التبادل اللغوى والأدبي بين العرب والفرس قبل الاسلام

الأربعاء 25 يناير 2017 - 14:53 بتوقيت مكة
التبادل اللغوى والأدبي بين العرب والفرس قبل الاسلام

جاء فى كتاب مروج الذهب أن العرب والفرس هم من نسل النبى ابراهيم (عليه السلام)، كما جاء فى هذا الكتاب ان الفرس عرفوا بالفروسية ولهذا سموا بهذا الاسم، وكانت تربطهم ومازالت أو اصرالمحبة والصداقة وهذا ما اثبت في الكتب التاريخية المختلفة ،

فالفرس ساعدوا عرب اليمن عندما هاجم الأحباش على اهل اليمن في القرن السادس الميلادي ، كما ان بعض الملوك من الساسانيين قدحجوا بيت اللّه الحرام وانعكس هذا فى الأدب العربى، واحد الملوك الفرس كان يتكلم بالعربية وينظم أشعاره بهذه اللغة، العرب والفرس شعبان متجاوران منذ العصور البعيدة وحتى اليوم، ويقول الدكتور طه ندا فى كتابه الأدب المقارن الذى طبع فى لبنان عن الاثر الايجابى لهذا الجوار : (كان الحجاز على صلة مستمرة بالفرس، فالقوافل التى تحمل البضائع تتجه اليه من بلاد فارس، كما كان أهل الحجاز يترددون على أسواق الحيرة للبيع والشراء).

وحرض نجاشي الحبشة على غزو اليمن في القرن السادس الميلادي، بهدف إعادة السيطرة على الطرق التجارية، والقضاء على منافسيه الفرس فأقدم الأحباش على غزو اليمن سنة  533 ميلادية، وسيطروا عليها، وتولى القائد (أرياط ) الحكم بعد أن قضى على الملك ذو نواس الحميري، وقامت العديد من المحاولات للتخلص من حكم الاحباش إلا أنها لم تنجح إلى أن تمكن (سيف بن ذي يزن ) بمساعدة الفرس من القضاء على حكم الاحباش .

 فسارت الجيوش الفارسية الى اليمن في عهد الدولة الساسانية لنجدة أهلها وتحريرهم من أيدى الأحباش الذين غزوا اليمن وعاثوا فيها فسادا، فعبر ت الجيوش الفارسية مياه الخليج الفارسي الى عُمان ثم سارت في البر حتى وصلوا اليمن وهزموا الاحباش شر هزيمة ، وتولى امر اليمن الحاكم ( سيف بن ذي يزن ) بعد ان حررها الفرس من الاحباش حتى قتله حارسه الحبشي ، فأستقل بأمر البلاد ولاة من الفرس حيث توالوا عليها حتى جاء الاسلام والوالي يومئذ ( باذان بن ساسان ) آخر حاكم فارسي في اليمن ، وكانت قيادة الأبناء أو أبناء الأحرار في عُهدته أيضًا ، اعتنق باذان الإسلام في السنة السادسة للهجرة  ، وقد عيّنه الرسول الاكرم محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) واليًا على تلك المنطقة، وفيها أمضى بقية عمره و يعدّه معظم المؤرّخين من جُملة الصحابة .

بقي كثير من الفرس في اليمن زمنا طويلاً، وتزاوجوا، وعرفت سلالتهم فى بلاد اليمن بالأبناء وظهر منهم لاحقاً فى العهد الاسلامي شخصيات معروفة منهم طاووس بن كيسان ووهب بن منبه ووضاح اليمن وغيرهم) أسلموا وأخلصوا لله إسلامهم، وكانوا من بعد عونًا على الثائرين في حروب الردة، وهم الذين قتلوا المرتد ( الاسود العنسي ) ..

كان للفرس سلطان على البحرين ويوم دخل الاسلام البحرين كان فيها عدد كبير من الفرس وكان يحكمها حاكم اسمهُ سيبخت يُعرف ( مرزبان البحرين )، ويروى أن الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم) كتب إليهِ فأسلم .

نقلت لنا كتب التاريخ والأدب الكثير من اواصر العلاقة بين العرب والفرس ما قبل الاسلام ولو جُمعت هذه النتف المتفرقة لصورت لنا بعض الصور  من علاقات الفرس والعرب في ذلك العصر .

تجاورُ الفرس والعرب وتخالطهم، وما وقع بينهم من أحداث وتردد القوافل التجارية، بين جزيرة العرب وإيران، واستعانة الفرس برؤساء العرب، ولجوء ذلكم الرؤساء إلى الفرس احيانًا كل هذا ولاريب، يصل لغتي الأمتين، ويقرب بين آدابهما، وهناك آثار من هذه الصلات تنسب الى العصر الساساني ولا سيما أواخره، وإذا قسمنا العصر البعيد الذي لم يسجل التاريخ أخباره، بالعصر القريب من الإسلام لوجدنا أن الصلات بين الأمتين في الشؤون الاجتماعية والأدبية أقدم عهدًا مما عرفنا.

ومن القصص الأدبية التي نقلها لنا الرواة حول العلاقات الادبية بين الفرس والعرب قبل الاسلام هي قصة الملك الساساني (بهرام جور) إذ بعث بهِ أبوه إلى الحيرة لينشأ بها فتعلم هناك لغة العرب وشعرهم، ويعد ( بهرام جور ) من ملوك آخر سلالة ساسانية حكمت ايران قبل الاسلام الذين كان لهم باع طويل في الأدبين العربي والفارسي فهو ايراني ولكنه كان مشغوفاً باللغة العربية حيث أتقنها ونظم بها اشعاراً كانت تتسم بطابع الفروسية والشجاعة في ميادين الحروب.

ويقول ( شمس الدين الرازي ) في كتابه (المعجم في معايير أشعار العجم ) : " إن بهرام جور هو أول من نظم الشعر بالفارسية وأنهُ أخذ الشعر من العرب في الحيرة، وأن علماء الفرس استهجنوا منه قرضه الشعر فنهوه عنه، وهي قصة معروفة في الكتب العربية والفارسية بل روى بعض المؤلفين لبهرام شعرًا فارسيٍّا وعربيٍّا، وهذه القصص لها دلالات على ان هناك صلات أدبية قديمة بين العرب والفرس .

وقد ذكر المسعودى فى كتابه (مروج الذهب) أن بهرام جور "كان نشوؤه مع العرب بالحيرة ـ فى الجاهلية‏ـ وكان ينشأ الشعر بالعربيّة ويتكلم بسائر اللغات، وقد كتب على خاتمه  " الأفعال تعظم الأخبار" .

وكان ملك الترك واسمه خاقان قد هاجم بلاد فارس في أيام بهرام جور، وخرج بهرام الى حربه وقَتَلَهُ وبَدَّد جيوشه فأنشأ هذين البيتين بالعربية:

أقولُ لهُ لَّما فضضتُ جموعَهُ          كأنكَ لَمْ تَسْمَعْ بصولاتِ بهرامِ

فأني حامي ملك فارسَ كُلَّها        وما خير مُلْكٍ لايكونُ لهُ حامِ

نظم بهرام جور هذه الأبيات بالعربية أيضا:

ملكتُ ملوكهم وقهرتُ منهم       عزيزهم المُسَوَّدَ والمَسودا

فتلك اُسودهم تقعى‏حذارى         وترهب من مخافتي الورودا

وكنت اذا تشاوس ملك أرض       عبأتُ‏له‏الكتائبَ والجنودا

فيعطينى المقادةَ أو أوافي   به يشكو السلاسلَ والقيودا

ومن اهم المحطات التاريخية التي لابد من ان نقف عندها ضمن موضوع حلقتنا هو ان بعض الخطباء والادباء العرب كانوا يفدون الى بلاد فارس قبل الاسلام وكان الايرانيون يكرمونهم ونذكر بهذا الصدد ماورد في كتاب قصص العرب عن خطيب عربي من من قبيلة ثقيف من الطائف واسمه «غيلان» فقد وفد الى بلاد فارس قبل الاسلام والقى امام حكامها خطبة عربية جليلة أعجب بها حكام ايران آنذاك فكافأوه مكافأة قيمة اذ أمروا عمّالهم ان يذهبوا الي الطائف على رغم بعد المسافة وان يبنوا له قصراً هناك .

وبالاضافة الى ذلك لابد ان نذكر تكريم الايرانيين للاعشي الشاعر الجاهلي المعروف حيث تأثر الاعشى باللغة الفارسية لأنه كان قد سافر الى بلاد فارس عدة مرات .

الأعشي هو شاعر أشهر من ان يذكر، فعلى الرغم من ضعف بصره فقد كانت له قريحة نفّاذة، ومع انه كان يعشو في رؤيته فقد كان يقطع المسافات والمسافات ليفد بلاد فارس  ويأتي الى ايران حباً منه للايرانيين الذين كانوا يكرمون وفادته ويشتاقون الى الاستماع لأشعاره العربية، وقد ذكرت وفادة الأعشي لايران في مختلف الكتب وكان لها أثران مهمان وهما: تأثر الايرانيين باللغة العربية التي كان الاعشي ينشد بها أشعاره، وتأثر الاعشي باللغة الفارسية حيث يشاهد بعض الكلمات الفارسية في بعض أبياته .

المعروف ان الأعشى كان يفد على بلاط الساسانيين ويمدحهم وينال الجوائز منهم، وروى ابن قتيبة (ان الأعشى كان يفد على كسرى وقد أنشده قوله:

                       أرقتُ وَمَاهذا السهادُ المؤرقُ        ومابي من سُقْمٍ وَمابِي مُعْشَق

العلاقة الوطيدة بين اللغتين العربية والفارسية لم تكن موضع شك أو تساؤل بين علماء اللغات شأنها في ذلك شأن العلاقة بين الثقافتين العربية والفارسية فأنهما أيضا لم يكونا موضع شك أو تساؤل بين علماء التاريخ إذ تعود جذورهذه العلاقة الى العصر الجاهلي اوماقبل الاسلام .

   إن العلاقة بين اللغتين العربية والفارسية قديمة قدم مجاورة بلاد فارس لبلاد العرب وقد بلغت هذه العلاقة منتهاها من القوة بعد أن دخل الإسلام بلاد فارس وامتزجت الثقافتان العربية والفارسية وتكونت منها ثقافة إسلامية واحدة .

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأربعاء 25 يناير 2017 - 14:51 بتوقيت مكة