وقالت الصحيفة، التي استندت إلى تقرير مخابراتي أمريكي، إنه تم تدمير 98 موقعاً عسكرياً سعودياً في نجران وجيزان وعسير وظهران الجنوب وخميس مشيط تدميراً كلياً، إلى جانب 76 موقعاً عسكرياً تم اقتحامها وتفجيرها بالألغام الأرضية، كما تم تدمير منطقتي القيادة والسيطرة في نجران وعسير بشكل كلي، ومقر العمليات للجيش السعودي في الخوبة والطوال وأبوعريش والحرث والربوعة، كما تم تدمير قصور الإمارة في نجران وجيزان وظهران، وحسب واشنطن بوست فإن الخسائر البشرية تمثلت في مقتل 2326 جندياً وضابطاً، و22 جنرالاً من الرتب العلىا، ويتصدر القائمة الفريق محمد الشعلان، قائد القوات الجوية، وأكثر من 36 طياراً، فضلاً عن تفجير عدد كبير من الطائرات الحربية في مواقعها، ومنصات الصواريخ، ومئات الدبابات والمدرعات والأطقم العسكرية.

على الجانب الآخر، تعدت الخسائر إلىمنية عشرة آلاف قتيل، معظمهم من النساء والأطفال، والمدنيين بصفة عامة، وضعف هذا الرقم من الجرحى، إضافة إلى ما يقرب من ثلاثة ملايين نازح، بينما تكلفة خسائر البنية التحتىة أكثر من 20 مليار دولار، بعد أن استهدف القصف الجوي تدمير المطارات، والموانئ، ومحطات الكهرباء، وخزانات المياه، والمنشآت الحكومية، والمساجد، والمدارس، والمستشفيات، والمواقع الأثرية، ومخازن الغذاء، والأسواق، والمصانع، بما يعني أننا أمام حرب انتقامية استهدفت في المقام الأول تدمير مقومات الحياة لشعب بأكمله، على غرار قصف قوات التحالف للعراق عام 1990، والغزو الأمريكي عام 2003، لذا فقد أصبح هناك ما يزيد على 15 مليون يمني يعانون انعدام الأمن الغذائي، ناهيك عن انتشار الأمراض، ﻭفي مقدمتها شلل الأطفال، والملاريا، والطاعون.

أي عاقل يمكن أن يوافق على استمرار مثل هذا العدوان، أو هذه الحرب غير المبررة.. منذ اليوم الأول للقصف الجوي على الأراضي اليمنية قبل عامين، وتحديداً في مارس 2015، والعالم لا يكترث بالأحداث اليومية هناك، لا إعلامياً ولا سياسياً، بما يؤكد أن هناك تنسيقا كبيرا بين دول العدوان والعالم الغربي تحديداً، الأهم من ذلك أننا إزاء قصف مئات المدارس والمستشفيات والمصانع والمناطق الأثرية، ولا نسمع صوتاً لأحد، ولو حتى من المنظمات الحقوقية، أما في حالة قصف إلىمنيين سفينة إمداد إماراتية، أو بارجة سعودية تشارك في العدوان، تنطلق الإدانات من كل صوب وحدب، وكأن علىهم أن يستسلموا للقصف والقتل!!

الحرب على اليمن، أيها السادة، تكشف إلى أي مدى اختفى الضمير العالمي أو الإنساني، تكشف إلى أي مدى لم يعد هناك مكان للضعيف في ذلك العالم الأخرق، تكشف إلى أي مدى بلغت الأحقاد على الدول ذات الحضارات الموغلة في التاريخ، تكشف إلى أي مدى بلغت الوصاية والتدخل في شؤون الآخرين، سواء من دول الجوار، أو من دول الاستعمار على السواء، تكشف إلى أي مدى وصل التردي العربي، سواء على مستوى العواصم، أو على مستوى الجامعة العربية، التي بدا أنها لا حول لها ولا قوة، في ظل هيمنة أصحاب النفوذ بها، أو بمعنى أدق أصحاب المال والتمويل.

يجب أن نعترف بأننا الآن أمام حروب بالوكالة، الخاسر الأول والأخير منها هو المواطن العربي والأرصدة المالية العربية، حرب على اليمن تستهدف في المقام الأول إيران، وتمويل حرب أخري على سوريا، تستهدف أيضاً إيران، وتمويل التوتر والتفجيرات في العراق، بهدف الحد من نفوذ إيران، نفس الحال في لبنان، وحتى في البحرين، لم تسفر مثل هذه السياسات أبداً عن الحد من النفوذ الإيراني بالمنطقة، على العكس تماماً، المد الإيراني آخذ في التوسع يوماً بعد يوم، حتى داخل كل دول الخليج (الفارسي) دون استثناء، بما كان يستوجب البحث عن استراتيجية أخرى، تحمل على عاتقها الدخول في علاقات قوية ومتوازنة مع هذه الأنظمة العربية بالدرجة الأولى، والتي لم تكن فارسية أبداً، حتى لو بدا أن المعتقد الديني يمكن أن يكون مؤثراً.

في الوقت نفسه، أعتقد أنه آن الأوان للحوار مع إيران ذاتها، الأرضية المشتركة أكبر بكثير مما يروج له البعض، نقاط الالتقاء أكبر بكثير من نقاط الاختلاف، المصالح المشتركة كثيرة ومتعددة، لا يستطيع أحد أن ينكر أن إيران يمكن أن تمثل دعما كبيراً للقضايا العربية من كل الوجوه، حتى وإن كانت هناك خلافات حول بعض القضايا، ذلك أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية على سبيل المثال لم يَحُلْ دون تواصل العديد من العواصم العربية معها، كما أن الانحياز الأمريكي لإسرائيل لم يَحُلْ دون وجود معظم الاستثمارات العربية بالأراضي الأمريكية.

لتكن الأراضي  اليمنية هي مائدة المفاوضات، نزيف الدم والمال لم يستثنِ أحداً، بما يؤكد أن الحروب ليست نزهة، كما الطائفية بدا أنها أكذوبة كبرى، الهدف الأول والأخير منها هو الاستنزاف، وها قد تحقق الهدف، حتى إن أحداً لم يعد يكترث لدمائنا، وهذا في حد ذاته كان يجب أن يكون كافياً لإعمال العقل والعودة إلى الرشد، أيضاً يمكنكم أن تحاربوا إيران إذا شئتم، لكن لتكن الحرب في إيران، الجغرافيا الإيرانية واضحة وشاسعة، كفاكم خلطاً للأوراق.

* عبد الناصر سلامة ـ المصري اليوم