السلفية التكفيرية.. النشأة والجذور العقائدية والفكرية (القسم الثالث)

السبت 14 أكتوبر 2017 - 09:01 بتوقيت مكة
السلفية التكفيرية.. النشأة والجذور العقائدية والفكرية (القسم الثالث)

أفكار ورؤى - الكوثر

خلاصة الوثائق التسعة للحركات الجهادية المصرية:

فيما يلي عرض موجز للوثائق التي قدّمها مجموعة من قادة التنظيمات الإسلامية في مصر خلال السبعينات، والتي تعكس تطور فكر الإسلاميين ورؤيتهم للمسائل الاعتقادية، بعد أن تبلورت خلال عقود من الزمن لتجمع بين مخزون الفكر وخصوصيّة التجربة. وقد عُرفت هذه الوثائق بوثائق “الرافضون”، الذين رفضوا مختلف أشكال التعاطي الداخلي في مصر إزاء مختلف القضايا والذي قد أخذ منحى – أي التعاطي – ابتعد من خلاله عن جوهر الإسلام وأحكامه ومبادئه، فماذا قدّمت هذه الوثائق في رؤيتها للمجتمع الإسلامي القائم، والمنشود، ورؤيتهم للحاكم وفلسفة الحكم وحدود الكفر ونطاقه، والموقف من القضايا الاجتماعية والسياسية المتجدّدة؟ هذا ما سيتمّ تناوله في العرض الموجز لتلك الوثائق.

 

الوثيقة الأولى: وثيقة رسالة الإيمان 1973، للدكتور صالح سرية قائد تنظيم الفنية العسكرية

بعد أن جاء الإسلام وقسم الناس إلى مسلمين وكافرين، برزت بعد وفاة الرسول (ص) عدد من الاتجاهات الفلسفية والعقلية، حيث دأبت في تفسير مسائل العقيدة وأدلت بدلوها في تشخيص الفكر الذي وقعت فيه فرق المسلمين نتيجة الظروف المستجدّة. وقبل الدخول في تفصيل موارد الردّة لهؤلاء المسلمين، لا بدّ من تبيان الأسس الأساسية للعقيدة الإسلامية، مع استخدام مفردة “الإيمان” بدل من “الاعتقاد” درءاً لاستخدام المصطلحات التي قد أضلّت أكثر مما هدت. وعليه فإن الإيمان كما صوّره رسول الله (ص) هو:

* الإيمان بالله: والمقصود به هنا:

1 – أنه وحده الذي خلق الكون وهو وحده المتصرّف بشؤونه.

2 – أنه وحده صاحب التشريع في هذا الكون، وليس لأحد حق التشريع إلا فيما لا نصّ فيه، وإلا من يعطي لنفسه هذا الحق فقد أشرك وكفر بالله، حتى ولو كان مؤمناً بالله ورسوله (ص). من هنا فكل الحكومات والأنظمة التي اتخذت لها مناهجاً وتشريعاتٍ ونظماً غير الكتاب والسنة فقد كفرت بالله. وهذا اليوم يشكّل أساس التوحيد والشرك في هذا العصر.

3 – أن نقدّره حق قدره وأن نتصرف وفق ذلك، فقول “الله أكبر” يومياً عشر مرات يستوجب الإدراك الحقيقي لمعناها على المستويين العقائدي والعملي.

* الإيمان بالملائكة: وهم مخلوقات الله يفعلون ما يأمرهم به على اختلاف وظائفهم (قبض الروح، كتابة الحسنات والسيئات،)، والبحث في هذه المخلوقات وغيرها من مخلوقات عالم الغيب (كالشياطين والجن) يجب أن لا يتعدى نطاق الكتاب والسنّة، وإلا كان ضرباً من العبث والبدعة التي يجب محاربتها.

* الإيمان بكتب الله: والتي منها التوراة والإنجيل والزبور وصحف أخرى وناسخهم القرآن الكريم الواجب الإتباع كمنهاج عمل وليس للتقديس والتبرّك فقط، ومن يرفض اتخاذ القرآن منهاجاً للحياة كافر مهما أظهر من التقديس. وهنا على الفئة المؤمنة:

1 . قراءة القرآن للتفنيذ لا التقديس.

2 . أن لا تضع الحواجز بينها وبين القرآن، بالاستغناء عن كتب التفسير ما أمكن خاصة المتعلق بتفسيرات أهل الأهواء، وتفسيرات الصوفية، وتفسيرات الفقهاء الموافقة لمذاهبهم، وتفسيرات الآيات المتعرّضة للسنن الكونية، والإسرائيليات والأحاديث الموضوعة. بل اعتماد تفسير القرآن بالقرآن، وبالحديث النبوي الشريف، وباللغة العربية دون تحريف أو تعقيد.

* الإيمان بالرسل والأنبياء: الإيمان هنا بجميعهم وبخاتمية نبوّة محمد (ص)، لا من خلال التقديس والاعتزاز والتغزّل، بل من خلال الاتباع والتأسّي، ودراسة السنّة بما يتوافق مع الكتاب.

* الإيمان باليوم الآخر: أي تقدير الجنة والنار حق قدرهما، لا الاقتناع المنطقي فهو ليس بإيمان، بل استشعار حقيقة البعث والحساب والجنة والنار بعد الموت. مع الإشارة إلى أن السبيل الضامن للخلاص من النار هو الشهادة في سبيل الله. وهذا الإيمان كفيل بإيجاد الحرص لدى كل فرد لتنفيذ الأوامر واجتناب النواهي.

* الإيمان بالقدر: لقد كان في بدايات الإسلام مصدر عز للمسلمين مع تسليمهم بمشيئة الله ولكن بعد تحول هذا الإيمان إلى جدل فلسفي حول الجبر والاختيار، بدأ التواكل الذميم والانسحاب من الحياة والتقاعس عن أداء الواجبات بحجة أن الله هو الذي يغيّر الحال إذا أراد وهذا كفر.

وهذا الإيمان بشكل عام يجب أن يُقترن بالعمل، إنطلاقاً من القول: “الإيمان إقرار بالجنان وتكلم باللسان وعمل بالأركان”، وأي تركٍ لواحدة من هذه الثلاث يُخرج المسلم من دائرة الإيمان والإسلام إلى دائرة الكفر. لذا ومن خلال ما تقدّم يرتسم الموقف تجاه المجتمع من حولينا وما يدور فيه من أحكام وقوانين وتشريعات.

* الحكم: الحكم اليوم القائم في جميع بلاد المسلمين هو حكم كافر، والمجتمعات في هذه البلاد كلها مجتمعات جاهلية. بدليل: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[2]، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[3]، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[4]، والظلم والفسق في لغة القرآن تطلق على الكفر والشرك والنفاق. فليس سنّ الإسلام كدين للدولة في الدستور وبناء المساجد وتدريس الدين كافٍ لإطلاق عنوان الدولة الإسلامية، بل الأمر يتعلق بقضايا التشريع والحكم وفق المصادر الأصيلة وحمل الرسالة ونشرها، وإلا كان الأمر تحقير للإسلام. هذا لجهة الحكم، أما المجتمعات فمع انتشار الفساد والخمر والزنا ، من الطبيعي أن تكون بذلك جاهلية، ومن أراد التغيير يحارب من الدولة، فهل يٌعقل أن تكون إسلامية؟. والسؤال الأخر هنا هل أن كل فرد في في هذه المجتمعات هو كافر؟ قطعاً كلا، بل الكافر من آمن بأن هذه الحكومات على حق وأن الإسلام باطل، أو يقتصر على أمور العبادة فقط، وأيضاً من ينقم على الحكومة ولكنه يرى الإصلاح بطريقة غير طريقة الإسلام. والمسلم من عمل على التغيير قولاً لإقامة حكم الإسلام.

أما فيما خصّ عمل المسلم في هذه الدولة الكافرة، فإنه يجوز في حالات ثلاث:

  1. مع وضوح العقيدة بالعمل لإقامة الدولة الإسلامية عبر العمل الحزبي أو الفردي أو الجماعي.
  2. إمكانية استغلال المنصب لمساعدة الجماعات الإسلامية أو التخفيف عنها.
  3. إمكانية استغلال المنصب لخدمة الإسلام والمسلمين.

والجهاد هنا لتغيير الحكومات وإقامة الدولة الإسلامية فرض عين على كل مسلم ومسلمة، ولو قاتل المسلمون مع الحكومات الكافرة ضد من يسعى لإقامة الدولة الإسلامية وجب قتلهم. ويجوز تأييد المواقف الوطنية أو القومية أو الاصطلاحات التي تقوم بها الدولة الكافرة إذا كان معيار المسلم هو الإسلام أو الدولة الإسلامية كونها ستتخذ مواقف مماثلة أو أفضل، وإلا كان كافراً. وضمن آليات التعاطي مع الحكم يبرز التالي:

1 – الأحزاب والجمعيات العقائدية:

كل من اشترك في حزب عقائدي (الشيوعية، الاشتراكية،) أو جمعيات عقائدية (الماسونية، الروتاري،) أو اعتقد بمبادئ مخالفة للإسلام (الفلسفة المادية أو الوجودية،) أو بمبدأ سياسي مخالف للإسلام (الديمقراطية، الرأسمالية،) فهو كافر، فالإسلام قد أوجد الأطر التي تغني عن كل

* قواعد التكفير: وهي ثلاثة:

1. إن الإيمان بالله يقتضي بأنه وحده المشرِّع وعلى البشر التسليم لشرعه وقبول منهجه وحكمه، وإلا فهم كفار، وكل ما يساعد على تحقيق مبادئ الإسلام مقبول وما يخالفه كفر.

2. إن الإسلام كل متكامل، من آمن ببعضه وترك البعض الآخر فهو كافر، سواء الترك لآية واحدة أو مبدأ كامل.

3. الحكم على الإيمان بثلاثة أركان كما يقول السلف “الإقرار بالجنان، والتكلّم باللسان، والعمل بالأركان”، فإن اختلّ ركن واحد من هذه الأركان حكمنا بالكفر.

الشيخ شفيق جرادي

المصدر: Wordpress.com

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

السبت 14 أكتوبر 2017 - 09:01 بتوقيت مكة