ذكرى استشهاد الشيخ محمد بن مكي العاملي صاحب اللمعة

الثلاثاء 7 فبراير 2017 - 17:36 بتوقيت مكة
ذكرى استشهاد الشيخ محمد بن مكي العاملي صاحب اللمعة

يوافق التاسع من جمادى الأولى ذكرى استشهاد الفقيه الشيخ محمّد بن جمال الدين مَكِّي العاملي المعروف بالشهيد الأول وصاحب كتاب اللمعة الدمشقية، فبهذه المناسبة نقدم للقراء الأعزاء لمحات من حياته.

اسمه ونسبه :

 

الشيخ محمّد بن جمال الدين مَكِّي العاملي الجزِّيني .

 

ولادته ونشأته :

 

ولد الشهيد الأوّل سنة 734 هـ بقرية جزِّين ، إحدى قرى جبل عامل في لبنان ، وترعرع في بيت من بيوت العلم والدين ، وتلقّى في قريته - وكانت يومذاك مركزاً فكريّاً إسلاميّاً - مبادئَ العلوم العربية والفقه . فتح الشهيد الأوّل عينيه على مخالطة العلماء ومُجالستهم ، وارتاد في ريعان شبابه الندوات العلمية ، التي كانت تُعقد في أطراف جبل عامل ، واشترك في حلقات الدرس التي شُكِّلت في المدارس والمساجد والبيوت . وقد ساهم كذلك في المحاورات العلمية ، التي كانت تدور بين الأساتذة والطلاّب ، أو بين الطلاّب أنفسهم ، حتّى كان له فيما بعد آراؤه في مسائل الفقه والفكر والأدب ، أعانته على ذلك ثقافته الشخصية ، وقريحته الفياضة ، وبيئته النشطة .

 

رحلاته ودراسته :

 

لم يكتفِ الشهيد الأوّل بثقافته التي تلقَّاها في جِزِّين ، بل راح يتطلَّع إلى آفاق أُخرى في مراكز إسلامية لِتَلَقِّي المعارف الجديدة ، فرحل إلى الحلّة وكربلاء المقدّسة وبغداد ، ومكّة المكرّمة ، والمدينة المنوّرة ، والشام ، والقدس . وهذه المدن كانت من أهم مراكز التوعية الدينية يومذاك ، لا سيما الحِلَّة ، التي تكرَّر سفر الشهيد الأوّل إليها ، حيث تلقَّى العلوم فيها على يد كبار شيوخها المرموقين ، أمثال : فخر المحقِّقين ابن العلاّمة الحلّي . ولم يمنعه انتماؤه المذهبي إلى أهل البيت ( عليهم السلام ) من أن يتعرّف على الثقافة السُنية ، بعد أن بلغ شأواً في المعارف ، فاطَّلع وناظر وحاجج في أجواءٍ علمية رحبة ، ونظر في ألوان مختلفة من الفكر ، وارتاد مختلف مراكز الحركة العقلية في البلاد الإسلامية ، وجالس العلماء والأساتذة ، فاستفاد وأفاد ، ويكفي في ذلك قول أُستاذه فخر المحققّين فيه : لقد استفدتُ من تلميذي محمّد بن مكّي أكثر ممّا استفاد منّي . ودرس الشهيد الأوّل على : ابن معيَّة ، وعميد الدين ، وضياء الدين من علماء الحلّة ، وعلى قطب الدين الرازي البُوَيهي ، فتأثّر بهم تأثّراً ظهر في منهجه وكتاباته .

 

أقوال العلماء فيه :

 

نذكر منها ما يلي : 1ـ قال الشهيد الثاني : شيخنا المحقِّق ، النحرير المدقِّق ، الجامع بين منقبة العلم والسعادة ، ومرتبة العمل والشهادة ، محمّد بن مكّي أعلى الله درجته ، كما شرَّف خاتمته . 2ـ قال المحقِّق الكَركي : فقيه أهلِ البيت ( عليهم السلام ) في زمانه ، علَم الفقهاء ، قدوة المحقِّقين والمدقِّقين . 3ـ قال الحُر العاملي في أمَلُ الآمِل : كان عالماً ، ماهراً ، فقيهاً ، محدِّثاً ، محقِّقاً ، متبحِّراً ، جامعاً لفنون العقليات والنقليات ، زاهداً ، عابداً ، شاعراً ، أديباً ، منشئاً . 4ـ قال الميرزا النوري في مستدرك الوسائل : جامع فنون الفضائل ، وحاوي صنوف المعالي ، وصاحب النفس الزكية .

 

مكانته الاجتماعية :

 

كان بيت الشهيد الأوّل ندوةً عامرة لأصحاب الفضل والأدب ، وطلاّب المعرفة ، وعلماء دمشق ، والأقطار المجاورة ، الذين كانوا يتردّدون على دمشق ، فكان بيته لا يخلو من الزائرين ، وأصحاب الحاجات ، إذ أصبح ملجأهم ، كما أصبح ملجأ العلماء في التدريس . ولِمَكانته الاجتماعية أصبح الشهيد الأوّل موضع حفاوة الطبقات المختلفة ، مكتسباً شعبيةً واسعة ، حتّى استطاع أن يتجاوز بنفوذه الروحي حدود الشام ، فانشدَّ إليه الملوك والحُكَّام من الأطراف ، منهم علي بن مؤيّد ملك مدينة خراسان ، وكان الشيخ على اتصال بهم ، مستغلاًّ ذلك لغاياته الإصلاحية .

 

مواقفه وخدماته :

 

سعى من خلال علاقاته الواسعة ومكانته في الأوساط العلمية لأن ينجز مهَام كبيرة في مجال الإصلاح والتوجيه ، وتوحيد الكلمة ، والضرب على أيدي العابثين المغرضين ، فأخمد فتنة اليالوش الذي ادَّعى النبوّة ، وقلَّص الخلافات الطائفية ، فوافقه أناس وعارضه آخرون ، فكان أن استدعاه حاكم خراسان ، فيما اعتقله حاكم دمشق ، واغتاله فيما بعد ، لأنّ حكومة بيدمر بدمشق كانت تخشاه ، وتحسب له حسابه ، إذ هي حكومة ضعيفة ، فحاولت أن تتخلَّص من الشهيد الأوّل وتقضيَ عليه ، حيث ترى فيه مذهباً مُندِّداً بالانحراف والضلال . وكان الشهيد الأوّل يَلقى أذىً متواصلاً مريراً خلال أعماله ، ولكن الذي كان يعانيه لم يُثنهِ عن أن يُحدِث نهضةً في عالم الفقه وغيره من العلوم ، وأن يفتح في جبل عامل أوَّل مدرسة فقهية هي ( مدرسة جزِّين ) ، فأصبحت طليعة النشاط الثقافي الشيعي هناك ، وقد قُدِّر لهذه المدرسة أن تُخرِّج عدداً كبيراً من الفقهاء والمفكِّرين الإسلاميِّين فيما بعد . فقد كانت حياته حلقاتٍ متصلةً من الجهاد العلمي والاجتماعي ، لم يهدأ حتّى ختَمَها بالشهادة خاتمةً مشرِّفة ، أدرجته في سِجِلِّ الشامخين .

 

مؤلفاته :

 

نذكر منها ما يلي : 1ـ الدروس الشرعية في فقه الإمامية . 2ـ البيان . 3ـ الألفية . 4ـ اللُّمعة الدمشقية . 5ـ النفلية . 6ـ ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة . 7ـ غاية المراد في شرح نُكت الإرشاد . 8ـ أربعون حديثاً . 9ـ القواعد والفوائد . 10ـ خلاصة الاعتبار في الحجِّ والاعتمار . 11ـ أحكام الأموات .

 

شهادته :

 

وُشِيَ به ( قدس سره ) إلى الملك بيدمر ، فسُجن في قلعة دمشق سنة كاملة ، فلمّا ضجَّ الناس خاف بيدمر ثورتهم وهجومهم على السجن لإنقاذ الشهيد الأوّل ( قدس سره ) ، أو الاستيلاء على الحكم ، فحاول التعجيل بقتل هذا العالم وإراحة نفسه منه ، فقدم وقتل ( قدس سره ) ، وكانت شهادته في التاسع من جمادى الثانية 786 هـ . ثمّ لم تشتفِ القلوبُ المريضة بهذا حتّى طمعت بإهانة الرجل بعد شهادته ، فقد أُمِر به أن يُصلب وهو مقتول على مرأىً من الناس ، ثمّ رجم بالحجارة، و لم يكتفوا بذلك بل قاموا بإحراق جثمانه الطاهر .

 

 

 

المصدر : الجمعية العالمية لأحياء التراث

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الثلاثاء 7 فبراير 2017 - 17:22 بتوقيت مكة