لا يختلف إثنان على أن معركة الرقّة هي معركة الفصل مع تنظيم داعش الإرهابي، أو “الفاينل” كما يصطلح عليها البعض. ولعل خسارتها تعدّ انتكاسة كبرى للتنظيم الإرهابي الأبرز على الساحتين الإقليمية والعالميّة، ولكن يبقى هذا الأمر قائماً في حال عدم انتقال التنظيم الإرهابي نحو دير الزور.
فهل يصح تصوير المعركة، من قبل الجانب الأمريكي أو أطراف حليفة لواشنطن تخوض هذه المعركة اليوم بشجاعة، على أنّها أم المعارك، أمّ أنها تأتي نتيجة لعشرات الهزائم التي تلقّاها التنظيم الإرهابي على الساحتين العراقيّة والسورية.
أمّ المعارك السوريّة
لا تزال المعارك مستمرة داخل مدينة الرقة عاصمة تنظيم داعش الإرهابي، وتدخل في يومها الثالث عشر مع سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على سبعة أحياء بالمدينة.
البعض اصطلح عليها “سوريا غراد”، إلا أنّه رفض استخدام المصطلاح ذاته على معركة الموصل “عراق غراد”، لأسباب سنسعى للتطّرق إليها بين ثنايا هذه السطور.
نعتقد بأن “أم المعارك السورية ضد داعش” هو التعبير الأدق للمعركة اليوم، نظراً لكون المدينة عاصمة الخلافة، وآخر المدن الكبرى التي يسيطر عليها التنظيم الإرهابي.
لا ننكر دور قوات سوريا الديمقراطيّة، القوة الأهم في معركة الرقة والتي طرقت أبواب المدينة منذ أيّام حيث يخوض المسلّحون الأكراد معارك ضارية بدعم جوّي من التحالف الدولي بغية السيطرة عليها وانتزاعها من قبضة التنظيم.
ولكن، ماذا عن كافّة المعارك السابقة ضدّ التنظيم الإرهابي في كافّة المناطق السوريّة؟ ماذا عن عاصمة الخلافة العراقيّة الموصل، عروس الشمال التي تخلع جلبابها الأسود اليوم؟
ما يعزّز الترويج للرؤية الأمريكية الكرديّة هو انفراد قوّات سوريا الديمقراطيّة في المدى المنظور بقتال التنظيم في الرقة، وفتح جبهة مرتقبة من الجيش السوري من ناحية البادية السورية، مقابل غياب تام لتركيا التي حاولت إيجاد دور لها في المعركة القائمة وكسر استئثار الأكراد بها عبر إقناع واشنطن بالتخلي عن دعم الأكراد، والاعتماد على قوات درع الفرات المشكلة من مقاتلين عرب سوريين، إلا أن أمريكا أصرّت على الاستمرار في دعم الأكراد وتسليحهم لمعركة الرقة (المدينة عربية صرفة يقطنها بعض الأكراد من ريفها ومن محافظات أخرى) مع تقديم ضمانات للجانب التركي، ستكون بالتأكيد على حساب تطلّعات الأكراد.
قد يفهم البعض من كلامي هذا أنه لا دور للجيش السوري وحلفائه في هذه المعركة، بالطبع هذا ما لم أقصده، فبينما كانت “قوات سوريا الديمقراطية” تستعرض إنجازاتها في الضواحي الغربية من الرقة، رغم استعادة داعش لبعض هذه الأحياء، عمل الجيش السوري على إقفال طرق انسحاب تنظيم “داعش” من الرقة بالنار والبرّ بدعم جوّي روسي، أي أن الجيش السوري ورغم عدم مشاركته المباشرة حالياً في المعركة، يحول دون انسحاب داعش نحو مدينة ثانية لاتخاذها عاصمة للخلافة، خاصّة أن طريق داعش سيكون من الرقة إلى البادية حيث يخوض الجيش السوري وحلفاؤه معركة هي الأكبر في تاريخ الحرب السورية.
هذا الأمر، وإن كان سيطيل أمد المعركة، بدلاً من إنهائها دون أي طلقة، أي عبر انسحاب داعش، إلا أنّه يعد خطوة ثابتة على طريق إنهاء “داعش” الذي بث قبل أيام إصدارا يحث على الانتساب إلى قواته، بعد خساراته الفادحة في الموصل، فضلاً عن كونه يتعرض للمرة الأولى لهجمات متزامنة من كل خصومه وهو ما يضطره للبقاء في موقع الدفاع.
لم تكن هذه المعركة لتحصل على أعتاب الرقّة، لولا دحر التنظيم الإرهابي من جرف النصر (الصخر) حيث كان أوّل ظهور إعلامي لقائد فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليمانی، وآمرلي والرمادي وبقية المناطق العراقيّة انتهاءً بأم معاركها معركة الموصل التي نجحت فيها قوّات الحشد الشعبي بمؤازرة القوّات العراقية في هزيمة التنظيم الإرهابي.
الشقّ السوري، لا يختلف أيضاً حيث لعب الجيش السوري وحلفاءه من جهة، والقوات الكرديّة من جهة أخرى دور ريادياً في هزيمة التنظيم الإرهابي والدفع به للتراجع نحو الرقّة، فمن أطراف دمشق إلى حمص وتدمر التي احتلّها “داعش” مرّتين”، إلى حلب وريفها وصولاً إلى الحسكة ودير الزور وريفّ الرقّة، كانت هذه المعارك بمثابة المقدّمة الطبيعية للدخول في معركة الرقّة.
ما نريد قوله، أنّه من غير الصحيح اختصار معركة القضاء على الإرهاب بمعركة الرقّة، تماما لو اختصارنا مسيرة علاج مرض عضال امتدّت لعدّة سنوات، بيومي العلاج الأخيرين.
قد يتساءل البعض عن أسباب طرح هذه القضيّة اليوم، والإجابة تكمن في ما وراء سطور الإعلام الأمريكي وغيره. فواشنطن، تريد اقتطاع التركة الأكبر لتنظيم داعش الإرهابي وحصد الحصّة الأكبر من الغنائم من ناحية، وإظهار نفسها على الساحة الدوليّة أنها رأس مكافحة الإرهاب، رغم أنها باعتقادنا، رأس الإرهاب نفسه!
المصدر: IUVM PRESS