من أسباب النهضة الحسينية

الثلاثاء 3 أكتوبر 2017 - 14:23 بتوقيت مكة
من أسباب النهضة الحسينية

الكوثر _ الشعائر الدينية الاسلامية

 

 

 1- معاوية يؤسس الدولة الأموية 

2- تحويل مظاهر الخلافة إلى مظاهر كسروية وقيصرية

 3- الجيش الأموي

4- السياسة الداخلية للدولة الأموية

5-  السياسة المالية

6-  توزيع المال بناءً على التحزب السياسي

7- تمييز أهل الشام

8-  السياسة الضرائبية العشوائية

9- شراء الذمم والدين 

10-الخداع والمخاتلة

 11- إثارة عناصر التفرقة والعصبيات القبلية

 12- تأسيس مدرسة الكذب في الحديث

 13- الاستخفاف بالقيم والأحكام الإسلامية 

14- سب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

15-  الحط من قيمة أهل البيت 

16- تعيين يزيد خليفة على المسلمين

17-  القتل والإرهاب و تصفية المعارضين

18- شخصية الخليفة الجديد: يزيد بن معاوية

 

 

 


معاوية يؤسس الدولة الأموية
بعد استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، نودي بمعاوية خليفة في بيت المقدس سنة 40 هجرية،661 ميلادية 1، وبسيطرته على الخلافة أصبحت دمشق عاصمة الدولة الإسلامية، التي لم تكن آنذاك تضم من العالم الإسلامي كله غير بلاد الشام سوى مصر، التي كان عمرو بن العاص قد انتزعها بعد التحكيم، فإن أهل العراق بايعوا الإمام الحسن بن علي عليه السلام خليفة شرعياً، ولم يكن ولاء مكة والمدينة لآل أبي سفيان قوياً، فقد دخل هؤلاء الإسلام مقهورين بالفتح، بعد سقوط مكة، فكان إسلامهم عن مصلحة لا عن إيمان. 

وكانت ولاية الحسن سبعة أشهر وسبعة أيام، فقد صالح معاوية في ربيع الآخر أو جمادي الأول سنة إحدى وأربعين 2، فاستولى معاوية على الحكم في ظل ظروف غير طبيعية، إذ لم يتمّ ذلك عبر "الإنتخاب" أو "الجماعة"، ولم تستند حكومة معاوية إلى رضى الأمة أو مشورتها، وإنما فرضت عليها بقوة السلاح، وفي أعقاب حرب دامية. وقد اعترف معاوية بذلك: " والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم ولا مسرَّة بولايتي، ولكن جالدتكم بسيفي هذا مجالدة" 3. وألقى في النخيلة، بعد الصلح، بمجرد وصوله إلى العراق، خطاباً أعلن فيه عن جبروته وطغيانه على الأمة واستهانته بحقوقها، وأنَّه إنما قاتل المسلمين وسفك دماءهم ليتأمَّر عليهم، وأن جميع ما أعطاه للإمام الحسن عليه السلام من شروط فهي تحت قدميه لا يفي بشيء منها، فقال: 

"والله إني ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك، وإنما قاتلتكم لأتأمَّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون" 4

وهكذا، فقدت الدولة مع معاوية الكثير من ملامحها الدينية السابقة.

 وبعد أن أصبحت دمشق عاصمة الدولة، تراجع الدور الرسمي للكوفة، آخر عاصمة لدولة الخلافة، قبل الدولة الأموية، إلى الوراء، مع بقاء دور سياسي واستقطابي لها في مواجهة النظام الأموي.

واما المدينة، عاصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأُولى وعاصمة الخلفاء من بعده، فقد أصبحت من الماضي وأخذت تنطفئ وتصبح مثل مكة، مدينة دينية، حيث قبر النبي والصحابة، وأما أولادهم، ممن لم يعد له حظ في قيادة الدولة الإسلامية، فقد عاش حصاراً وعزلة سياسية، إما لأن معاوية اشترى سكوت بعضهم بالمال كعبد الله بن عمر، وإما لأن سياسة معاوية ونظامه الأمني فرضَا طوقاً أمنياً إرهابياً على البعض الآخر، كالإمامين الحسن والحسين عليه السلام وعبد الله بن الزبير، فاحتوى معارضتهم بالقوة والتخويف. 

لقد نجح معاوية في تأسيس الدولة الأموية، معتمداً على مجموعة سياسات، كاستقطاب الأنصار والحلفاء، وإضعاف الخصوم، والإيقاع فيما بينهم. وكان يستخدم من أجل ذلك مختلف الوسائل غير المشروعة، مما أسهم في ولادة أسلوب جديد لم يكن الانسان العربي يألفه في العهود السابقة. 

لقد قام معاوية بانقلاب تنظيمي سياسي على دولة الخلافة وحوّلها إلى مُلك 5. ولم يقف هذا الإنقلاب عند المضمون العائلي الوراثي الشخصاني للدولة، فقد تقصَّى معاوية أخبار وأحوال ملوك البيزنطيين 6، واقتبس الكثير من مظاهر نظامهم متأثراً إلى حدٍّ بعيد بالتاريخ الحضاري البيزنطي لبلاد الشام 7، فقد وجد معاوية في الشام، عندما دخلها مع الجيوش العربية الفاتحة، حضارة بيزنطية متمرسة في الحكم والإدارة، لم تألفها روح البداوة قبل ذلك، كما وجد جهازاً إداريا

 من الموظفين، الذين كانوا يعملون في ظل الإدارة البيزنطية في الميدانين الإداري والمالي، مما ساعده على حكم بلاد الشام، وذلّل أمامه الكثير من المشاكل.

بل كان لنصارى الشام دور مميّز وصل إلى قمة السلطة، فكانت زوجة معاوية نصرانية على مذهب اليَعاقِبة، وهي عربية سورية من بني بجدل من قبيلة كلب، نفس القبيلة التي تنتمي إليها نائلة زوجة عثمان. وقد لعب أخوال يزيد بن معاوية دوراً كبيراً في تكوين شخصيته الدينية والسياسية. كذلك كان منصور 8 ابن سرجون، الذي ساهم في تسليم دمشق للعرب، نصرانياً من أسرة سورية، كان يتولى بعض رجالها شؤون بيت المال أيام البيزنطيين 9. وكان طبيب معاوية أيضاً نصرانياً، وهو ابن أثال، الذي ولَّاه معاوية على جباية خراج حمص 10، وهي وظيفة عليا لم يسبق لنصراني قبله أن وصل إليها في تاريخ الإسلام. 

تحويل مظاهر الخلافة إلى مظاهر كسروية وقيصرية
كان معاوية ميّالاً بطبعه إلى انتحال الملك، وهو بعدُ ما يزال والياً على الشام، حين وصفه الخليفة عمر بن الخطاب، بأنه "كسرى العرب"12، ثم جعل الخلافة ملكاً 13 فكان أول ملك في الإسلام، فقد كرّس الإنفصال ولأول مرة في حياة الدولة الإسلامية بين المسجد والحاكم، ولم يعد للمسجد هذا الدور الفعّال في الحياة السياسية العامة، فقد أقام حاجزاً في المسجد بينه وبين عامة الناس،

ً وأحدث المقصورة 14 في الجامع وجعلها مقاماً للصلاة خاصاً به تفصله عن بقية المصلّين، وهو أول من خطب قاعداً 15، وأول من اتخذ سرير الملك 16

وكانت كل إقامته في قصره "الخضراء" 17، الذي تميَّز بكل مظاهر الملوك 18، من العرش إلى الحرس إلى الحجّاب، وغير ذلك من المظاهر التي انفرد بها معاوية، دون أسلافه من خلفاء الدولة الإسلامية 19

الجيش الأموي
إن نقطة الضعف الرئيسة في دولة معاوية كانت في أنها قامت على القهر والغلبة وسفك الدماء، والدولة التي تقوم على القهر والغلبة وسفك الدماء تحتاج إلى ذلك من أجل أن تستمر، وإلاّ فسوف تكون عرضة للإنهيار السرّيع، ولذلك كان الحاكم الأموي دائماً نزّاعاً إلى سفك الدماء والقتل والإرهاب، معتقداً أنه لو تراخى في ذلك فسوف يسقط، ويقوم أعداؤه بتصفية حسابهم معه بنفس الطريقة. فإذا بالدولة الأموية دولة عسكرية أمنية، منذ ولادتها التي تمّت بالقوة، مروراً بنهجها القمعي الدموي في التعامل مع خصومها، وانتهاءً بسقوطها الذي تم على أيدي العباسيين، وبالقوة أيضاً، وبأسلوب أكثر قسوة ودموية من الأساليب الأموية نفسها. 

وقد تحملت قبائل الشام، وسوادها الأعظم يومئذٍ نصارى من العرب السوريين، وأكثرها يمنية، وبرغم تناقضاتها القبلية، وزر هذا الدور الدموي والإرهابي، وأصبحت هي المادة الحربية التي درّبها معاوية، وألّف منها القوات الضاربة التي

سميت الجيش الأموي، الذي أصبح عصب الحياة السياسية والعسكرية في الدولة الأموية، وأقوى جيش منظّم عرفه العرب، وكان الأداة الفاعلة التي اعتمد عليها معاوية وكبار الخلفاء الأمويين، في السيطرة وضبط الأمن، وتثبيت نظامهم، وتوطيد عروشهم، وتوسيع حركة الفتوحات، وضرب الحركات المعارضة المعادية بمنتهى القسوة والدموية، كما فعل عبيد الله ابن زياد في العراق، ومسلم ابن عقبة في المدينة، والحجاج بن يوسف في مكة. 

وكان لا بد للحاكم الأموي أن يفلّت هذا الجيش، الذي كان أداة طيّعة في قبضة الدولة ولعب دوراً كبيراً في الدفاع عن الحكم الأموي، ويعطيه امتيازات خاصة 20، فتحولت عملياته وحروبه إلى وسيلة للنهب والسلب، وإرواء رغبات القادة والجنود المتعطشين للمال وللسيطرة، وقد ساعد ذلك من جهة أخرى على امتصاص نقمة القبائل والقادة والجنود الذين يشتم منهم رائحة معارضة للنظام، فيتم إرسالهم في البعوث والغزوات، ومن ثم إبعادهم عن التدخل في شؤون الحكم 21.

السياسة الداخلية للدولة الأموية
إن المبدأ السياسي الذي قام عليه النظام الأموي، وهو حكم العائلة، كان مادة السياسة الداخلية للدولة، فاصبحت الأسرة الأموية صاحبة النفوذ الأكبر مطلقاً، مالياً وسياسياً وإدارياً واجتماعياً، بل ودينياً، فكان أحد أمراء بني أمية، على الرغم من فسقه وفجوره، يتولى كل عام إمارة الحج !! 

كذلك كان لقبائل الشام امتيازات أخرى، وإن كانت أقل مرتبة، لكن معاوية كان حريصاً على المحافظة على قاعدة التوازن معها واستيعاب تناقضاتها المتوارثة، فنجده يتحالف مع القبائل اليمنية، ويصاهر أقوى قبائلهم، "كلب"، ويعيّن في

 نفس الوقت الضحاك بن قيس الفهري، وهو من قريش الظواهر وهي من القبائل القيسية، في منصب مهم وخطير وهو ولاية دمشق 22، كذلك نجده يتجنب إلى حدٍّ بعيد الإستعانة بأهل الحجاز في مشروعه العسكري.

وهكذا كانت قبائل الشام تعمل كلها في خدمة العائلة الأموية، بل وتتسابق في السعي إلى احتلال الوظائف في خدمة الأمويين.

أولاً: السياسة المالية 
مشى معاوية على خطى سلفه عثمان، فلم يكن لسياسته فيما يختص بالمال أية علاقة بالسنَّة النبوية ولا حتى بسنَّة عمر، وإنما كان تصرفه في جباية الأموال وإنفاقها خاضعاً لرغباته وأهوائه، فهو يهب الثراء العريض للقوى المؤيدة له ويحرم العطاء للمعارضين، ويستولي على الأموال ويفرض الضرائب بغير وجه حق من كتاب أو سنَّة أو عرف. 

وفوق ذلك قام معاوية بإشاعة الحرمان في الأقطار التي كانت تضم القوى المعارضة له، فقد أجبر أهل يثرب على بيع أملاكهم واشتراها بأبخس الأثمان، وعندما أرسل القيّم على أملاكه لتحصيل وارداتها منعوه عنها، وقابلوا حاكمهم عثمان بن محمّد وقالوا له:إن هذه الأموال كلها لنا، وإن معاوية آثر علينا في عطائنا، ولم يعطنا درهماً فما فوقه حتى مضّنا الزمان ونالتنا المجاعة فاشتراها بجزء من مائة من ثمنه فرد عليهم حاكم المدينة بأقسى القول وأمرِّه. 

ووفد على معاوية الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري فلم يأذن له تحقيراً وتوهيناً به فانصرف عنه، فوجَّه له معاوية بستمائة درهم فردَّها جابر وقال لرسول معاوية: قل له، والله يا بن آكلة الأكباد لا تجد في صحيفتك حسنة أنا سببها أبداًً. 

وانتشر الفقر في بيوت الأنصار، وخيَّم عليهم البؤس حتى لم يتمكن الرجل منهم من شراء راحلة يستعين بها على شؤونه، ولما حجَّ معاوية واجتاز على يثرب، استقبله الناس ومنهم الأنصار، وكان أكثرهم مشاة فقال لهم: " ما منعكم من تلقيّ كما يتلقاني الناس!!؟ " فقال له سعيد بن عبادة: "منعنا من ذلك قلة الظهر، وخفة ذات اليد، وإلحاح الزمان علينا، وإيثارك بمعروفك غيرنا" !! فقال معاوية "أين أنتم عن نواضح المدينة؟" فأجابه سعيد قائلاً: " نحرناها يوم بدر، يوم قتلنا حنظلة بن أبي سفيان". 

وأما في العراق، وهو المركز الرئيس للمعارضة، فكان ولاته كالمغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه وسمرة بن جندب يحبسون العطاء والأرزاق عن أهل الكوفة وعن كل من له هوى في أهل البيت عليهم السلام، وقد سنَّ معاوية بذلك سنَّة سار عليها الحكام الأمويون من بعده في اضطهاد العراق وحرمان أهله 23، وحتى عمر بن عبد العزيز، الذي يعتبرونه أعدلهم، فإنه لم يساو بين العراقيين والشاميين في العطاء، بل زاد في عطاء الشاميين عشرة دنانير ولم يزد في عطاء أهل العراق.

تمييز أهل الشام
وبينما كانت البلاد الإسلامية تعاني الجهد والحرمان كانت الشام في رخاء شامل. بل حمل أهلها على رقاب الناس، فكان الشامي هو الأولى دائماً، وهو المخدوم، وهو السيِّد، وله الإمتيازات المالية والسياسية والإجتماعية، وقد ألمح إلى ذلك مالك بن هبيرة في حديثه مع الحصين بن نمير إذ قال له: " هلمّ فلنبايع لهذا الغلام أي خالد بن يزيد الذي نحن ولدنا أباه وهو ابن أختنا، فقد عرفت منزلتنا من أبيه فإنه كان يحملنا على رقاب العرب". 

توزيع المال بناءً على التحزب السياسي
واستخدم معاوية الخزينة المركزية لتدعيم ملكه وسلطانه، فمنح الأموال الهائلة لأسرته ووهبهم الثراء العريض، وأغدق الأموال على المؤيدين له والمنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السلام ، فوهب خراج مصر لابن العاص، وجعله طعمة له ما دام حياً. ومن ذلك أنه قدم عليه يزيد بن منبه من البصرة يشكو له ديناًً قد لزمه، فقال معاوية لخازن بيت المال: اعطه ثلاثين ألفاً، ولما ولَّى قال: وليوم الجمل ثلاثين ألفاً أخرى. 

شراء الذمم والدين 24
وقد وفد عليه جماعة من أشراف العرب فأعطى كل واحد منهم مائة ألف وأعطى الحتات عم الفرزدق سبعين ألفاً، فلما علم الحتات بذلك رجع مغضباً إلى معاوية فقال له: " فضحتني في بني تميم، أَمَّا حسبي فصحيح، أولست ذا سن؟ ألست مطاعاً في عشيرتي؟ " فقال معاوية: " بلى.. " فقال: " فما بالك خست بي دون القوم وأعطيت من كان عليك أكثر ممن كان لك !! " فقال معاوية بلا حياء ولا خجل: " إني اشتريت من القوم دينهم، ووكلتك إلى دينك ورأيك في عثمان بن عفان " فقال الحتات: " وأنا اشتر مني ديني " فأمر له بإتمام الجائزة 25

واضطر معاوية بعد إسرافه وتبذيره إلى مصادرة الأموال ليسد العجز المالي الذي مُنيت به خزينة الدولة، ففرض على المسلمين ضريبة النيروز ليسد بها نفقاته، وأصبحت الولاية في عهده مصدراً من مصادر النهب والسرقة وللثراء وجمع الأموال. 

السياسة الضرائبية العشوائية
أما جباية الخراج فكانت خاضعة لرغبات الجباة وأهوائهم، وقد سأل صاحب "أخنا" عمرو بن العاص عن مقدار ما عليه من الجزية!! فنهره ابن العاص وقال له: " لو أعطيتني من الأرض إلى السقف ما أخبرتك ما عليك، إنما أنتم خزانة لنا!! إن كثّر علينا كثّرنا عليكم، وإن خُفف عنا خففنا عنكم". 

وأوعز معاوية إلى زياد بن أبيه أن يصطفي له الذهب والفضة، فقام زياد مع عماله بإجبار الناس على مصادرة ما عندهم من ذلك وإرساله إلى دمشق. 

ثانياً: إثارة عناصر التفرقة والعصبيات القبلية 
عمل معاوية على تمزيق أواصر الأمة الإسلامية بإثارة الروح القومية والقبلية والإقليمية إمعاناً في إلهاء الأمة في تناقضات جانبية على حساب تناقضها الأساسي مع الحكم الأموي الجائر، وذلك في ممارسة إثارة الضغائن بين القبائل العربية وإشغالها بالصراعات الجانبية فيما بينها، كالصراع الذي نشب بين قيس ومضر، وأهل اليمن والمدينة، وبين قبائل العراق فيما بينها، وإثارة العنصرية عند العرب ضد المسلمين من غير العرب الذين يُعرفون تاريخياً باسم الموالي، الذين أراد أن يقتل شطراً منهم لو لم ينهه الأحنف بن قيس 26، كما عمد معاوية إلى إثارة الأحقاد القديمة ما بين الأوس والخزرج محاولاً بذلك التقليل من أهميتهم، وإسقاط مكانتهم، وبمقدور المرء أن يجد آثار تلك السياسة الجاهلية جليّاً في أشعار مسكين الدارمي والفرزدق وجرير والأخطل وسواهم.

ثالثاً: الخداع والمخاتلة
وأقام معاوية دولته على المخاتلة والخداع، فلما دس السم إلى مالك الأشتر أقبل على أهل الشام فقال لهم: " إن علياً وجه الأشتر إلى مصر فادعوا الله أن يكفيكموه". 

فكان أهل الشام يدعون عليه في كل صلاة، ولما أخبر بموته أنبأ أهل الشام بأن موته نتج عن دعائهم لأنهم حزب الله، ثم همس في أذن ابن العاص قائلاً له: "إن لله جنوداً من عسل".

رابعاً: الإستخفاف بالقيم والأحكام الإسلامية
عرف معاوية بالخلاعة والمجون، يقول ابن أبي الحديد: " كان معاوية أيام عثمان شديد التهتك موسوماً بكل قبيح، وكان في أيام عمر يستر نفسه قليلاًً خوفاً منه". 

ونقل الناس عنه في كتب السيرة أنه كان يشرب الخمر 27. واستخف بكافة القيم الدينية، ولم يعن بجميع ما جاء به الإسلام من الأحكام فاستعمل أواني الذهب والفضة، وأباح الربا 28، وتطيَّب في الإحرام، وعطَّل الحدود، واستلحق زياد بن أبيه، وقد خالف بذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر". 

خامساً: تأسيس مدرسة الكذب في الحديث
وعمد معاوية فأوعز إلى بعض الوضاعين من الصحابة أن يفتعلوا الأحاديث على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في إلزام الأمة بالخضوع للظلم، والخنوع للجور والتسليم لما يقترفه سلطانها من الجور والإستبداد وهذه بعض الأحاديث: 

1 – روى البخاري بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأصحابه: " إنكم سترون بعدي إثرة، وأموراً تنكرونها: قالوا فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: أدّوا إليهم حقهم، واسألوا الله حقكم..".

 2- روى البخاري بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "من رأى من أميره شيئاًً يكره فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية". 

سادساً: الحط من قيمة أهل البيت عليهم السلام 
وقد استخدم الكتاتيب لتغذية الأطفال ببغضهم، ثم استخدم لذلك الوعّاظ الذين سخرهم واستأجرهم لكي يحولوا القلوب عن أهل البيت عليه السلام ، ويذيعوا الأضاليل في انتقاصهم تدعيماً للحكم الأموي، فقام هؤلاء بافتعال الأخبار ووضع الأحاديث على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم للحط من قيمة أهل البيت عليه السلام وأبرز هؤلاء: أبو هريرة الدوسي، وسمرة بن جندب، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وقد افتعلوا آلاف الأحاديث على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت عدة طوائف مختلفة حسب التخطيط السياسي للدولة وهي: 

الطائفة الأولى: وضع الأخبار في فضل الصحابة لجعلهم قبال أهل البيت، وقد عدّ الإمام الباقر عليه السلام أكثر من مائة حديث، منها أن عمر كان محدَّثاً، أي تحدثه الملائكة. وأن السكينة تنطق على لسان عمر، وأن عمر يلقنه الملك، وأن الملائكة لتستحي من عثمان!! و" إن سيدي كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر"، وقد عارضوا بذلك الحديث المتواتر "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".

الطائفة الثانية: وضع الأخبار في ذم العترة الطاهرة والحط من شأنها، فقد أعطى معاوية سمرة بن جندب أربع مائة ألف على أن يخطب في أهل الشام، ويروي لهم أن هذه الآية الكريمة {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} قد نزلت في


أمير المؤمنين علي عليه السلام ، فروى لهم سمرة ذلك وأخذ العوض الضخم من بيت مال المسلمين 29

وروى الأعمش أنه لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة في سنة 41 هجرية، جاء إلى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس، جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مراراً، وقال: " يا أهل العراق أتزعمون أني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحرق نفسي بالنار؟ لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " إن لكل نبي حرماً، وإن حرمي ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيهما حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة أجمعين، وأشهد بالله أن علياً أحدث فيها!! فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولَّاه إمارة المدينة 30

الطائفة الثالثة: افتعال الأخبار في فضل معاوية، فقد روى هؤلاء أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " معاوية بن أبي سفيان أحلم أمتي وأجودها 31" و "صاحب سري معاوية بن أبي سفيان 32" و "اللهم علِّمه – يعني معاوية – الكتاب وقه العذاب وأدخله الجنة".

 سابعاً: سب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام 
وتمادى معاوية في التطاول على الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فأعلن سبه في نواديه العامة والخاصة وأوعز إلى جميع عماله وولاته أن يذيعوا سبّه بين الناس، وسرى سب الإمام في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وقد خطب معاوية في أهل الشام فقال لهم: " أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي: إنك ستلي الخلافة من بعدي فاختر الأرض المقدسة، يعني الشام، فإن فيها الأبدال، وقد اخترتكم فالعنوا أبا تراب" 33، فعجّ أهل الشام بسب الإمام. وخطب معاوية فيهم، فقال لهم: " ما ظنكم برجل، يعني علياً، لا يصلح لأخيه، يعني عقيلاً، يا أهل الشام !! إن أبا لهب المذموم في القرآن هو عم علي بن أبي طالب" 

ويقول المؤرخون: إنه كان إذا خطب ختم خطابه بقوله: " اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك وصدَّ عن سبيلك فالعنه لعناً وبيلاً، وعذَّبه عذاباً أليماً". 

عن الزهري قال: قال ابن عبّاس لمعاوية: ألا تكفّ عن شتم هذا الرجل؟ قال: ما كنت لأفعل حتّى يربو عليه الصغير ويهرم فيه الكبير، فلمّا ولّي عمر بن عبد العزيز كفّ عن شتمه، فقال الناس: ترك السُّنة 34.

وكان يشاد بهذه الكلمات على المنابر، ولما ولى معاوية المغيرة بن شعبة إمارة الكوفة، كان أهم ما عهد إليه أن لا يتسامح في شتم الإمام عليه السلام والترحم على عثمان، والعيب لأصحاب علي عليه السلام وإقصائهم، وأقام المغيرة والياً على الكوفة سبع سنين وهو لا يدع ذم علي عليه السلام والوقوع فيه. 

واضطهدت الشيعة أيام معاوية اضطهاداً رسمياً في جميع أنحاء البلاد، وقوبلوا بمزيد من العنف والشدة، فقد انتقم منهم معاوية كأشد ما يكون الإنتقام قسوة وعذاباً. 

ثامناً: القتل والإرهاب و تصفية المعارضين
فوجئ العرب والمسلمون بالسياسة الجديدة للدولة الإسلامية، وهي سياسة البطش والإرهاب والقتل على الظنة والشك، فقد كان عدم وجود سلطة مركزية أحد عدم موانع انتشار الرسالة الإسلامية، ولكن بعد أن انتشرت هذه الرسالة وتأسست دولتها المركزية وأصبح لديها جيش قوي في الشام، استعمل معاوية هذه الدولة المركزية وهذا الجيش القوي في التنكيل والقتل وزرع الرعب في قلوب الناس، فكانت هذه المرحلة مرحلة انقلاب أساسي في حياة الناس وحريتهم، فقد كانوا في زمن الخلفاء أحراراً يستطيعون المعارضة وإسقاط الخليفة بل قتله، أما الآن فلم يكن أمام الناس إلا الخضوع مذهولين للدولة الإرهابية الجديدة. 

فمما أوصى به معاوية أحد قادة جيوشه:".. فأقتل من لقيته ممن ليس هو على مثل رأيك، واخرب كل ما مررت به من القرى، واخرب الأموال، فإن خرب الأموال شبيه بالقتل وهو أوجع للقلب" 35

وقد قتل بسر بن أبي أرطأة ثلاثين ألفاً عدا من أحرقهم بالنار، وقتل سمرة بن جندب ثمانية آلاف من أهل البصرة.

وأسرف معاوية إلى حدٍّ كبير في سفك دماء الشيعة، فقد عهد إلى الجلادين من قادة جيشه بتتبع الشيعة وقتلهم حيثما كانوا، وكتب إلى ولاته في جميع الأمصار: انظروا من قامت عليه البيّنة أنه يحبّ علياً وأهل بيته، فامحوه من الديوان واسقطوا عطاءه ورزقه 36، وكتب كتاباًً آخر جاء فيه: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به واهدموا داره 37، فارتكب زياد بن أبيه أفظع المجازر، فقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون، وأنزل بالشيعة من صنوف العذاب ما لا يوصف لمرارته وقسوته. 

 وقد صوَّر الإمام محمّد الباقر عليه السلام تلك المأساة الدامية بأقصر عبارة وأدقها، حين قال: "فقُتلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظِنّة، وكان من يُذكر بحبنا والإنقطاع إلينا سُجن، أو نهب ماله، أو هدمت داره، ثم لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام " 38.

وعمد معاوية نفسه إلى إبادة رموز الشيعة كحجر بن عدي، ورشيد الهجري وعمرو بن الحمق الخزاعي، وأوفى بن حصن، وعبد الله الحضرمي، وجويرية العبدي وصيفي بن فسيل. 

كذلك أوعز معاوية إلى جميع عماله بهدم دور الشيعة، فقاموا بنقضها وتركوا شيعة آل البيت عليه السلام بلا مأوى يأوون إليه، وبادر عماله في الفحص في سجلاتهم، فمن وجدوه محباً لآل البيت عليه السلام محوا اسمه وأسقطوا عطاءه، وعمد معاوية إلى إسقاط الشيعة اجتماعياً، فعهد إلى جميع عماله بعدم قبول شهادتهم في القضاء وغيره. 

وأراد زياد بن أبيه تصفية الشيعة من الكوفة وكسر شوكتهم فأجلى خمسين ألفاً منهم إلى خراسان وهي المقاطعة الشرقية في فارس، وقد دقَّ زياد بذلك أول مسمار في نعش الحكم الأموي، فقد أخذ أولئك الذين أبعدوا إلى فارس يعملون على نشر التشيع في تلك البلاد، حتى تحوَّلت إلى مركز للمعارضة ضد الحكم الأموي، وهي التي أطاحت به تحت قيادة أبي مسلم الخراساني. 

تاسعاً: تعيين يزيد خليفة على المسلمين
ابتدأت قصة يزيد مع الخلافة قبل شهادة الإمام الحسن عليه السلام ، ولكن معاوية لم يستطع الإستمرار فيها بسبب بعض المعارضة، فآثر تأجيلها، وبعد شهادة الإمام الحسن عليه السلام 39 ختم معاوية حياته بأكبر إثم في الإسلام، فقد أقدم غير متحرِّج على فرض يزيد خليفة على المسلمين.

 فقد بلغ المغيرة بن شعبة أن معاوية يريد عزله عن ولاية الكوفة وتعيين سعيد بن العاص مكانه، فتقرّب إليه باقتراح خلافة يزيد، وتعهَّد له بأن يذلل له الصعاب في الكوفة، فأرجعه إلى عمله. وكانت هذه الحادثة فتح عهد يزيد بالخلافة، فقد أوفد إليه المغيرة وفداً من الكوفة لمبايعة يزيد، فابتدأت بذلك هذه المحنة 40

وقوي عزم معاوية على الإستمرار، فطلب من زياد بن أبيه المشورة ولكنه نصحه بالتريث. فانتظر حتى مات زياد 41 فكتب ببيعته إلى الآفاق42. ثم حاول أن يفرض هذه البيعة على الإمام الحسين عليه السلام بالقوة والعنف تارة 43، وبالحيلة والخداع تارة أخرى 44. وقد كان الإمام عليه السلام يتصدى لكل هذه المحاولات لمعاوية ويكشف زيفها وحقيقة يزيد وعدم أهليته 45.

لقد نقض معاوية أهم وأخطر بند في صلحه مع الإمام الحسن عليه السلام ، وأشعل بذلك فتيل أخطر حرب في تاريخ الإسلام لم تنطفئ إلى يومنا هذا، فقد حوّل الإمامة التي هي وراثة النبوة إلى ملك شخصي عائلي يتوارثه الأبناء والأحفاد، وهذا ما سمَّاه المؤرخون تحويل الخلافة إلى قيصرية وكسروية، وفوق ذلك كله فقد كان مختاره للخلافة أقل بكثير من المستوى العادي، وهو ولده يزيد.

 شخصية الخليفة الجديد: يزيد بن معاوية
ولد سنة 25 أو 26 هجرية ولادة ملتبسة 46، ونشأ في البادية متربياً في أحضان أخواله من بني "كلب" ممن كان نصرانياً قبل فتح بلاد الشام، فتأثر بهم في سلوكه وأفكاره، فإذا به ماجن يشرب الخمر ويدمن عليه حتى يترك الصلاة 47، ولع بالصيد 48، شغف بالقرود 49، ملحد في دين الله 50.يستقري الكلاب المهارشة عند التهارش والحمام السُّبَّق لأترابهنَّ والقينات ذات المعازف وضروب الملاهي 51، أو كما نقل ابن كثير اشتهر بالمعازف وشرب الخمر والغناء والصيد واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب والنطاح بين الكباش والدباب والقرود، وما من يوم إلا ويصبح فيه مخمور 52، وما عن أنساب الأشراف كان يزيد بن معاوية أول من أظهر الشراب والإستهتار بالغناء، والصيد، واتّخاذ القيان والغلمان، والمتفكِّه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعاقرة بالكلاب والديكة. 

ومع ذلك فقد كان هوى معاوية في يزيد، إلى الدرجة التي عرّض فيها مستقبل حكم بني أميّة للخطر، فللحفاظ على هذا الملك كان ينبغي أن يرشح داهية آخر يتصنع الإيمان والحكمة والحلم غير يزيد، ولا يرتكب من الحماقات ما يفضحه ويكشفه على حقيقته، ولكن حبه ليزيد وانقياده لهواه فيه أعماه عن هذا القصد، فقال ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي وعرفت قصدي 53 لذلك حاول أن يستدرك شيئاًً من الضعف في شخصية

 يزيد، فأوصاه بوصايا يعلمه فيها كيف يتعامل مع رؤوس معارضيه المحتملين، من أولاد الصحابة:
"فأما عبدالله بن عمر فهو معك فالزمه ولا تدعه 54، وأما الحسين فهو رجل خفيف 55 فقد عرفت حظه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو من لحم رسول الله ودمه، وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيّعونه، وأرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه، فإن ظفرت به فأعرف حقه ومنزلته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تؤاخذه بفعله، ومع ذلك فإن لنا به خلطة ورحماً وإياك أن تناله بسوء ويرى منك مكروهاً 56. وأما ابن الزبير فخبٌّ ضبٌّ، فإذا شخَصَ لك فالبد له، إلا أن يلتمس منك صلحاً، فإن فعل فأقبل واحقن دماء قومك ما استطعت" 57

كان معاوية حريصاً جداًً في هذه الوصية على عناصر المرونة والدهاء التي تضمن استمرار الحكم الأموي، وتبعده عن مهاوي الحماقة والنزق والعجلة. ولكن هل كان معاوية يعتقد بأن يزيد سيطبق هذه الوصية ؟ ألم يخالف عندما طلب منه عدم إظهار التهتك والتستر على شخصيته ؟ 58 ألم يكن يعلم أن يزيداً سوف يقتل الحسين عليه السلام ، وهو المتتبع للأخبار التي كانت تتناقل منذ عصر النبوة، وتقول إن يزيد هو قاتله بيد جيش يقوده عمر بن سعد، بل تصل إلى تحديد المكان والزمان، بل وحتى اسم حامل الرأس الشريف؟ ولكنه مع ذلك كان مصراً على تعيين يزيد ملكاً وهو يعلم أن الإمام الحسين عليه السلام سيبتلى بعد معاوية بمن لا ينظره فواق ناقة، يعني يزيد 59

 لقد كان معاوية يوصي يزيداً باتباع أسلوب الدهاء والمراوغة، ولكن هل كان يقدم معاوية على قتل الإمام الحسين عليه السلام لو خرج عليه، كما قتله يزيد حينما خرج عليه؟ 

لا إشكال ولا ريب... 

إلا أن يقال بأن معاوية أدهى من أن يبتلى علناً وجهاراً بقتل الإمام عليه السلام كما فعل يزيد، بل قد يقتله غيلة وسراًً بالسم أو غيره... ولكن القتل أولاً وآخراً هو الأسلوب الوحيد المتبقي بين يدي الوالد والولد، وهذا ما أكّد عليه يزيد حينما قيل له إن معاوية كان يكره قتل الحسين عليه السلام فقال: " ذلك قبل أن يخرج، ولو خرج على أمير المؤمنين والله قتله إن قدر" 60

إذن فالوصية المذكورة من معاوية لابنه لا تتعدى سقف الوصية بأسلوب الدهاء والمرونة والمراوغة كسياسة عامة مع الخصوم... وأما أصل القتل والتنكيل فينبغي أن يكون بحيث لا يصيب الدولة الأموية منه ضرر... أي سرّاً وخفية يقوم به جنود من عسل مثلاً. 

* تاريخ النهضة الحسينية. نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية. الطبعة الثانية. ص: 85-127.
 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الثلاثاء 3 أكتوبر 2017 - 14:23 بتوقيت مكة