمون إذا استولوا عليها فغنموها ملكوها شرعا، لأن الله أباح لهم الغنائم ولم يبحها لغيرهم)، وهذه الأموال والغنائم، حسب قوله، هى فىء للمسلمين، أى أن الله قد أفاء «أعاد» هذه الأموال إليهم لأنها حقهم، فما يملكه الكافرون هو فى أصله حق شرعى للمؤمنين، وفيئه ورجوعه عون لهم على عبادة الله، وهى المهمة الأولى المكلف بها المؤمنون دون غيرهم. ومادام الأمر كذلك ومهمة المسلمين العبادة فلهم أن يستحلوا أموال الكافر لتكون عونا وسندا فى هذا.
ماذا صنعت هذه الفتوى؟ وكيف أباح الناس بها حق الغير لأنفسهم؟ وكيف استحلوا سرقة أموال غير المسلمين «الكافرين» لإعانتهم على الجهاد؟ هذا ما وصلنا إليه، سحبوها سحبا إلى سلب حق الغير للاستعانة به على العبادة، وطوعوها طوعا لفكرة الجهاد طالما الجهاد رأس أمر الدين، وعموده وذروة سنامه، وهو أرقى درجات العبادة، ومن مات بغيره مات ميتة الجاهلية، ويصبح الاستيلاء على أموال الآخر حقا وواجبا لتمويل الجهاد ابتغاء مرضاة الله. فسُرقت محال الغير لشراء السلاح، وتمددت الفتوى على حقوق الجميع من الكافر إلى من ينكر كفر الكافر من المسلمين.
وتمددت بالضرورة معها أشكال العبادة من جهاد الدفع إلى جهاد الطلب، فقُتلت الأنفس بغير حق، وسُرقت الأموال ونُهبت بغير سند، إلا سنده هو وأمثاله على أنها حلال للمسلم، وفىء وجب على المسلم إعادته لإعانته على العبادة وأرقاها منزلة وأعلاها شأنا وهو الجهاد، وبيعت النساء والصغار فى أسواق النخاسة لشراء السلاح والعتاد للجهاد، واغتصبت النساء تحت دعاوى جهاد النكاح، حتى يشدوا من عزيمة المجاهدين، ويخفف عنهم وطأة الوحدة والحاجة، والترفيه عنهم، وإمتاعهم جنسيا، حتى تقوى عزيمتهم وقدرتهم على الجهاد، ويرووا ما جف من مشاعرهم قبل الصعود إلى الجنة، وتهيئتهم قبل لقاء الحور العين. وكم من الجرائم والمخازى ارتكبت باسم هذه الفتوى.
*عادل نعمان
المصدر:المصري اليوم